البعث والنشور
بقلم .. د. محمد أبو العلا
لم تكن قضية البعث والنشور بعد الموت جديدةً حتى نقف أمامها، فقد وقف أمامها الرسل والأنبياء وجميع الخلق، وسبحان الله نمُر على الآيات الكريمة التي تتناولها مر الكرام، مع أن هذه الآيات كما يعتبرها بعض الفقهاء والعلماء غيبية لأنها تخص الجانب الإيماني، إلا أن الحق تعالى بين لنا الجانب العملي لعملية ما بعد الموت في أكثر من موضع، فقد قال سيدنا إبراهيم “رب أرني كيف تحيي الموتى”، وقد كان الرد الإلهي مُلخصاً لما نمر به من حالات تفكير بشأن هذا الموضوع قال” أولم تؤمن”؛ أي أن هذه العملية (عملية الإحياء بعد الموت تتطلب الإيمان المطلق بقدرة الخالق، وليس وضعه -حاشا لله – في حالة اختبار، فكان رد سيدنا إبراهيم عليه السلام ” قال بلى ولكن ليطمئن قلبي، وهنا يبين له الحق تعالى عملية إحياء الموتى عملياً ” قال فخذ أربعةً من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبلٍ منهن جزءًا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيزٌ حكيم” وليس بعد العين أين فقد رأى سيدنا إبراهيم عملية البعث والنشور، كذلك طرح نبي الله عزيراً مثل هذا السؤال، أو قيل هو”أرميا بن حلقيا”، وقيل هو” الخضر عليه السلام”، وقيل حزقيل بن بورا بحسب تفسير ابن كثير”عندما مر على قريةٍ خاويةٍ على عروشها، قيل هي بيت المقدس بعدما خربها بختنصر؛ مات جميع أهلها فأصبحت خراباً، فقال “( أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟)، فقد سأل عن الكيفية التي يحيي بها الله الموتى، أو أنه استغرب من كونها أصبحت خراباً فاستبعد أن تعود كما كانت، فأماته الله مائة عامٍ ثم بعثه ليريه قضية البعث أمام عينيه، وكانت البلدة قد عُمرت بعد مضي سبعين سنةً من موته، وتكامل ساكنوها وتراجعت بنو إسرائيل إليها. فلما بعثه الله عز وجل بعد موته كان أول شيءٍ أحياه الله فيه عينيه لينظر بهما إلى صنع الله فيه كيف يحيي بدنه؟! فلما استقل سوياً قال الله له؛ أي بواسطة الملك:( كم لبثت؟ قال لبثت يوماً أو بعض يوم ، قالوا: وذلك أنه مات أول النهار ثم بعثه الله في آخر نهار، فلما رأى الشمس باقيةً ظن أنها شمس ذلك اليوم فقال: أو بعض يوم، قال بل لبثت مائة عامٍ فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه، وذلك: أنه كان معه فيما ذكر عنب وتين وعصير فوجده كما فقده لم يتغير منه شيئاًَ، لا العصير استحال ولا التين حمض ولا أنتن ولا العنب تعفن( وانظر إلى حمارك؛ أي كيف يحييه الله عز وجل وأنت تنظر، ولنجعلك آيةً للناس) أي: دليلاً على المعاد ( وانظر إلى العظام كيف ننشزها) أي نرفعها فتركب بعضها على بعض.( تفسير ابن كثير) .
وهناك عددٌ آخر من الأمثلة كقصة أصحاب الكهف، وقصة إحياء سيدنا عيسى للموتى بإذن الله، إذن فالقضية قديمة تتعلق بفضول الإنسان وحب معرفته لما سيكون عليه بعد الموت، وقد رُوي أن الوليد بن المغيرة دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حاملاً في يده عظاماً نخرةً بالية، ثم قال له يا محمد أتزعم أن إلهك يحيي هذه بعدما رمت؟، فأجابه النبي ” يُميتك ويحيك ثم يدخلك نارا”، ومنها قوله تعالى في سورة يس “وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم، قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلقٍ عليم الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادرٍ على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون. فسبحان القادر على كل شيءٍ، المستحق للعبادة الواحد القهار المحيي المميت.
التعليقات