أكرر دائما، وكما تعلمت، ليست هناك دولة ولدت للتقدم وأخرى ولدت للتخلف…فالتخلف ليس قدرا محتوما، بدليل أن الدول الاسلامية التي تعيش فترة مظلمة، شبيهة بفترة العصور المظلمة في أوروبا (خلال القرون الوسطى)، كانت يوما مصدرا للنور والإلهام والإشعاع الفكري والحضاري (أصل العلوم) هل ينكر أحد ذلك؟!
ولهذا، وكما تعلمنا في الاقتصاد، بأن أزمات الدول النامية سببها الرئيسي ليس ندرة الموارد ولكن “سوء إدارة الموارد”…نعم هذه حقيقة تعيشها كافة الدول التي ترزح في الفقر والمرض.
أتذكر مثلا أنني اجريت دراسة عام ٢٠٠١ عن مشكلة القمح في مصر، وكنا وقتها نستورد القمح بأكثر من ١٠ مليار دولار سنويا!!!!، وصرنا أكبر مستورد للقمح في العالم بعد أن كنا يوما “خزائن الأرض”!!! فاكرين سيدنا يوسف؟!
وبعد دراسة ميدانية على عدد من الفلاحين اكتشفت وقتها أن أحد أسرار الأزمة هو أن الدولة تسعر أردب القمح وتشتريه من الفلاح بسعر متدني جدا، ولهذا يفضل الفلاحين دش القمح وتقديمه كعلف للمواشي مع التبن، خاصة وأن الأعلاف الأخرى غالية!!!
هنا أدركت لماذا تحولت مصر إلى مستورد صافي للقمح، لأن هناك أباطرة يهيمنون على السوق، ومصلحتهم في هدم الإنتاج محليا ليواصلوا رحلة النهب من خلال الاستيراد!!!…إذا الأزمة (أي أزمة) سرها ليس ندرة المورد ولكن سوء إدارته بل إهداره!
نفس الحكم والوضع بدأنا نعيشه مع الذرة…فقد اعتاد الفلاح على زراعة الذرة الشامية ليتم تخزينه ودشه وخلطه وتقديمه علف للمواشي والطيور بمختلف أشكالها…وهو علف نظيف وبعيد عن أي مدخلات كيماوية…علف طبيعي…ولكن ما الذي حدث؟!
خلال السنوات القليلة الماضية، ماذا نرى في كل شارع في مختلف ربوع مصر؟!
لن اتحدث عن المظهر غير الحضاري والتشهويه ورمي المخلفات، ولكن الا تلاحظون بائع ذرة في كل شارع؟!!!
نحن هنا نهدر موردين في آن واحد:
(١) تلك الآلاف المؤلفة من البشر، التي تركت العمل والانتاج وتحولت بقدرة قادر لبائع (بقينا كلنا بياعين)!!!
طيب لما يتحول الملايين لسائقي توك توك وطيارين توصيل للمنازل وسياس تنظيف سيارات وبياعين ذرة…مين إلى هاينتج لينا؟! أين وكم عدد المنتجين الآن من اجمالي ١٠٥ مليون مصري؟!
(٢) المورد الثاني الذي يتم إهداره بسوء التخطيط الموروث، هو الذره…فلن نموت أو نضار كمواطنين لو لم نأكل الذره المشوي، ولكننا سندمر وسنقترض ملايين الدولارات ليستورد بها لبهوات المستوردين الذرة من الخارج!!!
الذره الذي كان يغطي جانب كبير من الأعلاف صار علفا للبشر، وبالتالي مزيد من العبء على الدولة وعلى ميزان المدفوعات وعلى الجنيه المصري وبالتالي الوطن ككل…أليس كذلك؟!
إذا…الحصاد هو مشكلة اقتصادية وندرة في الأعلاف وفي السلع الأساسية، سببها الرئيسي ليس ندرة المورد ولكن سوء استخدامه وإدارته…نقطة ومن أول السطر.
طيب والحل؟!
مصر ياسادة كانت وستظل بعون الله هي “خزائن الأرض” ولكن حتى نصحح هذا الواقع المؤلم، مطلوب:
• مراجعة دور الدولة في القطاع الزراعي، الذي بعودته ستعود مصر، وبالزراعة تنشأ صناعات وخدمات تخلق فرص عمل محترم للملايين، ولا تحدثني عن منظمات دولية، واسأل الصين وغيرها.
• التركيز في أنشطة المليون فدان على إنتاج السلع والمنتجات الاساسية من قمح وذرة ومنتجات أعلاف، على أن تقام وسطها صناعات زراعية تعزز القيمة المضافة وفي نفس الوقت تحول من يقومون بأنشطة طفيلية الآن (بائع ذرة، سواق توك توك، طيار دليفري…الخ) إلى منتجين حقيقيين.
• وقف سرطان بيع الذرة المشوي (بكل السبل) الذي زاد من تشوه شوارعنا، وفي نفس الوقت أهدر محصول الذرة، ليبقى علفا للحيوانات والطيور.
وبالطبع أنتظر مقترحاتكم الطيبة، فالوطن ومستقبله ينبغي أن يكون هدفنا ونصب أعيننا جميعا
التعليقات