الخميس الموافق 26 - ديسمبر - 2024م

الفساد و مواجهته

الفساد و مواجهته

كتب:حازم محمد

 

الفساد ظاهرة عالمية، فلا يوجد أى مجتمع من المجتمعات سواء فى دول العالم المتقدم أو المتخلف مستثنى من هذه الظاهرة، وانتشار الرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ والوساطة كلها تعتبر من صور الفساد، وعدم الإخلاص فى العمل والتقصير فيه وعدم إنجازه فى موعده فى انتظار رشوة كلها صور من أكل أموال الناس بالباطل .والرسول صلى الله عليه وسلم وضع الأساس المتين لبناء المجتمع السليم ولاسيما في ما يتصل بقضية الرشوة فقال عنها رسول الله “الراشي والمرتشي في النار” فهي عمل لا أخلاقي ويتنافى مع الدين ومع صالح المجتمع ولا تقره المجتمعات ولا الشرائع السماوية كلها أو الصالح العام ولا الضمير السليم، قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) . البقرة 188 ويقول في ذم اليهود: (أكالون للسحت) (المائدة 42) ولا شك في أن الرشوة من السحت كما فسر ابن مسعود رضي الله عنه ،والفساد أفة مجتمعية عرفتها المجتمعات الإنسانية منذ فجر التاريخ ، وهو مرض عضال تحمله كل الدول والمجتمعات سواءأكانت غنيةأم فقيرة ، متعلمة أم جاهلة ، دكتاتوريةأو ديمقراطية ، قوية أو ضعيفة ، وهو مما يرتبط ظهوره واستمراره برغبة الإنسان في الحصول على مكاسب مادية او معنوية يعتقد في قرارة نفسه انه ليس له حق فيها ومع ذلك يسعى اليها ، لذا فهو يلجأ الى وسائل سرية للوصول اليها منها اقصاء من له الحق فيها ، او الحصول عليها عن طريق الرشوة او المحسوبية اوالواسطة اواختلاس المال العام وغيرها .
ويعد الفساد اليوم ظاهرة عالمية شديدة الإنتشار ، ذات جذور عميقة تأخذ ابعادا واسعة تتدخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينهما ، وسيكون الفساد هو التحدي الأهم والوريث المتوقع للإرهاب والذي ستجد الحكومات والمجتمعات نفسها في مواجهته ، وفي حرب معه ،و ستكون على الأغلب أكثر شراسة ومكلفة عن مكافحة الإرهاب،وأسبابة متشعبة ومتداخلة ومعقدةومنها إنحلال القيم وضعف الأخلاق فى مؤسسات الدولة والمجتمع ،مما يؤدى إلى تغليب المصلحة الفردية على المصلحة العامة للوطن ، والظروف الإقتصادية والإجتماعية الصعبة التى تواجه المجتمع ، وغياب المسائلة أو النظم القانونية وقد تكون النظم موجوده ولكن لا تفعل،وغياب توزيع الثروة على أفراد المجتمع مما يدفع البعض إلى إبتداع وسائل للتربح و الإرتشاء واختلاس الأموال العامة ، وعدم كفاءة ونزاهة القيادات الإدارية وكبار المسؤلين من وزراء ووكلائهم ومدرين بحيث يكون إختيارهم على أساس المعرفة أو التزكية والقرابة ، وأخير ا إنعدام الشفافية فى جميع المؤسسات والعمل بسرية ومنع المعلومات من التسرب إلى المواطنين أو الإعلامين ، ولمعالجة الفساد لابد من اتباع هذه الخطوات ،نزاهة الوزراء والقيادات ، حتى لايفقد المواطن ثقته بالقيادات ويكون كلامهم صحيحا موفقا عملهم ، حيث يقول الله سبحانه وتعالى (لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)لأن القول بدون عمل يعتبر مقتا كبيرا ،واستعداد المجتمع لابد أن يكون المجتمع كله مستعدا للقضاء على الفساد ، ويكون القضاء عليه تدريجيا وليس دفعة واحده ، بحيث يعين الأفراد التى يمكن الإعتماد عليها فى عملية الإصلاح ، ويبتعد عن ما يتوهم أنهم يفيدونه ثم يتبين عكس ذلك ، ويكون بالحلم والأخلاق لتخفيف حدة التوتر فى المجتمع حيث لا يؤخذ المجتمع موقفا سلبيا ،لقول رب العزة (فبما رحمة من الله لنت لهم و لو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك)و يتم تهيئة الجو الصالح عبر مختلف البرامج مع مراعاة ظروف الزمان و المكان.والبيان الواضح، فإن وضوح الفكر وشفافيته تبعد عنهما أي شبهة و تسد جميع الثغرات التي يمكن أن يدخل المفسدون عن طريقها، لذا كان القرآن بلسان عربي مبين. و الرسول كان بلاغه مبيناً قال تعالى (فاعلموا انما على رسولنا البلاغ المبين)ثم تكاتف الجهود،لأن اليد الواحدة لا تصفق كما في المثل فإن تبعثر الجهود توجب عدم الوصول إلى الهدف المنشود. قال تعالى: (و اعتصموا بحبل الله جميعاً و لا تفرقوا) و قال تعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم)والاهتمام بنشر الثقافة و العلم،فإن الجهل هو البؤرة المناسبة لنمو الفساد و سيطرة الملأ من القوم على رقاب عامة الناس، في حين أن العلم نور يبصر به الناس، و كلما ارتفعت ثقافة الناس و علمهم ضعفت و اضمحلت أسباب الفساد، فلذا ركز القرآن الكريم على لزوم كسب العلم و أنه الرادع قال تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء). و تعليم الكتاب و الحكمة من أولى مهمات الأنبياء (هو الذي بعث في الاميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة)ومن الاخطاء الشائعة بين الناس أن المسلم عليه ان ينأى عن الجريمة وأنه يكفيه ألا يكون طرفاً فيها وينسى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال “من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم” وينسى تحذير القرآن من عدم التناهي عن المنكر يقول تعالى: “لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) ومن هنا فإن كل من يعلم بجريمة من دون أن يشارك في منعها بالتبليغ عنها هو آثم .

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 78750851
تصميم وتطوير