أغلقت صناديق الاقتراع الخاصة باليوم الأول من الانتخابات البرلمانية لإقليم كردستان العراق، الذي خصص لمنتسبي القوات الأمنية (البشمركة والشرطة والأمن الداخلي)، مساء أمس الجمعة، وسط نسب مشاركة مرتفعة، على أن تستكمل غدًا الأحد 30 من سبتمبر/أيلول لبقية مواطني الإقليم من المدنيين.
الانتخابات التي يتنافس فيها 709 مرشحين على 111 مقعدًا كان من المفترض إجرائها في العام الماضي، إلا أنها أُجلت بسبب الخلافات السياسية والحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” كما أنها تتمتع بخصوصية مميزة على المستويين المحلي والإقليمي، كونها الأولى بعد الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان في سبتمبر/أيلول 2017 الذي أبطلت نتائجه فيما بعد وما نجم عنه من تغير واضح في ملامح الخريطة السياسية للإقليم.
ورغم الفرص الضئيلة نسبيًا في تحقيق أي تقدم ملحوظ، تسابق المعارضة الزمن للبحث عن موطئ قدم لها في هذا الماراثون الذي من المتوقع أن يتصدر مشهده العام الحزبان الكرديان الرئيسان: الحزب الديمقراطي الكردستاني (آل برزاني) والاتحاد الوطني الكردستاني (آل طالباني).
مشاركة عالية
كما هو متوقع فقد سجل اليوم الأول من الانتخابات إقبالًا كبيرًا، حيث تجاوزت نسب المشاركة حاجز الـ80% وصلت في بعض المناطق إلى 90% من إجمالي من لهم حق التصويت البالغ عددهم 170 ألف عنصر أمني من البشمركة والأمن الداخلي، منهم 62 ألفًا و465 عنصرًا في محافظة السليمانية، والبقية موزعة على كل من محافظة أربيل ودهوك بالإضافة إلى حلبجة.
المفوضية العليا للانتخابات بالإقليم أعلنت مشاركة 150 ألف ناخب حتى الساعات الأولى من عملية الفرز، فيما أشار عضو المفوضية جوتيار عادل إلى أن نسبة التصويت بلغت لحد الساعة الـ3 عصر أمس 77% في أربيل و80% في السليمانية ودهوك وحلبجة التي تشارك للمرة الأولى في الانتخابات كمحافظة مستقلة.
عقب عملية الاقتراع التي تمت داخل 99 مركزًا انتخابيًا وخضعت لمراقبة 25 منظمة محلية و5 منظمات دولية بدأت مرحلة فرز وعد الأصوات، فيما أشارت مصادر مقربة إلى أن النتائج الرسمية سيتم إعلانها رسميًا مع نتائج التصويت العام الذي سيجري غدًا الأحد.
الأجواء الانتخابية جرت على ما يرام ولم تُسجَّل خروقات ملموسة، غير أن بعض مراكز الاقتراع شهدت حالات عدم سماح للناخبين بالإدلاء بأصواتهم لعدم امتلاكهم أوراقهم الثبوتية الشخصية، حسبما نقلت “الجزيرة” عن مصادر لـ”الأناضول” فيما نقل عن “المفوضية العليا لحقوق الإنسان” تسجيلها عددًا من الملاحظات خلال التصويت الخاص، لافتةً إلى أن بعض مراكز الاقتراع في محافظات الإقليم شهدت إدخال أسلحة من الناخبين في أثناء الإدلاء بأصواتهم، وأشارت إلى أن بعض الناخبين قاموا بتصوير ورقة الانتخاب الخاصة بهم من خلال هاتفهم المحمول، من دون معرفة غايات الأمر.
خصوصية استثنائية
العديد من الاعتبارات تجعل من الانتخابات الحاليّة التي تم تأجيلها لقرابة عام ذات أهمية وخصوصية استثنائية، فبعيدًا عن كونها أول استحقاق دستوري بعد تحرير العراق من المناطق الواقعة تحت سيطرة “داعش” ودخول قوات “البشمركة” كقوة أساسية في هذه الحرب بعد أن فقدت فيها قرابة 30 ألف من عناصرها، غير أنها تجري وسط تصاعد الصراع بين الحزبين الرئيسيين على خلفية مكاسب سياسية داخل الإقليم وخارجه.
هذا بخلاف أنها تعد أول اختبار فعلي لشعبية وجماهيرية “الحزب الديمقراطي” بزعامة مسعود البارزاني الذي فقد الكثير من ركائزه الشعبية إثر تحميله مسؤولية استفتاء الانفصال الكردي الذي تم التراجع عنه لاحقًا بعد أن تسبب في عقوبات اقتصادية وسياسية على الإقليم، وخسارة الأكراد نفوذهم على كركوك ومدن أخرى كانت أربيل تبسط سيطرتها عليها في نينوى وديالى وصلاح الدين، تحت عنوان المناطق المتنازع عليها.
الشارع الكردي خاصة والعراقي عامة يترقب ما ستفرزه الانتخابات الحاليّة من نتائج ترسم الملامح العامة للسياسة الداخلية في التعامل مع أزمات ومشاكل الإقليم المتفاقمة خلال العامين الأخيرين على وجه الخصوص، إضافة إلى توجهات السياسة الخارجية في التعامل مع قضايا الدولة العراقية والمنطقة بصورة أعم وأشمل، وهو ما يضعها تحت مجهر الاهتمام والمتابعة للكثيرين.
عنصر المفاجأة مستبعد
السمة الأبرز للدورة الـ5 من الانتخابات البرلمانية للإقليم أنها من المتوقع ألا تأتي بجديد فيما يتعلق بالخريطة السياسية لتشكيلة البرلمان الجديد، إذ يتصدر السباق الكتلتان الرئيسيتان الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، أما بقية أحزاب وتكتلات المعارضة الأخرى وعلى رأسها حركة التغيير وحركة الجيل الجديد والجماعة الإسلامية فتشير التقديرات إلى أنها تخوض المعركة كقوى معارضة للثنائية الحاكمة، في ظل تضاؤل الأمل في تحقيق أي مفاجآت تُحدث خروقات ملحوظة في المشهد الانتخابي.
ومن ثم من المرجح أن يواصل الحزبان الحاكمان تصدرهما للساحة السياسية خلال السنوات الـ4 القادمة، غير أن ذلك سيدفع كلاهما إلى تعزيز روح المنافسة على تحقيق أكبر قدر من المكاسب، الأمر الذي من المقرر أن ينعكس على العلاقات بين أربيل والسليمانية خاصة في ظل التباين الواضح فيما بينهما بشأن بعض الملفات، في مقدمتها كيفية التعامل مع الاستحقاقات الدستورية في بغداد، وعلى رأسها رئاسة الجمهورية التي رشّح كل منهما شخصية لها.
العديد من المؤشرات تذهب إلى دعم تحالف الإصلاح الذي يضم مقتدى الصدر وحيدر العبادي لبرهم صالح مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني، فيما يذهب تحالف “البناء” الذي يضم هادي العامري ونوري المالكي إلى دعم فؤاد حسين مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني.
كما يشكل ملف رئاسة الوزراء واحدًا من الملفات المتأرجحة بين الحزبين، خاصة مع عودة الحديث عن أن عادل عبد المهدي هو الأوفر حظًا لتولي المنصب، غير أنه في المقابل شدد حزب “الدعوة” في بيان له على ضرور أن تكون الحكومة المقبلة “حكومة منفتحة على كل الكتل السياسية والمكونات الراغبة في المشاركة في تشكيل حكومة شراكة وطنية، بعيدًا من المحاصصة الحزبية والطائفية”.
كما طالب بـ”لزوم التسريع في تشكيل الحكومة الجديدة والتقيد بالسياقات الدستورية فيما يتعلق بمهام الكتلة الأكبر ودورها المحدد بالدستور التي يلزم أن تكون حكومة فاعلة تنهض بمشاريع الخدمات المطلوبة وإنجاز مشاريع البنى التحتية”، مختتمًا بضرورة “السعي المتواصل لتوحيد الكتلتين “ائتلافي النصر ودولة القانون” لتفعيل دورهما ومواقفهما الموحدة في العملية السياسية في كل مفاصلها السياسية والتشريعية والتنفيذية”.
وفيما يتعلق بمنصب رئاسة الجمهورية، فهناك مشاورات تجرى بوساطة شخصيات عامة مقبولة من الجميع للتقريب بين الحزبين الكرديين الرئيسين، بشأن تقديم مرشح واحد للمنصب، حسبما أشار عضو الاتحاد الوطني الكردستاني غياث سورجي، لافتًا إلى أن الحزب الديمقراطي قدم مقترحين لنظيره الاتحاد الوطني، يقضي الأول بتنازله عن جميع المناصب المخصصة للكرد، مقابل التنازل عن منصب رئاسة الجمهورية، فيما يدعو المقترح الثاني إلى إجراء تصويت داخل الأطراف الكردية لاختيار المرشح الأعلى أصواتًا ليكون مرشحًا توافقيًا.
الانتخابات في أرقام
تعد الانتخابات الحاليّة هي الـ5 في تاريخ الإقليم يشارك فيها 3 ملايين و300 ألف ناخب لهم حق التصويت، موزعين على 1200 مركز انتخابي في محافظات الإقليم الـ3، فيما بلغ عدد المحطات المؤهلة لاستقبال الناخبين 5933 محطة تصويت.
خريطة التحالفات الانتخابية التي يتقدم من خلالها المرشحون تنقسم إلى 3 تكتلات، الأول: تحالف “سردم – المعاصر” الذي يضم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الكردستاني وحزب العمال والكادحين الكردستاني والاتحاد القومي الديمقراطي في كردستان، الثاني: تحالف “الوحدة القومية” ويضم حزب بين النهرين المسيحي وحزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني وتيار شلاما والمجلس القومي الكلداني، الثالث: جبهة الإصلاح وتضم حزب الاتحاد الإسلامي والحركة الإسلامية في كردستان العراق.
يتنافس المرشحون على 111 مقعدًا برلمانيًا، يخصص 11 منها للأقليات القومية والدينية التي يطلق عليها اسم الكوتا وهي موزعة كالتالي: 5 مقاعد للتركمان و5 للمسيحيين ومقعد واحد للأرمن، ويتصدر الحزب الديمقراطي قائمة الأحزاب ذات المقاعد الأكبر في البرلمان منذ تأسيسه عام 1992، يليه حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ثم حركة التغيير فالجماعات الإسلامية.
وبسبب الخلافات البينية التي نشبت بين أعضاء الاتحاد الوطني خلال الدورة السابقة فقد أدى ذلك إلى تراجعه لحساب حركة التغيير التي تقدمت بسبب انضمام كثير من أعضاء الوطني بعد انشقاقهم، غير أن استطلاعات الرأي التي أجرتها بعض المنظمات تشير إلى ترجيح احتمالية تقدم الوطني على الحركة في هذه المعركة فيما يبقى الديمقراطي متصدرًا.
التعليقات