الجمعة الموافق 07 - فبراير - 2025م

العنصر الفاقد و السلوك القائــد

العنصر الفاقد و السلوك القائــد

بقلم أ.د./ أحمد ضياء الدين

 

 

تشهد مصرنا الغالية فى تلك الآونة بالذات تجسيدا موثقا للعنصر الفاقد فى حياتنا العامة، والذى تسبب، سواء بشكل واضح وظاهر، أم بشكل مستتر وخفى، فى خلق كافة المشكلات التى يعانى منها العمل العام بصفة دائمة ومستمرة. وأعنى بذلك العنصر الفاقد ما يسمى بعنصر المتابعة، والكفيل حال وجوده إما فى تخطى كافة تلك المشكلات بعدم إعطاء الفرصة بداءة لظهورها، أو لاستفحال حجمها، وإما بوضع الحلول الفاعلة والقادرة فور بدء ظهورها فى التعامل الأمثل معها، وتحجيم مردوداتها، بل والحيلولة دون اتساع نطاق أضرارها.

ويحرص السيد رئيس الجمهورية/ عبد الفتاح السيسى، على إعطاء المثل الدائم والمستمر فى مدى تمسكه، ووعيه، فى ضرورة الأخذ بذلك العنصر الفاقد ليحوله إلى عنصر داعم، مؤثر، فاعل، قادر فى نهاية الأمر على مواجهة كافة ما يحيط بالعمل العام والتنفيذى من معوقات، وعقبات، استطاعت عبر عشرات السنين، بل ومئاتها، أن تحول دون انطلاق ذلك العمل العام والتنفيذى نحو الآفاق الطموحة والمأمولة منه.

ولعل ذلك يرجى من ورائه حسن الفهم الموضوعى لذلك العنصر الذى كان مفقودا فى حياتنا، ليصبح بمثابة العنصر الرائد الموجه لقراراتنا، وأفعالنا، وتصرفاتنا. وتظهر قيمة ذلك العنصر فيما قد اعتراه من تغير من السلبية إلى الإيجابية، ومن الفقد إلى الإيجاد، ومن الانعدام إلى التأثير، ومن الكلمات إلى الأفعال، وبصورة بدأ يظهر مردوداتها الإيجابية على الساحة التنفيذية بشكل ساهم، بل ويساهم فى كل لحظة فى طى، واختصار، واختزال، مساحة الفارق الرهيب بين العمل العام والتنفيذى فى الساحات الخارجية وفى مقدمتها بالطبع الأوروبية، وبين ساحتنا العربية والشرقية.

تلك المساحة التى أوجدت ذلك الفارق الرهيب كما سبق الإشارة بين مستوى الأداء التنفيذى فى الساحات الخارجية من ناحية حال مقارنتها بساحتنا المحلية والإقليمية من ناحية أخرى.

وتظهر عدة مؤشرات تباعد بين الفهم الموضوعى القويم لعنصر المتابعة وما يحرص على الأخذ به من قبل السيد رئيس الجمهورية، وبين سوء الفهم العقيم لمحاولتنا إلقاء الضوء على ذلك العنصر بما يجعل رؤيتنا قد توصف من قبل البعض بالطنطنة الإعلامية، أو الرونقة الصحفية، أو الدعاية السياسية.

وهى كلها أوصاف يعلم المولى تعالت قدرته مدى الحرص بشكل قاطع ابتعادنا عنها، والسعى إلى عدم الدخول فى دوائرها، أو إثراء مجالاتها. ويمكن حصر أهم تلك المؤشرات، والرسائل الحاملة لها، حسبما تنطق بها وقائعها اليومية والمشهودة، فيما يلى :
أولا: القناعة اليقينية الراسخة لدى السيد رئيس الجمهورية بوجوب المتابعة من قبله شخصيا لكافة المشروعات، أو القرارات، أو السياسات، أو الخطط، أو الرؤى اللازم وضع تصوراتها موضع التنفيذ، ووفقا لمعدلات، وبرامج زمنية محددة، تتجاوز كل المعوقات، وتتخطى شتى العقبات.
ثانيا: تقديم المثل الدائم والمستمر من قبل السيد رئيس الجمهورية شخصيا على مدى ما تمثله المتابعة بكافة محاور العمل العام والتنفيذى فى الدولة من اهتمام شخصى غير مسبوق على كافة المستويات الخاصة لحسن إدارة الدولة فى الأزمنة والمراحل المختلفة. الأمر الذى ساهم، بل وخلق انطباعا راسخا داخل فهم وفكر كل مسئول فى الدولة بأنه معرض بشكل يومى لمفاجأة المتابعة من قبل رئيس الجمهورية شخصيا.

ثالثا: أن نشر ثقافة المتابعة لدى كافة المستويات التنفيذية فى الدولة بمجالاتها المختلفة، قد أدى إلى الاختزال اليومى، بل والاختصار الدائم، للمسافة أو الهوة الفارقة بين الأداء الشكلى النمطى غير الفاعل من ناحية، وبين الأداء الحقيقى المؤثر والمُنجز من ناحية أخرى. وهى المسافة التى يحتلها ضمير المسئول، وتكون بمثابة القوة المحرضة لديه حال وجودها، بل وهى بذاتها القوة السالبة بل والمعوقة حال انعدام وجودها.

رابعا: تجاوز ثقافة المتابعة لإجراء الاستدعاء للمسئول، والمثول أمام رئيس الجمهورية، وذلك لمجرد الإشهاد الإعلامى على ما يقوم به رئيس الدولة تجاه كل مسئول. وذلك بسبب ما يحرص عليه الرئيس شخصيا لإتمام تلك المتابعة من جانبه، مقدما المثل الواضح والصريح، بل والقاطع فى دلالته، بمدى الإيمان على ضرورة بذل أقصى قدرا من الجهد للتمسك بذلك العنصر الذى كان مفقودا وأصبح مشهودا.

خامسا: تفادى الحالة المتردية التى أفرزتها أحداث 25 يناير 2011، والتى أدت إلى خلق ما ترسخ فى نفوس الكافة بضرورة المقارنة دوما بين حالتين أحلاهما لدى كل مسئول تمثل مرارة أكثر من ثانيتها. وتتمثل الأولى فى الأداء السلبى الكفيل بتحقيق الأمانى للمسئول، والمُنجى له عن أى وجه من أوجه المساءلة سواء القانونية، أو التأديبية. والثانية تتجسد فى الأداء الإيجابى بما قد ينجم عنه من أخطاء نتيجة لذلك الأداء، وما سيترتب على تلك الأخطاء يقينا من أوجه مساءلة قد تصل إلى حد الجزاء الجنائى بدرجاته المختلفة.
الأمر الذى عظم من قيمة الأداء السلبى، وتفضيله على الأداء الإيجابى باعتبار أن السلبى مضمون فى الإجراء، والأثر، والنتيجة. ولعل ذلك كله فرض على السيد رئيس الجمهورية قناعة تجاوزت قناعته الذاتية بضرورة المتابعة لحمل الجهاز الإدارى والتنفيذى فى الدولة على ضرورة تفضيل الأداء الإيجابى المٌنجز على الأداء السلبى المُجِمد.

سادسا: اتسام منهج السيد رئيس الجمهورية فى وجوب المتابعة بالمفاجأة، وذلك للنأى بالمسلك الراسخ فيما مضى، والمرتكز على ضرورة الإعداد، والترتيب، والتجهيز، لزيارات السيد رئيس الجمهورية لمواقع العمل المختلفة، وإبداع الأبواق الإعلامية فى الإعلان عن تلك الزيارات بشكل يدعو كافة المسئولين للاستعداد لتلك الزيارة، واتخاذ كافة الإجراءات سواء الحقيقية أو غير الحقيقية لإظهارها فى النهاية فى صورتها المُثلى، رغم ما تتسم به من صورية، أو مظهرية، أو شكلية، لا تتحقق معها أي من معانى المتابعة، أو حلقاتها الإدارية اللازمة، وفى مقدمتها بالطبع المفاجأة الواجبة.

سابعا: الربط الكامل بين تلك المفاجأة بمفهومها الصادم فى كثير من الحالات للقائمين بالعمل التنفيذى فى مواقعه المختلفة، وبين ظروف تستبعد تماما إمكان التفكير فى إتمام تلك المفاجأة من قبل رئيس الدولة. خاصة فى مناسبات قد تستبعد مثل تلك المفاجأة كحالة العودة من زيارات خارجية، والمشاركة فى المؤتمرات الدولية. وهى حالات كانت تستوجب لدى فهم الكافة ضرورة حرص مؤسسة الرئاسة على إعداد برامج لالتقاط الأنفاس بعيدا عما يقتضيه منهج المفاجأة من رصد، وحركة، وانتقال، واختيار، قد يبدو الوقت غير مناسب لإتمامها، وإحاطة ذلك كله فى النهاية بأقصى درجة من السرية لإحداث المفاجأة لآثارها المرجوة.

ثامنا: الربط الطبيعى والمنطقى، والقانوني، بين منهج المتابعة، وما تفرضه من ضرورة إتمامها من خلال المفاجأة، وما يجب أن يترتب عليها من مواجهة حال التأكد من تدنى العمل العام والتنفيذى نتيجة تلك المتابعة والمفاجأة، وعدم ارتقائه إلى المستوى الواجب فى الأداء، والقادر فى النهاية على حل مشكلات الوطن والمواطن على السواء. وهو ما تفرزه تلك المواجهة من اتخاذ إجراءات عاجلة أقلها لفت الانتباه لأوجه السلبية والقصور، وأقصاها قد يصل إلى الإقالة والمساءلة القانونية نتيجة ذلك التدنى بصورة يجب إقصاء المسئول المتسبب فيه من موقعه وإعفائه من مسئوليته. وهى أمور وتصرفات قد يحرص السيد رئيس الجمهورية على عدم الإعلان عن تفصيلاتها، والاكتفاء بالإعلام عن الإجراء بصورة توائم فى النهاية بين القصور الواضح والمشهود فى الأداء من ناحية مع التلافى الحال آثاره السلبية، وبين الحرص على إحاطة كرامة المسئول بقدر معقول من الحماية والاحترام من ناحية أخرى.
تاسعا: القدرة الهائلة فى ابتعاد منهج المتابعة، والمفاجأة عما تنطوى عليه التقارير أيا ما كانت جهات إصدارها، من سلبيات، أو قدر من التأثرات، أو ما قد تحويه من نمطية أو شكلية. وهى قدرة يرتقى فيها منهج المتابعة والمفاجأة إلى أقصى قدر من الموضوعية فى الرصد، والحقيقية فى الرؤية، والحسم فى المواجهة، والحزم فى القرار. ومن ثم الابتعاد عن الشخصنة والذاتية.

عاشرا: الوسيلة الفاعلة فى مدى ما تحققه المتابعة والمفاجأة من ربط هائل بين مضمونها، وبين ما تتضمنه المراحل الزمنية المحددة لتنفيذ الأعمال، والمشروعات، والتى غالبا ما كانت تبدأ بفورة هائلة فى أولى خطواتها حال الإعلام عنها، وسرعان ما تنخمد جذوة تلك الفورة ليستطيل أمد التنفيذ فى النهاية إلى سنوات قد تمتد إلى العشرات منها دون إنجاز حقيقى يؤدى إلى ظهور ثمار تلك المشروعات، بل ويساهم فى النهاية إلى غلق ملفاتها دون إثمار طبيعى نتيجة للرغبة المقصودة فى النسيان والتناسى لها.

تلك أهم المؤشرات، والدلالات، والرسائل التى يحرص رئيس الدولة فى كل ثانية من ساعات اليوم والنهار، على تقديمها، وإرسالها، ونشر ثقافتها فى كافة مجالات العمل العام والتنفيذى.

لعل خير دليل على حسن أدائها، ما قام به ومازال سيادته خلال اليومين الماضيين من مفاجأة لمواقع العمل التطويرى فى ضاحية مصر الجديدة للوقوف على المعدل الزمنى المحدد لإنجاز مشروعات عملاقة فى تلك الضاحية، وما سبقها من مفاجأة للجنة اختيار الطلبة الجدد للكليات العسكرية، وما تلاها اليوم، بل والآن من مفاجأة لزيارة أخرى مماثلة للجنة اختيار الطلبة الجدد فى أكاديمية الشرطة بكلياتها المختلفة. وهو منهج أحدث الفورة الواجبة، والزلزلة اللازمة، لدفع حلقات العمل الإدارى والتنفيذى فى كافة مجالات الحياة لمصرنا الغالية نحو الطموحات المأمولة من ناحية لما ينطوى عليه ذلك كله من رسائل صادمة بأن ذلك هو منهج الدولة، وأسلوب إدارتها من قبل رئيسها.

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 79648080
تصميم وتطوير