كتب-أسامة خليل
كانت مهنة “وابور الجاز” جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية في القرن الماضي، خصوصًا في الريف والمناطق الشعبية.
ارتبطت هذه المهنة بتوفير الطاقة اللازمة لطهي الطعام وتسخين المياه ، إذ كان “وابور الجاز” كما يُطلق عليه في بعض المناطق، أحد الابتكارات التي أحدثت ثورة في حياة الأسر البسيطة، قبل أن تزيحه التكنولوجيا الحديثة إلى رفوف الذكريات.
ما هو وابور الجاز؟
وابور الجاز هو جهاز صغير يعمل بالوقود السائل (الجاز)، ويُستخدم لإشعال النار للطهي أو التدفئة ، حيث يعتمد على ضغط الهواء في خزان الوقود ليُدفع الجاز عبر أنبوب صغير، مما ينتج لهبًا قويًا ومستمرًا ،وكان سهل الاستخدام مقارنة بالحطب والفحم، وأقل تلويثًا للبيئة حينها.
دور المهنة في المجتمع
ارتبطت مهنة “وابور الجاز” بشخصيات محددة في كل حي أو قرية، هؤلاء كانوا المتخصصين في صيانة وإصلاح هذه الأجهزة، حيث كانوا يقومون بتنظيف أجزاء الوابور، وإصلاح الأعطال مثل انسداد الأنابيب أو تسريب الوقود، واستبدال الأجزاء التالفة كـ”الكباس” و”الفتيل”.
لم تقتصر المهنة على الإصلاح فقط؛ بل كانت نوعًا من المهارة التي تجمع بين الحرفة اليدوية والفهم التقني البسيط.
كان صاحب المهنة يحمل صندوق أدواته ويدور بين المنازل أو يستقبل الزبائن في مكانه المخصص بالسوق.
أسباب انقراض المهنة
مع تقدم التكنولوجيا، بدأت مهنة “وابور الجاز” بالتراجع بشكل تدريجي ، حيث ظهرت بدائل حديثة للطهي والتدفئة، مثل المواقد الكهربائية وأجهزة الغاز الطبيعي، التي تتميز بسهولة الاستخدام والكفاءة العالية.
كما أن انتشار الكهرباء والغاز الطبيعي في المناطق الريفية جعل وابور الجاز شيئًا من الماضي.
إضافةً إلى ذلك، أدى التغير في نمط الحياة إلى انخفاض الطلب على هذه الأجهزة، حيث لم يعد الناس يبحثون عن حلول بدائية للطهي أو التدفئة، بل اتجهوا نحو التكنولوجيا الحديثة التي توفر الوقت والجهد.
الجانب الإنساني للمهنة
بالرغم من انقراض المهنة، إلا أنها تمثل ذكريات عزيزة لكثيرين، حيث كانت رمزًا للتكاتف الاجتماعي والبساطة في الحياة ، وبمثابة المُنقذ في أوقات الحاجة، خاصةً عندما يتعطل وابور الجاز أثناء تحضير الطعام أو في مواسم الشتاء القارسة.
الدروس المستفادة
تعكس قصة “وابور الجاز” ومهنتها الانقراض التدريجي للوظائف التقليدية مع التقدم التكنولوجي. وهي دعوة للتفكير في كيفية التكيف مع التطور المستمر في سوق العمل، حيث لم تعد المهارات اليدوية وحدها كافية لمواكبة العصر.
ختامًا، قد يكون “وابور الجاز” غائبًا عن حياتنا اليوم، لكنه لا يزال حاضرًا في الذاكرة الجمعية كجزء من تاريخنا الاجتماعي والثقافي، وكدليل على كيفية تطور المجتمعات وانتقالها من البساطة إلى التعقيد التكنولوجي.
التعليقات