الإثنين الموافق 23 - ديسمبر - 2024م

“كيرياليسون في محبة الأقباط ” .. الكلمة في مواجهة الطائفية

“كيرياليسون في محبة الأقباط ” .. الكلمة في مواجهة الطائفية

“كيرياليسون في محبة الأقباط ” .. الكلمة في مواجهة الطائفية

 

بقلم_ جرجس بشرى

يقولون أن ” لكل إمريء نصيب من اسمه “، كما يقول الإمام علي رضي الله عنه ” المرء مخبوء تحت لسانه ” ، ولو دققنا في كتابات ومقولات الصديق العزيز الكاتب الصحفي ” حمدي رزق” سنلحظ أن له من اسمه نصيب ، كما نال الوطن حظا من هذا النصيب عندما رُزِقَ بكاتب يحمل في داخله همومه ويضع على عاتقه الدفاع عن الآم ومشاكل جزء أصيل من مكونات الأمة المصرية وهم ـ أقباط مصر ـ بتوصيف الداء بحيادية ومحاولة إيجاد حلولا جذرية لها على أرضية الدولة الوطنية التي لا تفرق بين مواطن وآخر استنادا إلى ديانته أو مذهبه أو جنسه أو طبقته الإجتماعية ، ولقد سعدت عندما تلقيت منذ اسابيع قليلة دعوة خاصة الأستاذ حمدي رزق على “الواتس اب ” لحضور حفل توقيع كتابه ” كيرياليسون في محبة الأقباط ” ، بمكتبة القاهرة بالزمالك ، إلا أنني لم يحالفني الحظ وقتها لحضور حفل التوقيع لظرف طاريء وقهري ، ولكن ما لفت انتباهي هو عنوان الكتاب ، الذي يعتبر من وجهة نظري جرس إنذار يحذر من خطورة الطائفية ، لكي نتنبه جميعا قيادة وحكومة وشعبا من هذا الخطر الذي يتربص بمصر الدوائر في ظل مخططات قذرة تجرى الآن على قدم وساق تقودها قوى مخابراتية لها أذرع في الداخل لضرب الدولة الوطنية في مقتل واشاعة الفوضى والإقتتال الديني والعرقي والمذهبي ، فمقالي هذا ما هو إلا تأمل في عنوان الكتاب الذي كان الكاتب بارعا وواعيا بكل معانية ودلالات وما ينطوي عليه من رسائل ؛ خفية وظاهرة ومباشر وغير مباشرة ، ففي العنوان أشهر حمدي رزق قلمه ليسطر تسطيرا بديعا عبارة تستنهض الوعي الجمعي للأمة بتاريخ مصر وحضارتها وتراثها المتنوع الثري ، فكلمة كيرياليسون لها مدلول تاريخي وديني عند الأقباط ، فهي كلمة قبطية من أصل يوناني وتعني ” يا رب ارحم ” ، ويتلوها المسيحيين في صلواتهم ، كما أن هذه الصلاة التوسلية بالذات تعيد لذاكرة الاقباط معجزة نقل جبل المقطم في عهد الخليفة المعز لدين الله الفاطمي سنة 979 م ،عندما انتقل الجبل بمعجزة إلهية بعد هذه الصلاة التوسلية بعد صوم وانقطاع عن الشراب والطعام للناس ثلاثة أيام متواصلة ، وقد ذكر المقريزي هذه المعجزة في كتاباته ، كما أشار حمدي رزق في عنوان كتابه إلى فضيلة عظمى هي الأولى في المسيحية وهي ” المحبة ” ، كما أن هذه الفضيلة التي مرادفها ” الود ” ترتبط بأحد أسماء الله الحسنى في الإسلام وهو ” الودود ” ، كما أن هذه الصفة ” الود ” خص بها الله المسيحيون ــ النصارى ــ والمسلمين في علاقتهما معا في القرآن الكريم عندما قال في سورة المائدة 82 : ” لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَآمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (المائدة:82) ؟ ، كما أن الرسول “ص ” عندما أوصى بالأقباط خيرا عند دخول المسلمين مصر بقوله : ” إذا فُتحت مصر فاستوصوا بالقبط خيرا ، فإن لهم ذمة ورحما ” ، وبالتالي فأن حمدي رزق يؤصل لفضيلة المحبة .. محبة المسلم للقبطي .. ليس تفضلا من المسلم على القبطي ولكن إعمالا بوصية قرآنية ورسالة نبوية ، وتأكيدا لقيمة إنسانية مشتركة بين الإسلام والمسيحية التي إذا طبقوها بصدق وعزم ما كنا رأينا وسمعنا عن حوادث العنف التي تطول الأقباط من قبل بعض المتطرفين وتجار الدين والمأجورين الذين لا يمثلون جوهر الإسلام فهما صحيحا ، أما كلمة ” الأقباط ” في عنوان الكتاب ففيها محاولة جادة وواعية لتصحيح المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالهوية المصرية المتفردة التي تحاول مخططات ومؤامرات قذرة استلابها من عقول المصريين عنوة ، وتغريبهم عن جذورهم وماضيهم المشرف في النضال المشترك في مواجهة الإستعمار والإحتلال الفكري ، حيث أن الكلمة ما هي إلا تذكير وتأكيد لهويتنا المصرية القديمة ؛ ولا يظن ظان أن كلمة قبطي حكرا على الأقباط وحدهم ؛ لان كل المصريين أو الأغلبية الكاسحة منهم أقباط ، ولكن المصطلح اكتسب بعدا دينيا بعد دخول العرب مصر ، فأطلقوا على المسيحيين وقتها أقباط ، إلا أن الكلمة في الأساس مصرية قديمة ، فكلمة قبطي مأخوذة من ” قبط ” وجمع قبط : ” أقباط ” ؛ والأقباط هم أهل مصر منذ فجر التاريخ كما يقول الدكتور رأفت عبد الحميد في كتابه ” الِفكر المصري في العصر المسيحي ” صفحة 12 : [ القول بـ “مصر القبطية ” أو ” مصر في العصر القبطي ” فهو بعيد عن الحقيقة التاريخية ولا يتفق مع المنطق جملة وتفصيلا ، فليس هناك في التاريخ ما يسمى ” عصر قبطي” ، إلا إذا أطلقنا ذلك على التاريخ المصري كله منذ بدايته المعروفة في الألفية الخامسة قبل الميلاد إلى أن تقوم الساعة ، لأن كلمة ” قبطي” تعني “مصري” ، والقبط والأقباط تعني المصريين جميعا منذ أن فتحت الدنيا عليها عيونهم قبل فجر التاريخ ] . كما أن كلمة ” قبطي” مأخوذة من اللفظ اليوناتي Αίγυπτος ومنها جاءت ” قبط ” ومنها أقباط أي مصريين ، وتدل على أهل مصر .وبالتالي ليس غريبا على مصر المتفردة تاريخا وجغرافيا وحضارة وشعبا أن نجد حمدي رزق يشهر قلمه ليدافع عن الأقباط لان الراجل في رأيي وهو يدافع عنهم إنما يدافع عن مصر كلها و لأنه يدافع عن مصر كله ، فالكتاب يرصد وبصدق وبدون تجميل او تقبيح أوضاع أقباط مصىر خلال قرابة سبع سنوات منصرمة بإيجابياتها وسلبياتها وأوضاع الاقباط في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي كما يسرد الكاتب بعض المعوقات التي تقف حجرة عثرة أمام الدولة الوطنية في بعد الحوادث التي تعرض لها الاقباط مطالبا صناع القرار بتلافيها .. وبالتالي فالكتاب ما هو إلا سلاح قوي ضد الطائفية ، وهو محاولة جادة للتأكيد على تأصيل وترسيخ وتمكين مفهوم الدولة الوطنية المستهدفة ، فـ “حمدي رزق ” كتب هذا الكتاب بقلم مداده جيناته المصرية الفرعونية الضاربة في أعماق التاريخ .. فلا ينطق بهذا الكلام ولا يحمل هذه الهموم سوى من كانت جيناته مصرية خالصة ، فهو سليل شعب حير الغزاة بوحدته وترابطه ومخزونه القيمي والحضاري والديني .. هو إبن مصر العظيمة العصية على التفتيت والتفكك إلى يوم الدين .. مصر التي انجبت بابا الأقباط الأنبا تواضروس الثاني الذي خرج على العالم كله بعد حرق الإرهابيين للكنائس عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة ليقول أمام العالم كله ” إذا احرقت الكنائس سنصلي في المساجد ” و ” وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن ” .. مصر التي انجبت وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة الذي قال على مرآى ومسمع من العالم بكل قوة وبملء الفم متحديا الإرهابيين وتجار الدين والقوى التي تحركهم بعد استهداف الإرهاب لعدد من الكنائس : ” حماية الكنائس واجب شرعي ومن مات دفاعا عن الكنيسة كمن مات دفاعا عن مسجد ” ، فعندما يتعرض الكاتب حمدي رزق بكتابه الجديد ” كيرياليسون في محبة الأقباط ” لمشكلات الأقباط ويرصد ويوثق ويؤرخ لأوضاع الأقباط خلال فترة هامة ومفصلية في تاريخ الأمة المصرية إنما يبرهن للعالم على أن المصريين جميعا مسلمين وأقباط شركاء في النضال والكفاح والمصير والدم والهم ، وأن طرح معاناة الأقباط لا تنفصل عن الهم المصري وأمر يؤكد على أن جينات المصريين واحدة ، وأن الشخصية المصرية المتفردة تتحطم تحت اقدامها دعوات الفرقة والإنقسام ومخططات التفتيت ، فالشخصية المصرية جيناتها واحدة ويؤكد على ذلك البحث الذي أجرته عالمة الجينات” مارجريت كاندل ” ، حيث قامت هذه الباحثة بإجراء بحث على عينات من جينات المصريين مسلمين واقباط ، ومن أماكن مختلفة في مصر ، من النوبة للإسكندرية ولمدة خمس سنوات من عام 1994 إلى 1998 ، وأظهرت نتيجة البحث أن الضفائر الجينية للشعب المصري بمسلميه وأقباطه واحدة في 97 % من الجينات وهي ضفائر جينية تعود للفراعنة ” ، فتحية للكاتب حمدي رزق على كتابه الجديد ، والله اكبر على محبتنا ووحدتنا وتحيا مصر
[email protected]

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 78690957
تصميم وتطوير