السبت الموافق 21 - ديسمبر - 2024م

ع الموضوعية!

ع الموضوعية!

بقلم : د. محمد أبوالعلا
يعتقد البعض أن معنى الموضوعية يسير حسب المبدأ الذي حذرنا منه الفنان حسن الأسمر، مبدأ “لعب الصغار” تخاصمني في المسا وتصالح بالنهار!، أو أنها تسير حسب مبدأ الشيخ سيد مكاوي “خلي شوية عليا وخلي شوية عليك” عشان المركب “بتاع الهجرة” تقدر تمشي بيا وبيك، أما مبدأ “إسحاق نيوتن “لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه” فليس له مكانٌ بيننا، لأن الموضوعية في مصر تسير علمياً حسب قانون “الطفو” ليس لأرشميدس، وإنما لأصحاب مبدأ “مطرح ماترسي نُدقلها!”، فإذا هاجرت مركب الهجرة بسلام، أصبحنا نموذجاً مشرفاً للشرف والبحث عن لقمة العيش، أما إذا كان مصيرها كعبَّارة السلام “قول ع الدنيا السلام”، نتصرف كالأخوة عند تقسيم الميراث “احنا نلم الرجالة ونقعد كلنا ونشوف اللي لنا واللي علينا، واللي له حق ياخده”، وغالباً مايكون الهدف ليس إعطاء كل ذي حقٍ حقه، إنما إعطاء شرعية للأخ أمام اللجنة المشكلة من الرجال لنهب أخيه!، ويظهر فجأة بيننا قانون “المحاسبة” الذي نريد أن نعرف من خلاله “مالنا وما على الحكومة؟”، أما مبدأ ” نقول اللي لنا واللي علينا” الذي هو الموضوعية بلغتنا العامية؛ فقد اختفى حتى اندثر، لأن الموضوعية أصبحت تعني أن الحكومة على حق مرةً، وعلى باطل ألف مرة!، فإذا كان على الحكومة أن تستصدر قوانين رادعة ـ وبالطبع لابد منها ـ لأصحاب مراكب الهجرة غير الشرعية، فما دور الأسرة التي خرج منها أربعة أشقاء فغرقوا جميعاً؟ هل تلام الحكومة على سلوك رجلٍ لا يُلقي بابن أو اثنين من أبنائه في عرض البحر، بل أربعة؟ أم علينا أن نعلم أن المسؤلية مشتركة بيننا وبين الحكومة، بل نحن علينا العبء الأكبر قبل الحكومة، وقد ضرب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم المثل بين من يُقوِّم سلوك أخيه ومن يتركه بالفريقين اللذين استهما على سفينةٍ فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فجعل الذين في أسفلها يقولون لو أنَّا ثقبنا ثقباً في نصيبنا ليدخل منه الماء، وبالطبع لو تركهم الذين في أعلى السفينة لهلكوا جميعاً، ولو أنهم أخذوا على أيديهم لنجوا جميعاً، فإذا كنا نلوم الحكومة مرة؛ فإننا نلوم تلك الأسر التي فرطت في أبنائها الذين لا تتعدى أعمارهم العشرين، ألف مرة، حقاً يقول الله تعالى “ألم تكن أرض الله واسعةً فتهاجروا فيها” لكن هل أمرنا بالهجرة غير الشرعية التي تعني الانتحار؟ هل أمرنا أن نترك الحبل على الغارب لأبنائنا طمعاً في ذهب إيطاليا وجنوب إفريقيا؟، بدلاً من أن نلعن الحكومات علينا أن نلعن مبادئنا العقيمة التي تجعل قيمة الإنسان بيننا في المادة، إنني أعلم تمام العلم كما يعلم غيري أن هؤلاء الشباب يسافرون إلى إيطاليا وغيرها بحثاً عن المال، ولكن على الجانب الآخر لتتباهى أسرهم وأهل قريتهم أنه سيقدم شبكة لعروسه تتعدى خمسين ألفاً، وسوف يحضر كذا وكذا في الجهاز، بدلاً من أن نلعن الحكومات علينا أن نلعن الطمع الذي ملأ أنفسنا، العنوا الحكومة مرة والعنوا أنفسكم ألف مرة، نعم الحكومة لم توفر، والحكومة لم توقر، ولم تدبر، لكن ماذا قدمنا ودبرنا نحن؟ لو كان بيننا مباديء حقة لأنقذتنا من غرق مراكب الهجرة، لو كان بيننا موضوعية لهرب الشباب قبل أن يركبوا ذلك المركب الذي يقل على متنه أكثر من ثلاثمائة، ألم يكن هناك عقل يميز بين هذا المركب الذي سيغرق حتماً وبين غيرها؟ وفي النهاية نحن من يحزن ويتأسف ويحمل هم أبناء الوطن، رحم الله هؤلاء الشباب وأبدلهم خيراً عن شبابهم، وألهم ذويهم الصبر والسلوان على قراقهم.

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 78634920
تصميم وتطوير