الأحد الموافق 15 - ديسمبر - 2024م

المنطقة الوسطى الليبية _ بين الحرب على داعش والصدام المرتقب بين الشرق والغرب

المنطقة الوسطى الليبية _ بين الحرب على داعش والصدام المرتقب بين الشرق والغرب

محمد العزبى 

تعيش ليبيا منذ أكثر من أسبوعين على وقع العمليات العسكرية من جانب القوات التابعة لحكومة الوفاق الليبية والتي سميت بـ”عملية البنيان المرصوص” ضد ما يسمى بتنظيم “داعش” المتطرف في مدينة سرت. .
وتتم هذه العملية على مستويين عسكريين أساسيين وهما: – قوات الغرفة الأمنية المشكّلة للمنطقة الممتدة بين مصراتة وسرت من أبناء المناطق الغربية لليبيا وأساسها من مدينة مصراتة، والتي دخلت للجبهة عن طريق 3 محاور أساسية عمادها محور من الغرب ومحوران من جنوب المدينة. – قوات حرس المنشآت النفطية التي سيطرت على مدينتي بن جواد والنوفلية وهراوة وهي في الطريق نحو سرت من جانب محور ساحلي جنوبي شرقي، يعتبر امتدادا لسيطرة هذه القوات حتى قبل دخول “داعش” إلى سرت منذ عام تقريبا.
ورغم دخول هاتين القوتين بقوة في الحرب ضد داعش بسرت إلا أن قوات مجلس النواب بطبرق بقيادة خليفة حفتر لم تحرك ساكنا وحافظت على مواضع متقدمة نسبيا دون أن تشارك في العمليات، مما يطرح عديد الاستفهامات حول الخطوة التي ستنفذها قوات حفتر، في علاقة بمجريات الأحداث الحاصلة في المنطقة الوسطى في ليبيا. ومع دخول الحرب على هذا التنظيم في سرت إلى مرحلة حاسمة فإنه من المنتظر أن تكون مرحلة طويلة جدا، إذ أن التنظيم سيسعى لجذب هذه القوات شبه النظامية لحكومة الوفاق لحرب شوارع في سرت،
وهذا النوع من الحروب تعتبر من أبجديات العمل العسكري بالنسبة للتنظيم الارهابي، والذي قد يسعى لتحقيق غايتين: . أولا/ سيسعى ما يسمى بتنظيم “داعش” إلى الايقاع بقوات الوفاق في مرحلة من الانهاك الكبير من خلال حرب كر وفر كبيرة في شوارع سرت على شاكلة تلك التي تخوضها قوات مجلس نواب طبرق بقيادة خليفة حفتر في بنغازي منذ مدة في علاقة بالمعارك الدائرة هناك ضد تنظيم “داعش” في المدينة أو ضد قوات مجلس شورى ثوار بنغازي، خاصة وأن عدد مقاتلي هذا التنظيم وصل إلى 6000 مقاتل، توفي منهم عدد قليل فيما ينتظر الآخرون، “معركة لانهاك قوات الوفاق في فخ من حرب الشوارع يبدو أنه تحضر لها جيدا. . ثانيا/ سيسعى ما يسمى بتنظيم “داعش” ربحا للوقت الى الخروج في جماعات صغيرة من سرت واعادة التموقع في مناطق أخرى قد تكون في 3 اتجاهات ممكنة: . *في اتجاه وسط الجنوب، اي انطلاقا من سرت نحو الجفرة أو نحو الأراضي الصحراوية المتاخمة للحدود بين تشاد والنيجر حيث يمكن أن يشكل ذلك الموقع مكانا جديدا للنشاط، خاصة وأن هذه المنطقة مكنت التنظيم الارهابي من التضخم بسبب تيارات الهجرة الوافدة اليها من افريقيا،
وكذلك من التعاون الكبير الذي له علاقة تحالف كبيرة قائمة على المجاورة بين “داعش” ليبيا بمختلف فروعها وكذلك جماعة بوكوحرام والتي وصل نشاطها إلى تشاد والنيجر وشمال مالي، وهي مناطق متاخمة لليبيا. . **في اتجاه اقصى جنوب غرب ليبيا، أي نحو مثلث الحدود الليبية الجزائرية النيجرية، أو ما يصطلح على تسميته بمثلث كولومبيا، وهي منطقة سميت كذلك لصعوبة مراقبة تضاريسها الجبلية الصخرية والصحراوية والتي تنشط فيها مختلف الجماعات والمافيات في تهريب المخدرات والأسلحة، بل وتعتبر هذه المنطقة بمثابة مفترق طرق بين مختلف مروجي البضائع، وهو ما قد يمكن هذا التنظيم من مكان يمكنه من اعادة تأسيس نفسه والاندماج مع جماعات ارهابية أخرى على غرار المرابطين بزعامة مختار بلمختار وكذلك قاعدة المغرب في الصحراء، في عمليات التهريب مما يدر عليه دخلا كبيرا قد يمكنه من اعادة بناء تنظيمه، كم يمكن أن يدخل في صراع كبير مع تلك الجماعات في اطار مادي وكذلك في اطار فكري (في وقت تكفر فيه القاعدة الدواعش.. فان الدواعش يكفرون القاعدة). .
المنطقة الممتدة بين جنوب الزنتان إلى حدود الجزائر والنيجر، في المناطق التي ينشط فيها الطوارق، والتي تعتبر منطقة قاحلة، ويصعب مراقبتها، لقلة كثافتها السكانية.
كذلك فإن ما تعيشه المنطقة الوسطى لليبيا وخاصة في سرت، قد يطرح عديد السيناريوهات الأخرى التي قد تحصل في اطار الحرب على “داعش”، فالحرب على تنظيم “داعش” بالنسبة للفرقاء الليبيين اصبحت ورقة من ورقات الصراع السياسي بين الشرق والغرب في ليبيا، ارتسمت ملامحه الميدانية في المنطقة الوسطى في ليبيا (المنطقة الممتدة من سرت حتى أجدابيا، وجنوبا وصولا للجفرة) والتي تعتبر الساحة التي ترجم فيها الصراع السياسي العسكري بين هذين الفريقين،
بعد صعود تنظيم “داعش” في منطقة سرت، هذه المنطقة التي تعتبر حدود الصراع والخارطة الصراعوية بين الشرق والغرب في ليبيا وتسبب غياب سلطة سياسية قوية عليها في دخول داعش اليها وسيطرتها عليها بكل سهولة منذ عام تقريبا. . ميدان الصدام ان عدم تقدم قوات الشرق نحو سرت واكتفائها بالربوض في مدينة زلة جنوب سرت، واكتفاء قوات كتيبة من كتائب الزنتان بالتعسكر قرب مدينة سرت (وادي زمزم) دون التدخل في العمليات الدائرة في المدينة،
يوضح أن قوات الشرق تسعى إلى استغلال اي ضعف للانقضاض على ما تحقق من قبل قوات الشرق، وهذا ما قد يدخل المنطقة في مواجهات بين قوات مصراتة التي ترى في هذه المنطقة مجالا حيويا لها وبين طموح خليفة حفتر وقوات الشرق التي تسعى لحسم المعركة لصالحها، ولتكون ورقة سياسية تسعى من خلالها سلطات الشرق لفرض سياسة أمر واقع أمام المجتمع الدولي وبالنسبة للّيبيين، خاصة وأن سلطات الشرق ترى أن السلطات في الغرب هم من الارهابيين وبالنسبة لها لا فرق بين قوات درع مصراتة أو ارهابيي “داعش”، بل ترى أن وجود “داعش” وانتشاره في ليبيا هو نتيجة لتهاون قوات “فجر ليبيا” (تحالف قوات اسلامية) معهم خاصة في نطاق ما يسمى “المجاورة”. من هذا المنطلق فإن سلطات الشرق بقيادة مجلس النواب في طبرق وقواته التي يقودها خليفة حفتر ستسعى إلى الانقضاض على قوات الغرب في المنطقة الوسطى، بعد أن تخرج منهكة من حربها ضد تنظيم “داعش”.
إن هذا الاطار سيطرح دخول المنطقة الوسطى لليبيا في حرب غير مسبوقة ومباشرة بين قوات الغرب ذات الايديولوجيا الاسلامية والشرق ذي الايديولوجيا الليبرالية، وهو ما قد يتسبب في تأزم الوضع أكثر خاصة على المستوى الاقليمي والدولي الذي يؤثر على الداخل الليبي بحسابات الربح والخسارة وبحساب اقتسام كعكة المدخرات الطبيعية الموجودة في ليبيا، وذلك باللعب على النعرات القبلية التي تعتبر اكبر اشكالية بالنسبة للأزمة الليبية.

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 78518734
تصميم وتطوير