السبت الموافق 08 - فبراير - 2025م

التسامح .. الفريضة ” التائهة ” في يوم التسامح العالمي 

التسامح .. الفريضة ” التائهة ” في يوم التسامح العالمي 

بقلم : جرجس بشرى 

 

يحتفل العالم في 16 نوفمبر من كل عام باليوم العالمي للتسامح ، وقد أطلقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 نوفمبر عام 1996 إعلان مبادئ التسامح الأممي ونص الإعلان على أن التسامح يعني في جوهره الاعتراف بحقوق الإنسان للآخرين، فضلا عن الإحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا، ولأشكال التعبير، وللصفات الإنسانية لدينا”، ويتعزز هذا التسامح بالمعرفة والإنفتاح والإتصال وحرية الفِكر والضمير والمُعتقد ” ، والتسامح مشتق لغويًا من الفعل ” تسامح ” وهو يفيد التساهل والجود والعطاء بكرم.

 

كما يعني إصطلاحاً إستعداد المرء أن يترك للآخر حرية التعبير وقبول الإختلاف بكافة انواعه سواء الديني والسياسي أو العرقي أو .. أو.. وكذلك نبذ العنف والتطرف والكراهية ، والحق أقول أن التسامح كفضيلة عظمى تحث عليها جميع الأديان السماوية بل ولن أكون مبالغاً إذا قلت أن بعض الديانات الوضعية اكدت عليها ، إلا أن هذه الفضيلة ما زالت بمثابة الفريضة التائهة في عالمنا اليوم ؛ فالعرب ــ حكامًا ومحكومين ــ يعانون إزدواجية مفرطة وعجيبة في فهم وتطبيق مفهوم التسامح .، حيث ينادون بالتسامح والتعايش السلمي وعدم التمييز وحرية الرأي والتعبير وقبول المختلفين عنهم في الدين والمذهب والجنس ولكن يتنكرون لها مع سبق الإصرار والترصد ويرفضون عمليا لتصبح دعواتهم هذه ظاهرة صوتية لا تتجاوز حناجرهم لأنها لم تسكن قلوبهم وعقولهم وإرادتهم في الأساس .. والدليل أنظر حولك لترى غالبية عالمنا العربي اليوم ولا استثني من ذلك أحدا — حكاما ومحكومين — غارقون في بحر المذهبية والطائفية البغيضة والقولبة والجمود الفكري والتطرف الديني والبراعة في صناعة الدسائس والمؤامرات والحروب بعضهم لبعض.

 

بل ووصل الأمر ببعض من يطلقون عليهم ” النخب ” أن أصبح معظمهم مخاصمون لفضيلة الإختلاف البناء والنقد الموضوعي الهادف معلنين حربا بلا هوادة على كل من يختلف مع فكرهم أو إيدلوجتهم أو فكرهم السياسي أو حتى مصالحهم ، فنرى بعضهم يشنون حملات مسعورة ولا أخلاقية على معارضيهم لدرجت أن طالت حرب التشوية والتفسيق والإهانة الرموز الدينية والمعارضة الوطنية التي لا تبتغي مصلحة شخصية ولا غرض رخيص ، كما أن منظمة الأمم المتحدة ذاتها للأسف الشديد داست على كل بارقة أمل في مسار توطيد وترسيخ ثقافة التسامح والتعايش السلمي بين الشعوب ، وأصبحت هي نفسها مُسَيَسة ، وباعت قرارها لمن يدفع أكثر ، وتركت زمام أمرها للقوى العظمى لتبلطج وتعيث فسادا دون رادع ، و تغض البصر عن المستضعفين ، والدليل الواضح الجلي على ذلك الصمت الأممي الفاضح والمريب على جرائم الإبادة الجماعية والقتل والتدمير وطمس الهوية في اليمن الشقيق وترك الشعب اليمني فريسة للجوع والأوبئة والفقر المدقع ، في أبشع جريمة إنسانية يقشعر لها الضمير الإنساني.

 

وفي ذات الوقت يجب التأكيد على أن التسامح لا يعني التساهل والتفريط في الحقوق المشروعة أوانتهاك سيادة القانون والقبول المطلق للغزو الثقافي والأفكار الدخيلة التي تتعارض مع ثوابتنا الدينية والقيمية والأخلاقية والتشويه المتعمد للرموز الوطنية والتاريخية والعلمية و العسكرية والتطاول عليها في محاولة للنيل منها وإسقاطها ، فهذه الأمور التي تصل إلى حد الموبقات لا يمكن التسامح معها على الإطلاق بل يجب التصدي لهم بقوة وحسم ، مع ضرورة التأكيد دائما على وجوب النقد البناء لأي رمز ديني أو عسكري أو سياسي ولكن دون تشويه أو تفسيق .. إن العالم اليوم في أمس الحاجة إلى التسامح الذي أصبح تائها في دهاليز السياسة والمصالح الرخيصة والتجارة بالدين.

 

نعم ما زال التسامح تائها بين عالمنا الصريع وعلينا سريعًا أن نبحث عنه ولا ننتظر منه المجيء .. لأنه لن يأتِ إلينا من تلقاء نفسه .. التسامح يجب أن نسعى إليه جميعًا بل ونتسابق في الوصول إليه حُكامًا ومحكومين إن كنا نريد خيرًا وسلامًا وأمناً للبشرية كلها .. إبذلوا مجهودا للبحث عن التسامح أنه في داخلكم ، وهنا يجب أن لا يفوتني الجهود الجبارة التي تبذلها دولة الغمارات العربية المتحدة في تعميق روح التسامح والوحدة الإنسانية ونبذ المذهبية والتطرف والعنصرية واحتضان ورعاية قيم الإختلاف بتأسيس وزارة خاصة بالتسامح عام 2016 لتعطي للعالم العربي والإنسانية رسالة معلنة وصريحة على أهمية التسامح .

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 79677398
تصميم وتطوير