الجمعة الموافق 07 - فبراير - 2025م

أخلاقيات الموظف المسلم .

أخلاقيات الموظف المسلم .

أخلاقيات الموظف المسلم .

 

 

حازم محمد سيدأحمد  _ الازهر الشريف

 
يقول الله تعالى (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون *أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ))صدق ربى .
ولقد جاء فى أخبار خيبر فيما رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائى ، أن رجلا من أشجع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى يوم خيبر ، فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال: (صلوا على صاحبكم ) فتغيرت وجوه الناس من قول رسول الله فقال: ( إن صاحبكم غل فى سبيل الله ) فقال الرواى ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز يهود ما يساوى درهمين ، إن الغال يأتى بما غل به يوم القيامة يحمله ليفتضح بغلوله أمام الخلائق ، ثم لينال عذابه .هذا عن درهمين فما بال من يضيع وقت العمل !!! وما بال من يغتلس أموال الدولة !!!
فعلى الموظف المسلم وغير المسلم فى دولته أن يتحلى بمكارم الأخلاق التى ينبغى أن يكون عليها فى وظيفته وبالأخلاق الكريمة ،وأن الموظف هو فرد يقوم بعمل لصالح المجتمع المسلم في تنظيم إقامة هذا المجتمع لرعاية مصالحه . والمصلحة الأولى للمجتمع الإسلامي هي الالتزام بالحكم الشرعي الذي شرعه الله سبحانه وتعالى والتأكد من تنفيذ هذا الحكم ، وذلك امتثالاً لقوله سبحانه وتعالى : ) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ( ، والولاء عند أداء الوظيفة في الإسلام لا يكون للتنظيم ولا للهيئة ولا لجهة التوظيف ، إنما يكون للمبدأ . وهذا يوجب على الموظف أن يبادر فوراً للتنبيه إلى مكامن الخطأ في التنظيم ، بغض النظر عن مصدره ، وفي أي مستوى إداري كان ، لان المبدأ اعظم من كل المستويات . فعن أبي رقية تميم بن أوس الداري t أن النبي r قال: ( الدين النصيحة) قلنا: لمن؟ قال : ( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ).
وأداء عمله بدقة وإخلاص ، وإن طبيعة العلاقات بين الموظف والدولة أو المنشأة الخاصة هي علاقة تعاقدية وبناء على هذه العلاقة، واستناداً إلى قوله سبحانه وتعالى ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ( ، فانه يترتب على الموظف أن يؤدي العمل بأقصى الإمكانات المتوفرة لديه وفاء بهذا العقد . كما يجب أن يكون الأداء مستوفيا لجـميع الشروط الفنية استناداً لقوله سبحانه وتعالى ) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ( . فالأداء لا يعني فقط الإنجاز بأي شكل من الأشكال إنما يتجاوزه إلى الإنجاز بأقصى درجات الاستطاعة ، مع استشعار المسئولية أمام الله في ذلك وقـد بين الرسول r ذلك بقولـه في الحديث : ( إن الله يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه ) .
ويجب على الموظف فى الدولة أن يكون أميناً في أدائه لوظيفته ، وان يترفع عن كل ما ينقص من كيانه كخادم للأمة، أو يهز من ثقة الجمهور به كممثل للدولة أ و للمنشأة الخاصة التي يعمل فيها، فوظيفته التي يشغلها ليست ملكا له، بل هي تكليف لا تشريف، ولذلك يقول الرسول r لأبي ذر ناصحاً له : ( يا أبا ذر إنها أمانة ، وإنها حسرة وندامة إلا من أخذها بحق الله فيها ) . وبناء عليه ، يجب على الموظف ألا يستخدم الوظيفة لتحقيق مصالح خاصة سواء له أم لأقاربه أم لمعارفه ، لان في هذا الاستخدام المصلحي للوظيفة استغلالاً، والاستغلال خيانة، ويحذرنا الله سبحانه وتعالى من الخيانة فيقول ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(. وعن حذيفة بن اليمان t ، قال : حدثنا رسول الله r ، حديثين قد رأيت أحدهما ، وأنا أنتظر الآخر : حدثنا أن الأمانة نزلت في قلوب الرجال ، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن ، وعلموا من السنة ، ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال : ( ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه ، فيظل أثرها مثل الوكت ، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه ، فيظل أثرها مثل أثر المجل ، كجمر دحرجته على رجلك ، فنفط فتراه منتبراً وليس فيه شيءً ) ثم أخذ عصاه فدحرجه على رجله فيصبح الناس يتبايعون ، فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال : إن في بني فلان رجلاً أميناً ، حتى يقال للرجل : ما أجلده ما أظرفه ، ما أعقله ! وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان . ولقد أتى عليّ زمان وما أبالي أيكم بايعت ؛ لئن كان مسلماً ليردنه عليّ دينه ، ولئن كان نصرانياً أو يهودياً ليردنه عليّ ساعيه ، وأما اليوم فما كنت أبايع منكم إلا فلاناً وفلاناً ) .وعليه إطاعة الرؤساء وتنفيذ أوامرهم التى تصدر أليه ، وعليه أن تكون الطاعة بالمعروف وإن كره الموظف من رئيسه شيئا فيجب أن لا يخلط بين ذلك وبـين الــطـاعة بالمعــروف للأوامـــر. فـــعن أنــس t قـــال : قـــال رســــول الله r: ( اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي، كأن رأسه زبيبة ). وعن أبي هنيدة وائل بن حجر t قال: سأل سلمة ابن يزيد الجعفي رسول الله r ، فقال : يا نبي الله ، أرأيت إن قامـت علينا أمراء يسألونا حقهم، ويمنعونا حقنا ، فما تأمرنا ؟ فأعرض عنه ، ثم سأله فقال رسول الله r: ( اسمـعوا وأطيـعوا ؛ فـإنما عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم ) .وعدم تضيع وقت الوام الرسمى للعمل ويكن بالتأخير عن الحضور الرسمى أو التبكير فى الإنصراف منه ، بل قد يكون الموظف مواظباً ولكن يضيع أوقات الدوام الرسمي في عدم تكريس هذا الوقت في العمل المنتج ، فيضيعه في الزيارات والمجاملات والاتصالات الشخصية، وفي هذا تضييع لحقوق الناس وأوقاتهم ومصالحهم، ومن ذلك أيضا الانصراف عن مصالح العمل والمراجعين وأصحاب المصالح، والتنصل من مواجهتهم وقضاء حوائجهم . وهو ما يسمى في الشرع احتجاب الراعي عن الرعية وما يترتب عليه من تعطيل مصالحهم. وفي ذلك يقول الرسول r ( من ولاه الله شيئاً من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم ، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة) .وعدم المحاباة والمحسوبية لانها هى أولى خطوات الفساد الإدارى وتضيع وقت العمل لأنه يقدم منفعة لبعض الناس وتفضلهم على الآخرين ،وهذا إخلال بمبدأ تكافؤالفرص والعدل والمساواة ، ومن المحاباة أن يقرب من يرغب ومن يزين له الأعمال ويكيل له المديح ، ويبعد من يقول الحق ، ويحرص على الخير ويدله عليه . فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله r : ( إذا أراد الله بالأمير خيراً جعل له وزير صدق ، إن نسي ذكره ، وإن ذكر أعانه . وإذا أراد به غير ذلك جعل له وزيـر سوء ، إن نسي لم يذكره ، وإن ذكر لم يعنه ) . وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما ، أن رسول الله r قال : ( ما بعث الله من نبي ، ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه ، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه ، والمعصوم من عصم الله ) .وعليه بالإستقامة واتباع السلوك القويم دون خلل أو اعواج من خلال الإلتزام بما جاء فى وثيقة العمل المكلف به ، وبما يطابق كتاب الله عز وجل وما دلت عليه السنة النبوية الشريفة. وضمن ما تشمل الاستقامة : اتباع الطريق القويم في معاملة الآخرين ، وفي أداء الأعمال ، والتجرد في الحكم ، والأمانة في البيع والشراء والتعاملات المالية والوظيفية في شتى أشكالها ،ثم محاسبة النفس وتهذيبها وهى الخطوة الأولى فى طريق الألتزام الأخلاقى للأفراد ، وهى نوع من أنواع الرقابة الداخلية يجريها الفرد على سلوكه الخاص ، وقد تزداد محاسبة النفس وضوحا وتأثيرا بالنسبة للفرد السوى، أم الفرد غير السوى فأنه لا يلتزم كثيرا بالمبادىء والقيم والأخلاق ، وبالتالي فإنه لا يشعر بوطأة محاسبة الذات. وعليه فإن الفرد السوي يواجه بصرخات حادة إذا ما حاول القيام بمجموعة من السلوكيات التي لا تتفق مع المبادئ الأخلاقية وتظل وخزاتها في صدره مؤلمة كلما تذكرها. يقول المصطفى r ( الإثم ما حاك في النفس وكرهت أن يطلع عليه الناس ) . أما الفرد غير السوي فإنه يستطيع بسهولة أن يخرق القواعد والمبادئ الأخلاقية بـالكذب ، والخيانة ، والخداع ، والسرقة دون أن يتأثر ودون أن يعاني من ضميره الكثير ، وإن كان مـن يـتعامل معهم يتأثرون ويتألمون بدرجة كبيرة بمثل هذا النوع من السلوك ،ولقد حثنا إسلامنا على محاسبة النفس ومراجعة السلوك فى جميع تصرفاتنا وتحركاتنا ، وحثنا على التراجع عن الأخطاء بالتوبة والإستغفار والرجوعإلى رب العباد ، ومن ذلك قول المولى عز وجل ) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ(. وكما جاء في الأثر : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم .

الأزهر الشريف

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 79647581
تصميم وتطوير