تابعنا جميعا خلال الأشهر الخمس أو الست الماضية مشكلة تراجع سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي ، سالني الكثيرون عن السبب أو الأسباب وكيف يمكن الخروج من تلك الازمة !
دعوني بداية أوضح أننا حزانى بسبب تراجع قيمة الجنيه امام الدولار لاننا بلد غير مصدر. فلو اننا بلد منتج لمنتجات كثيرة او اننا بلد مصدر، لفرحنا وسعدنا لان تراجع الجنيه اكثر سيؤدي الى جعل صادراتنا اكثر جاذبية وفي نفس الوقت سترتفع تكلفة الاستيراد المصري من الخارج فتقل الواردات. لو ان ما حدث عندنا حدث في الصين مثلا لفرحت الصين لان الاقتصاد الصيني اقتصاد تصديري من الطراز الاول.
كقاعدة، قوة اي عملة تاتي من قوة الاقتصاد. فكلما كان اقتصادك قويا كلما كانت عملتك قوية. فالمسالة ببساطة عرض وطلب. اي شيء يزيد الطلب عليه عن المعروض منه يرتفع سعره والعكس صحيح فلو زاد الطلب الاجنبي على الجنيه سيرتفع سعر صرف الجنيه. وفي المقابل فاننا في مصر طلبنا كبير على الدولار نظرا لاننا نستورد ثلاثة اضعاف ما نصدره، فمن اين ستغطى الفجوة؟ نحن نصدر بحوالي 22مليار دولار ونستورد بحوالي 60 مليار دولار وفقا لاخر احصائية.
خلال السنوات الماضية كانت تغطى الفجوة من خلال عائدات السياحة وتحويلات المصريين وعائدات قناة السويس. المشكلة ان اعداء الوطن فطنوا الى ذلك، فتم ضرب السياحة وتشويه صورة الوطن حتى لا ياتي السائح وبالتالي لم يدخل مصر حوالي 18مليار دولار من السياحة كانت تستخدم في استيراد مانحتاجه من سلع اساسية. ايضا ترتب على تراجع اسعار النفط في السوق العالمي ووصول سعره لنحو 30دولار قيام عدد من ناقلات النفط بتحويل مسارها الى طريق راس الرجاء الصالح بدلا من المرور عبر قناة السويس ودفع رسوم. فسعر البرميل متدني. وهنا تراجعت نسبيا عائدات قناة السويس التي تاتي بالدولار الذي نستخدمه في سد العجز بين صادراتنا ووارداتنا. ايضا ترتب على تراجع اسعار النفط تراجع الطلب والنشاط الاقتصادي في دول الخليج واضطرار بعضها لخفض رواتب العاملين وهو ما اثر بالسلب على اجمالي تحويلات المصريين التي تكون بالدولار وهذا مصدر اخر للدولار تراجع. اذا مصادر الدولار الذي كان يدخل مصر تراجعت للاسباب اعلاه فقل المعروض منه محليا في وقت نحن في حاجة لاستيراد الكثير من السلع الاساسية ومدخلات الانتاج وبالتالي خلق سوق سوداء للدولار فتصاعد على النحو الذي رايناه.
اضافة للاسباب اعلاه هناك من استغل هذا الوضع الخانق وسعى لتضييق الخناق اكثر حيث يتم تهريب الجنيه للخليج وشراء الدولار من المصريين بسعر مغري وبالتالي منع دخول الدولار الذي نحتاجه فتزداد الازمة اشتعالا. وهكذا تتوالى حلقات الازمة رغم جهود البنك المركزي لاحتواءها.
خلاصة القول، فان هناك اسباب داخلية واخرى خارجية اججت ازمة الجنيه ولا يمكن ان ننكر وجود المؤامرة، لان ارتفاع سعر الدولار يعني ارتفاع اسعار السلع المستوردة بهذا الدولار الغالي وبالتالي من سيعاني؟ انه المواطن الغلبان او اصحاب الدخول الثابتة. وعندما يعاني هؤلاء، سيلعنون كل شيء وهذا هو ما يستهدفه اعداء هذا الوطن.
ان شاء الله اعرض في بوست قادم لسبل الخروج من تلك الازمة. ولكن لي كلمة من القلب اقولها، وهي اننا نختلف مع بعضنا كما شئنا، ولكن دون ان نهدم الوطن لا ينبغي ان يكون اختلافنا على حساب الوطن. وما يحدث هدفه اسقاط وطن وان شاء الله لن يسقط رغم المعاناة. اكمل ان شاء الله لاحقا.
التعليقات