الخميس الموافق 06 - فبراير - 2025م

جماليات اللغة الشعرية في قصيدة “وصايا القهوة” النثرية

جماليات اللغة الشعرية في قصيدة “وصايا القهوة” النثرية

قراءة نقدية/ د. انسام المعروف

 

هي قصيدة نثرية سلسة وانيقة :

 

“وصايا القهوة

 

لا بدَّ للقهوةِ أنْ تكونَ مُرّةً

وإلّا.. فهي مجرّدُ سائلٍ ساخنٍ أجوفَ

قد تحتسيه لأجلِ الشفاءِ

أو لتزجيةِ الوقتِ

أو لحاجةٍ مجهولةٍ وغامضةٍ في ظنّك.

***

حاولْ أنْ تستغرقَ ما استطعتَ

 في أفقِ الاحتساءِ

تذكّرْ غَبَّ هذه الحدوسِ

ما أنتَ بحاجةٍ إليهِ من لذائذَ

ستجدُ أنّكَ تمتطي فَرَسَ أوهامكَ

وتمسكُ بجذوةِ الصهيلِ

عابراً سحرَ اللحظةِ

وهي تقطّرُ على روحِكَ ولعاً لا يُقاوَم.

***

جَرّبْ أنْ تجعلَ فمكَ جسداً ظامئاً

يستقبلُ نُعاسَ القهوةِ بحميميّةٍ آسرةٍ

يفتحُ مساراتِهِ السريّةَ لجنونِ تلكَ الرائحةِ

بلا عناءْ.

***

اغتنمْ لحظةَ التأمّلِ عنوةً

واغمسْ ذاتَكَ في جوهر الفكرةِ

تعلّمْ كيفَ تحنو على فنجان قهوتِكَ

بأصابعَ تتقنُ اللمسَ برغوةٍ آثمةْ.

***

تمرّنْ على فهمِ الطَعمِ صُحبةَ الرائحةِ

فذلكَ ما يجعلُ القهوةَ في أوجِ غُنجها

وسيمةً.. شعريّةً.. رائقةً.. أنثى.

***

لا تكترث بما حولكَ من ضجيجِ الذكرياتِ

كي تكونَ أكثرَ إخلاصاً لما في قهوتكَ من نرجسيّةٍ

ومرارةٍ وجنونْ.

***

غَنِّ في قلبِ مرأتكَ أغنيةً صغيرةً

واصغِ لما يتردّدُ على لسانِكَ من كلماتٍ

تتكدّسُ تحتَ ضغطِ الفراغِ

ثمّ تذوي على خطِّ التماسِ ملتبسَةً حائرةً

لتذوبَ مثلَ غيمةٍ ترتجلُ بياضَها

 في آخر رشفةٍ

تعتلي سُلّمَ شفتيك.”

 

وتتميز قصيدة “وصايا القهوة” بخصائص أدبية وفنية عدة تجعلها عميقة وجذابة للقارئ، ومواطن الجمال يتضح فيما يلي:

 1 الصورة الشعرية: تستخدم القصيدة صوراً شعرية جميلة ومثيرة للاهتمام، مثل “فَرَسَ أوهامكَ” و”مساراتِهِ السريّةَ لجنونِ تلكَ الرائحةِ” و”بجذوةِ الصهيلِ عابراً سحرَ اللحظةِ”، وهذه الصور تعطي للقصيدة نكهة فنية وجمالية مميزة.

 2 الإيقاع والتوزيع: يتميز نص القصيدة بإيقاعٍ شعريٍ سلس ومتناغم، وتوزيع الألفاظ يتم بطريقة مدروسة لتعبر عن معاني عميقة وجميلة.

 3 الاستخدام الجميل للغة: تستخدم القصيدة لغةً جميلةً وشعريةً ومتناغمةً، وتظهر هذه اللغة في الصور والتشبيهات والكلمات المختارة، وهذا يجعل القصيدة أكثر إشراقًا وسحرًا.

 4 القوافي والأبجديات: تتضمن القصيدة قوافيًا وأبجدياتٍ متناغمةٍ وجميلةٍ، وهذا يزيد من جاذبية القصيدة ومتعتها للقارئ.

 5 الرمزية: تعتمد القصيدة على الرمزية في تعبيرها عن المعاني، مما يتيح للقارئ فهمًا أعمق للرسالة المراد إيصالها.

 6 الإيحاءات: تستخدم القصيدة الإيحاءات في التعبير عن المعاني، وهذه الإيحاءات تحفز خيال القارئ وتجعله يشعر بالإثارة والتشويق.

بشكل عام، فإن “وصايا القهوة” قصيدةً لها أسلوبها الشعري الراقي والمتقن، حيث تجمع بين الصور الشعرية الجميلة والمشاعر العميقة والتعابير الغنائية الرائعة، مما يجعلها تنتمي إلى الأدب الشعري الرفيع.

وبتناولها موضوع القهوة بطريقة مميزة وغير تقليدية، فهي تصور القهوة كشيء يتمتع بشخصية وروح وأحاسيس، وتشجع على التأمل فيها واستكشاف طعمها ورائحتها ولمستها.

ان استخدام الشاعر الجيد للغة العربية وتشكيل الألفاظ والتعابير بطريقة تجذب انتباه القارئ ساعده على ان ينقل المعاني والأحاسيس بشكل دقيق وفعال.

ويمكن القول أن مواطن الجمال في القصيدة يتمثل في قدرتها على إيصال الصورة المثالية لتجربة شرب القهوة، وتعزيز الأحاسيس الجميلة والمتعة التي يمكن أن يشعر بها الإنسان عند استمتاعه بكوب من القهوة. كما يتمثل مواطن الجمال في الأسلوب الراقي والتعابير الشعرية الجميلة التي تستخدمها القصيدة في وصف تجربة شرب القهوة وتعزيز قيمتها.

 

تعتبر قصيدة “وصايا القهوة” للشاعر العراقي محمد صابر عبيد من القصائد الجميلة التي تجمع بين الألفاظ الرقيقة والجمل الشعرية الجذابة، والتي تحمل في دواخلها رسالة فكرية مهمة.

تتميز القصيدة بأسلوبها السهل والمباشر، حيث يتم استخدام الألفاظ البسيطة والجمل القصيرة التي تنقل الفكرة بوضوح وبساطة. ومن الأمثلة على ذلك “لا بد للقهوة أن تكون مرة” و”حاول أن تستغرق ما استطعت في أفق الاحتساء”.

كما يلاحظ في القصيدة استخدام الكثير من الألفاظ الشعرية والتي تعطي المعنى العام للقصيدة لمسة جمالية مميزة، ومن الأمثلة على ذلك “سحر اللحظة” و”نُعاس القهوة” و”جوهر الفكرة” و”برغوة آثمة”.

وتحمل القصيدة رسالة فكرية مهمة، حيث تركز على الاستمتاع باللحظة الحالية وعدم التفكير في الماضي أو المستقبل. كما تشجع على التأمل والتفكير بعمق في الأشياء البسيطة وتحليلها والتمتع بها. وتحث على الاستمتاع بالتفاصيل الدقيقة للقهوة وعدم التفكير في ما يحيط بها من ضوضاء وذكريات.

ويمكن تفسير المعنى المخفي وراء القصيدة بأن الشاعر يدعونا إلى تقبل الأشياء بكاملها وعدم تجاهل جوانبها السلبية، فالحياة تحتوي على اللحظات المرة والمريرة، ولكن يجب علينا أن نتقبلها ونستمتع بها كما هي، مثلما نستمتع بقهوتنا المرة، فمرارة القهوة لا تفدنا متعة شربها وتذوقها حتى اخر رشفة.

تتميز القصيدة بإيقاع شعري جميل ودال عن جمال الألفاظ وترتيبها، فهي تتألف من أبيات شعرية متقنة الصياغة والتركيب، تخلق إيقاعاً يناسب المضمون الذي تتناوله القصيدة.

ومن خصائص القصيدة الأدبية أيضاً، استخدام الألفاظ المختارة بعناية لإيصال المعاني الجمالية والموضوعية بأسلوبٍ فنيٍّ وراقٍ، واستخدام الأساليب الشعرية المتنوعة، مثل التشبيه والاستعارة والاعجاز والتخيل وغيرها، لإضفاء المزيد من الجمالية والروعة على القصيدة.

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 79626331
تصميم وتطوير