كتبت/ريهام الزيني
في البداية…لا أحد يستطيع أن ينكر الدور المهم التي لعبته القدس في حياة الأديان السماوية الثلاث،وكما هو معروف..أن مدينة القدس تتمتع بخصوصية كبيرة،حيث التقت داخلها حضارات العالم،ومر بها الأنبياء وأباطرة وجحافل الغزاة،ودائما كانت إحدى مراكز التصادم بين الحضارات القديمة والحديثة،وكثيرا ما تعرضت للتخريب،وفي كل مرة كانت تنهض إلى الحياة من جديد وتعود قوية متعافية.
وحتى بدأت المؤامرة الماسونية الصهيونية الشيطانية بداية من وعد بلفور،ومن بعدها وقعت القدس في يد الإحتلال وبراثنه،وبدأت مخططات طمس الحقائق بتزييف التاريخ المتعلق بصراعها مع العرب بشكل عام وقضية القدس بشكل خاص،وأصبح أخطر تحدي يواجه العالم العربي والإسلامي في تاريخه الحديث.
الإستراتيجية الماسونية الصهيونية للقدس
“مخطط طمس الحقائق بتزييف التاريخ”
“القدس العاصمة الأبدية لإسرائيل”
في البداية… قد يفاجيء القاريء عندما أخبره أن مشكلة رفع شعار “القدس عاصمة إسرائيل الأبدية”كما وصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليست وليدة العصر الحالي،لكنها موجودة ومفصح عنها منذ عقود.
هناك نظريات تسويقية دعائية تقول… “إكذب إكذب حتى يتم تصديقك”هذه النظريات تدعى”بروباغاندا” وأخري أسلوب “التأطير السياسي”،والتي أرسى قواعده جوزيف غوبلز وزير إعلام هتلر في العصر النازي بهدف التأثير على أراء أو سلوك أكبر عدد من الناس،من خلال إعطاء معلومات ناقصة،وبذلك يتم تقديم معلومات كاذبة لمصلحة أجندات سياسية.
ولكن السؤال الأن… هل إقتصر هذا المبدأ على جوزيف غوبلز في ذاك العصر؟،أم أن هنالك أخرون قاموا بتطويره وإدخال إضافات حديثة عليه،كي يتماشى مع متطلبات عصرنا الحالي،بحيث تصبح اليوم البروباغاندا وأسلوب التأطير السياسي هم من يحكموا توجهات العالم الأن؟!
وفي محاولة بسيطة مني للبحث عن إجابة هذا السؤال….وجدت في أحد المواقع الصحفية باللغة الإنجليزية معلومات تتحدث عن أهم وأكبر7 شركات خاصة يمتلكها أصحاب الفكر الماسوني،والذين يسيطرون على 96 % من وسائل الإعلام العالمية.
وعلى سبيل المثال لا الحصر:-
في هذا الصدد..نذكر شركة”والت ديزني”للرسوم المتحركة،فهي من أكبر تكتلات لوسائل الإعلام حول العالم،والتي تضم العديد من شركات الإنتاج التلفزيوني للرسوم المتحركة وأفلام الكارتون،بالإضافة إلى شبكة من الكابلات الخاصة مع 14 مليون مشترك،والتي يرأسها مديرها التنفيذي”مايكل إيزنر”.
وبإستعراض تاريخي بسيط للعمالة الماسونية الصهيونية لشركة والت ديزني،وقبل نهاية القرن العشرون،أبى القائمون على أمر هذة الشركة إلا أن يعلنوا عن إنحيازهم وولائهم لـ “اللوبي الهوليودي اليهودي الصهيوني الماسوني”.
وأتى مندوب عن”ديزني لاند”إلى الكيان الصهيوني في أغسطس 1999م،ليقترح عليهم إنشاء جناح خاص في معرض”ديزني لاند” للإحتفال ولإستقبال الألفية الثالثة تحت شعار “القدس العاصمة الأبدية والموحدة لإسرائيل”.
وأبلغهم القائم علي أمر شركة ديزني في ذلك الوقت،بأن ديزني ستتكفل بـ 6 ملايين ومائتي ألف دولار من تكاليف الجناح المذكور،وسيتم تصميم المعرض،بحيث يمر أي زائر به بالجناح الإسرائيلي في ديزني.
وبالفعل وافق الكيان الصهيوني على هذا العرض المغري،وتم تصميم الجناح الإسرائيلي بمعرض”ديزني لاند”،بحيث يبدو ممراته كشوارع القدس القديمة مع وضع شمعدان يهودي على مدخل الجناح،ليعرضوا فيلم ضخم يضم التاريخ اليهودي في المدينة “لم يصل هذا التاريخ إلى أكثر من سبعين عاما”،متجاهلا التاريخين المسيحي والإسلامي.
فهذا المعرض الذي أقامته شركة “ديزني”في مدينة أورلاند في ولاية فلوريدا الأميركية،كان بمشاركة أربعين دولة حول العالم،ومنهم الكيان الصهيوني .
وهنا لابد من القول،لم يكن وعد ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس2017 هو الأول من نوعه،ولم يكن الموقف الأمريكي أيضا بجديد،بل ترجع لجذور تاريخية.
فى التسعينات أقر الكونجرس وإتخذ ما يفيد بأن القدس عاصمة لإسرائيل،ولكن رؤساء أمريكا في ذلك الوقت كان لديهم قلق شديد من رد فعل الدول العربية ومصالحهم في المنطقة،ولأن الوقت غير مناسب للتنفيذ،فتراجعوا لحين إختيار الوقت المناسب لهم.
وفي 30 يوليو 1980أصدر الكنيست الإسرائيلي قانون عرف بـ”قانون القدس”،والذي طال الجدل حوله،وإستخدمته سلطة الإحتلال الصهيوني كورقة رابحة لهم في هذا الشأن،وصولا إلى قرار ترامب الذي أعلن خلاله”القدس عاصمة إسرائيل”،فهو “قانون أصدره الكنيست وطبقه ترامب”.
ومن هنا بدأ الكيان الماسوني الصهيوني العالمي يستغل جميع المحافل الدولية وكل الأساليب الدعائية والإعلامية في العالم،لإقحام القدس في المناسبات المختلفة والترويج – زورا وبهتانا- بأنها مدينة يهودية تضرب بجذورها في التاريخ اليهودي،وأنها عاصمة أبدية لـ”دولة إسرائيل”!!.
وفى تحرك سياسى وإعلامى للدفاع عن عروبة القدس،ووقف المخططات الماسونية الصهيونية الرامية الى تزوير الإرث الثقافى والحضارى للمدينة المقدسة .
وبالنظر الى خطورة هذا المعرض”الجناح الإسرائيلي بديزني لاند1999″الذي يمثل إعتداء صارخ على القدس ذات العمق الإسلامى والمسيحى،والذي يجذب ملايين الزوار حول العالم،والذي يعتبر إنتهاك فاضح ليس فقط للحقوق العربية والإسلامية في المدينة المقدسة،بل وكذلك للقرارات الإقليمية والدولية،لأنه تزييف صريح للتاريخ والتراث العربى والإسلامى .
ولكي يتحقق له ما يريد،لجأ هذا الكيان الماسوني- كعادته- إلى تزييف التاريخ وطمس معالم الحق العربي – المسيحي والإسلامي- في تلك المدينة المقدسة،وذلك بقيام منظموا الجناح الإسرائيلي في “ديزني لاند” بتنظيم المعرض،لتقديم باب الخليل الذي إستولي عليه الكيان الصهيوني المحتل في عام 1967م ،بإعتباره أثر يهوديا إسرائيليا،والذي يعتبر تزويرا ثقافيا كاملا،بالإضافة الى كونه محاولة لتصوير ضم المدينة المحتلة وكأنه أمر واقع،الأمر الذي يمثل إنتهاكا سافرا،وتشويها صارخا للتاريخ العربي والإسلامي،وبالإضافة أنهم قاموا بتقديم مدينة القدس في هذا المعرض كعاصمة له،وأنها بشقيها الشرقي والغربي،جزء متكامل من الكيان،كما يقدم القدس بتاريخها اليهودي فقط بإستثناء اللحظات المسيحية والإسلامية التي عاشتها المدينة إنتزاعا من الحق اليهودي،وبالتالى إعطاء المعرض بعدا سياسيا.
وهو الأمر الذي أدي إلي الدعوات والحملات لمقاطعة هذة الشركة المسماة”والت ديزني”والتي عرفت بدعمها وإنتمائها للفكر الماسوني.
ولهذة الأسباب قامت جهات عربية وإسلامية في لندن،بالإحتجاج مجددا على قيام مكتب السياحة الإسرائيلي،بإعادة وضع ملصقات عن القدس،كإعلانات سياحية إسرائيلية تشير بشكل أو أخر الى يهودية القدس منذ قديم الزمان،وبقائها مستقبلا كذلك خلال الألفية المقبلة.
وقد سبق أن إحتجت نفس الجهات على تلك الملصقات،وقيل أن السلطات البريطانية المسؤولة تجاوبت مع الإحتجاج العربي الإسلامي وتفهمته وأزالت الملصقات .
أما بعد فترة فيبدو أن الأمر بدا مختلفا،فملصقات القدس الإسرائيلية على جدران محطات القطارات وأنفاقها،جاءت متزامنة مع معركة “القدس عاصمة لإسرائيل”في الجناح الإسرائيلي في معرض”ديزني لاند،وعلى رغم ذلك لم يلقي الإحتجاج العربي في لندن الإهتمام نفسه الذي لقيه سابقا،فلم ترفع الملصقات عن جدران معرض”لندن لاند” كما لم يكن الموقف البريطاني فعالا بما فيه الكفاية .
وأما عن المواقف العربية في هذا الوقت،تراوحت بين مواقف حادة،واضحة،رافضة،وأخرى متفهمة لما قام بيه الكيان الماسوني الصهيوني في الجناح الإسرائيلي بمعرض”ديزني لاند” .
وكان هناك موقف رافض كليا لرفع شعار”القدس عاصمة إسرائيل الأبدية” أو حتى التلميح اليه،وأرفق هذا الموقف بدعوة صريحة لمقاطعة المعرض كليا.
وموقف أخر لمعاقبة شركة ديزني ومقاطعتها،وهذا الموقف كان بداية في الحملة التي قادها وزير الاعلام في دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان،وإستنفاره وزراء الثقافة والإعلام العرب،لإحباط المخطط الماسوني الصهيوني إتجاه القدس في معرض ” ديزني لاند”.
ثم جاءت مواقف أخري متفهمة،وأخرى داعية للإنتظار، وأخرى مواقف حضارية،كما وصفها أصحابها،داعية للرد بأجنحة كلها للقدس… وهكذا.
وكل هذا بعد مراوغة ماسونية صهيونية ألقت بظلالها،حيث أعلن الكيان الصهيوني إستعداده لتعديل بسيط على الفيلم الذي سيعرض بجناحها الإسرائيلي بمعرض القرية الألفية بديزني في ولاية فلوريدا،والذي يصور القدس عاصمة لإسرائيل،وسارعت بنفيه فيما بعد.
وفي هذا الوقت تجمعت كل هذه المواقف والأراء المختلفة،الى جانب إنتظار موعد إفتتاح معرض”ديزني لاند” لمعرفة ما سيجري فيه،الى جانب ما أعلنه بيل وارن مدير العلاقات العامة في “شركة ديزني”،من أن الشركة لن تسمح بأي إستغلال سياسي لمعرض”ديزني لاند”وأن المسموح به هو أمر تاريخي فقط وليس سياسي.
وفي الوقت نفسه ديزني تراهن على أن المعرض سوف يكون مقبولا،ولكن كان لدى البعض شكوكا بأنه لن يكون مقبولا إذا ما واصلت ديزني السير في هذا الطريق،لأن أى عرض ثقافى أو دينى في هذا المعرض سوف يمس بالحقوق العربية والإسلامية والمسيحية في الأراضي المقدسة،وخاصة القدس المحتلة منذ عام 1967،مما يمثل خرقا لكافة الأعراف والقرارات الدولية.
وفي الوقت نفسه طلب من الكيان الصهيوني إيضاحات حول طابع الجناح الإسرائيلي في معرض”ديزني لاند”،ولكنه رفض،مما أثار الشكوك أكثر،وإعتبر تناقضا بين إدعاء ديزني بأن المعرض ثقافى وغير سياسى،ورفضها السماح بالتعرف على مكوناته قبل إفتتاحه .
وللأسف تجمع كل هذا ليصب في التهدئة فقط،مما أدي الي التقليل من أهمية الموقف الرافض لملصقات القدس على جدران جناح “لندن لاند”بالمعرض،وحتى ذاك الموقف الذي أدان الكيان الصهيوني بطرح زجاجات خمر تحمل إسم “القدس2000″و”الجليل2000” شعارا على قناني نبيذ إسرائيلي”قناني خمر”،وطبعت عليها صورة قبة الصخرة المشرفة،في أكثر المساعي الصهيونية وقاحة لتدنيس المقدسات الإسلامية،وفي تحدي سافر لمشاعر المسلمين من جهة،وتسييس لقضية تهويد القدس من جهة أخري،في ثاني إعتداء يمس مشاعر المسلمين خلال شهر بعد أزمة الجناح الإسرائيلي في معرض “ديزني لاند”،والذي يصور القدس مدينة يهودية.
إذن ما فعله الكيان الصهيوني في هذا الوقت هو أنه كثف من تحركاته”التاريخية السياسية”،لتزييف التاريخ الفلسيطني،لتأكيد أن القدس ستبقى مدينة موحدة،وأنها عاصمة إسرائيل الأبدية،متحايلة بإستخدام أسلوب”خلخلة المفاهيم”،لتمرير قناعاتها وخلخلة قناعات الآخرين.
وبالفعل نجح الكيان الماسوني الصهيوني وحتى يومنا هذا في جعل أطراف فلسطينية وعربية ودولية عامة،تقول أن المهم بشأن القدس هو ما ستسفر عنه المفاوضات التي ستحدد مصيرها وليس هذه الملصقات أو الشعارات التي ترفع في كل مكان.
ولكن إذا كان ما ستسفر عنه المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية هي الأهم،فإن تلك المفاوضات نفسها تعرضت لخطة “خلخلة المفاهيم”.
ومثال علي ذلك..في ما أذيع في هذا الوقت من جانب الكيان الصهيوني أو غيرها عن قبول فلسطيني بقرية”ابو ديس” المضمومة للقدس عاصمة للدولة الفلسطينية بحيث تكون العاصمة في القدس وليس القدس نفسها.
وهذا ما أشارت اليه وثيقة أبو مازن – بيلين،لكن إسرائيل نفسها نفت وجود الوثيقة،على رغم أن هناك من يؤكد أن”أبو ديس “تشهد نهضة بناء تجعلها صالحة لتأهيلها لتكون عاصمة ما لدولة ما.
هكذا تبدو خطة “خلخلة المفاهيم”واقعية وموجودة، ويستعين بها الكيان الماسوني الصهيرني المحتل،لإثارة الإرباك حول قضية ما ومفهوم ما.
وهكذا يتعامل الكيان الصهيوني مع القضايا،وذلك بخلق نوع من البلبلة وإرساء”الخلخلة في المفاهيم”لتصل الى ما تريد،ولتتمكن من عدم إعطاء أي شيء بنسبة مئة في المئة.
فعندما نطالب بدولة فلسطينية.. يقول الكيان الصهيوني”نعم موافق”،ولكنه في الخفاء حضر ويحضر لها صيغة ما وشكلا ما وحدودا تقررها هي،ثم وفي أوقات محددة قياسا على ظروفها،سيقبل المعنيون وسيقبل الجميع أو أنهم يصمتون.
ومن هنا فإن الأمر لم يعد:القدس ما هي وكيف،في”ديزني لاند”أو على جدران معرض”لندن لاند” أو على قنينة نبيذ،ولم يعد الأمر تاريخا للقدس أو سياسة بشأنها.
ولكن الأمر أوسع وأشمل نمط سلوك ماسوني صهيوني تقريري وتنفيذي شيطاني،يتصف بالقدرة على إملاء الموقف عبر التحضير للتفاوض أو خلال التفاوض.
ويبدو أن سلاح المقاطعة الإقتصادية كان ما زال فاعلا وحاسما في ذلك الوقت،لما تسبب من خسائر:
فالموقف العربي الإسلامي الحاسم من جهات بأميركا الى المنطقة العربية أجبر شبكة مطاعم “بيرغر كينغ” الأميركية في ذلك الوقت على إغلاق فرعها في مستوطنة”معاليه ادوميم”في الضفة الغربية،بحجة أن تلك المستوطنة هي في أرض محتلة وليست مدينة إسرائيلية،وأيا كانت الحجة،فالمطعم أغلق تحت الضغط وأمام المواقف الحاسمة والواضحة.
ويبدو أن مثل هذة المواقف الحاسمة هي التي تنفع في مواجهة المخططات الصهيونية القائمة على”خلخلة المواقف” التي تنفذ بشأن القدس تحديدا.
وبعد إعتراضات من جانب المنظمات الأمريكية الإسلامية العربية ومن جانب دولة الإمارات العربية المتحدة،وتهديدات بمقاطعة كل إنتاج شركة”والت ديزني”من جانب الدول العربية والإسلامية،وافقت ديزني على حذف عبارة “القدس عاصمة إسرائيل”كعنوان للمعرض في الجناح الإسرائيلي،وعلي الرغم من أنها أجرت فعلا بعض التغييرات و تعتبر خطوة إيجابية الإ أنها ليست كافية،لأنها قامت بحذف العنوان فقط مع بقاء محتوي المعرض كما هو.
وفي حين كان موقف الجامعة العربية سلبي،حيث جاءت قرارت اللجنة المكلفة بتقصي طبيعة المشاركة الإسرائلية في معرض”ديزني لاند” لا تعبر عن تراجعها بالسماح بعرض الفيلم الإسرائيلي الذي يقدم القدس كعاصمة للكيان الصهيوني،وقالت اللجنة أن شركة ديزني لن تتراجع عن السماح لإسرائيل بالمشاركة بجناح يروج للقدس عاصمة إسرائيل.
ورغم ذلك أعلنت اللجنة المكلفة بتقصي طبيعة المشاركة أنها لن تقاطع منتجات ديزني،وسلمت رفضا للشركة كتسوية تتضمن الغاء عنوان المعرض”القدس عاصمة إسرائيل” فقط،وبعدها صرح سفير إسرائيل في واشنطن تعليقا على قرار ديزني بقوله:”لقد إنتصرت إسرائيل”!!.
إن الصراع مع الآخر يفرض علينا أن نعرف ما يقول وكيف ينظر إلينا لنتمكن من فضحه،ورغم المواقف السلبية للعرب والمسلمين من جانب الإ أن هناك بعض المواقف الإيجابية ..
ومع إقتراب إفتتاح المعرض أوصت اللجنة الدائمة للإعلام العربي وزراء الإعلام العرب بالتشاور لعقد إجتماع طارىء،للرد عملي علي الإجراءات علي قرار شركة ديزني،وبالفعل ورحبت اللجنة بوجود جناحين عربيين في معرض قرية الألفية بمعرض”ديزني لاند” لإبراز عروبة القدس،وحث وزارات الإعلام العرب بتزويدهما بمواد إعلامية،والتعريف بالجناحين إعلاميا،وبالفعل تم إنتاج فيلم تلفزيوني عن عروبة القدس ينتجه إتحاد إذاعات وتلفزيونات الدول العربية ودعم السلطة الفلسطينية لإبراز عروبة القدس في جناحها في ديزني بمعرض هانوفر.
في حين قام والمثقفون والكتاب الفلسطينيون بجهد كبير وفاعل في مواجهة الرواية الإسرائيلية المزورة في معرض ديزني،وعملوا على كشف زيفها وهم مستمرون ومتمسكون بالثوابت الوطنية،وذلك عن طريق فيلم”روايتنا “وهو يعتبر مثال حي على قدرة الفلسطينيين في حال توفرت الإرادة على مواجهة هذه البروباغاندا الصهيونية،هذا الفيلم الذي إستخدم لنقل الرواية الفلسطينية في مواجهة الرواية الإسرائيلية المضللة،والذي وزع في الخارج على الجاليات الفلسطينية من أجل نقل الرواية الفلسطينية،في ظل تسلل الرواية الإسرائيلية التي تزيف الحقائق وتمارس الخداع.
ولكن في النهاية قام الكيان الصهيوني بتنفيذ خطته الخبيثة وحتي لو لم يغلف ذلك بعنوان صريح،وذلك بسبب المراوغة الماسونية الصهيونية،والتي أدت في النهاية الي التهاون والتفرق والمجاملات والمساومات،والتى مازالت تؤدي الى تهويد الأراضي المقدسة حتي يومنا هذا .
مخطط خلخلة المفاهيم
لا شك أن إقامة الجناح الإسرائيلي وموضوعه”القدس عاصمة إسرائيل”كان إنتهاك فاضح للحقوق العربية والإسلامية في القدس،فهذا العمل كان تزييف وسرقة للتراث وإعتداء صارخ على التاريخ الإنسانى،في ظل موقف عربي وإسلامي غير حاسم وواضح.
وكان علي الأمة العربية والإسلامية فهم ما يقوم به الكيان الصهيوني،بشأن عدد من القضايا،وأهمها القدس المحتلة،لأن الكيان الصهيوني ينفذ خطة تعرف في علم النفس الإعلامي والمعرفي بـ”خلخلة المفاهيم”.
وهذه الخطة وهي”خلخلة المفاهيم”عبارة عن تكرار طرح أي قضية ما،بناء علي موقف محدد من دون تغييره،حتى ولو قوبل هذا الموقف بالرفض من أي جهة كانت،و هذا التكرار ينتج عنه خلخلة مفاهيم وقناعات الطرف الرافض حتى وإن لم يقبل،وتشكيل خلخلة قناعات الآخرين،وتكوين إنطباع عام بأن تلك القضية المطروحة هي عرضة للأخذ والرد وأنها ليست أمرا مسلما به.
وهنا لابد من القول،كان علينا أن لا نستخف بما حدث بالجناح الإسرائيلي بمعرض والت ديزني 1999،لأن مئات الملايين شاهدوا هذا المعرض،حيث قام المعرض بتشويه وتزوير للواقع والتاريخ والفكر،محاولة منه لخلق رأي عام عالمي،وفرض نمطية،حيث كان هناك نوع من التسييس.
وهذا يعني شيء خطير بالنسبة للرأي العام،وبالنسبة لإيجاد نوع من القبول الضمني بهذا الرأي العام العالمي لواقع القدس،لأن الكيان الصهيوني”إسرائيل”،دائما ما تحاول عزل القدس ليس جغرافيا وبشريا فحسب،وإنما من الذهنية والمفاهيم السياسية والحضارية والثقافة العربية والعالمية،بحيث نظل دائما نتعامل مع القدس وكأنها خارج سياق فلسطين والمفاهيم الإسلامية والمسيحية والعربية.
ومن هذا كله لابد من القول… الي أن معركة القدس في”ديزني لاند” أو في “لندن لاند”أو غيرها من الوسائل الإعلامية،لا تنفع معها الإ المواقف السياسية الواضحة عربيا وإسلاميا ودوليا،والمواقف الحاسمة،والحشد العربي والإسلامي على إتساع العالم.
وهذه المواقف هي التي جعلت بيل وارين مدير العلاقات العامة في شركة “وولت ديزني”العالمية يؤكد أن الشركة تدرك حساسية موضوع القدس بالنسبة للعرب وتعترف بالقرارات الدولية التي تقر بأن القدس الشرقية مدينة محتلة،وأكد أن الشركة ستصاب بخيبة أمل كبيرة إذا تعرضت لأي مقاطعة عربية وإسلامية،وخصوصا عدم مشاركة الدول العربية التي سبق وأعلنت أنها ستشارك بأجنحة معرض الألفية الثالثة الذي تقيمه “شركة ديزني” في مقرها بأميركا.
وحتى الكيان الصهيوني عاد وإعترفت وقتها بحقيقة موقفه من القدس وأعلن بلسان وزارة خارجيتها أنهم مستعدون لإعادة النظر في الفيلم الذي سيعرض في معرض” ديزني لاند”عن القدس،بحيث تزيل المقطع الذي يقدم القدس عاصمة لإسرائيل اذا كان ذلك يخفف التوتر،ويساعد في إنجاح المعرض،ويبقي على المشاركة العربية.
ومنذ ذلك الوقت،أصبح كل رئيس أميركي من حقه أن يستجدي الكيان الصهيوني واللوبي الخاص به في أمريكا،وذلك من خلال مقولة “القدس ستبقى عاصمة أبدية وموحدة لإسرائيل”،وهذه العبارة المنقولة حرفيا عن باراك أوباما،قبيل خوضه معركة الإنتخابات بأشهر،في خطابٍ ألقاه أمام منظمة آيباك،أهم منظمات اللوبي الصهيوني في أميركا.
وما تجرأ ترامب..وأعلن أن القدس عاصمة لإسرائيل،إلا بسبب تشرذم العرب والمسلمين،وإنهماكهم فى الحروب الداخلية،وإسقاط جيوشهم بأيديهم،حتي إستطاع إتخاذ قرار بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس،والإعتراف بأن “القدس عاصمة إسرائيل”،حيث يعد عمل تآمرى بدأ منذ أيام وعد بلفور بإنشاء وطن قومى لإسرائيل” .
وهناك عامل تآمرى أخر حديث يتمثل فى الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة والربيع العربى كانت المرحلة الثانية لدعم إسرائيل،وإستهدف تغيير بعض الأنظمة العربية فى الدول ذات الثقل السياسيى والإقليمى والعسكرى بالمنطقة،بهدف إحداث خلخلة في الأوضاع،تكون فى النهاية إضعاف للعرب فى مقابل قوة الكيان الصهيوني ” إسرائيل” التى تنعم بالأمن والأمان والسلام،وأنها عاصمة الديمقراطية فى الشرق،والكثير من الشعارات الرنانة مما يتم ترديده،تنفيذا لحلم ماسوني صهيوني عالمي يسعون إليه من الألأف السنين لحكم العالم تحت مظلة نظام عالمي جديد.
ومن أجل تحقيق هذا الحلم الماسوني الصهيوني كان عليهم أن يقوموا بإجراء”بروفة” علي أرض الواقع حول معركة “مصير القدس”على مرأى ومسمع من العالم كله،لكي يبرهنوا للجميع أن “العرب لا يمكن أن يطلع من أمرهم شيء” !،ولكي”يعود أيضا “الرأي العام العالمي على قبول الأمر الواقع في المدينة المقدسة.
إنه نوع من”الشرعنة المسبقة” ياسادة،بل إنتزاع “الإعتراف العملي”بيهودية القدس،وحرصت فيها الحركة الماسونية الصهيونية على إستغلال هذه الماكينة الدعائية الضخمة وهي”شركة والت ديزني”المؤيدة لها حول العالم،لتبث من خلالها دعوتها الصهيونية،وتهيئ الرأي العام،ليتأقلم مع أهدافها،ويتعاطف معها في إحتلالها لأرض فلسطين.
فهذه الماكينة الدعائية”والت ديزني” تعمل على تجميل الوجه الماسوني الصهيوني،وتبرر مجازره بحق فلسطين والقدس،وبحق شعب مقهور يعاني من ويلات هذا الإحتلال الغاشم.
وعلينا نحن الأ نستخف بالكثير من المعارك،وأن نجابهها بمختلف جبهاتها،ونتعلم كيفية إدارة المعركة بشكل حضاري ومقنع، هذا هو المطلوب.
وهنا يخطر في ذهني سؤال أخر أكثر أهمية من السؤال السابق… وهو..:-
أين المواجهة الإعلامية التي يجب أن تتصدي لهذه البروباغاندا الماسونية الصهيونية علي قضية فلسيطن والقدس؟!
وأين المواجهة الإعلامية التي يجب أن تتصدي لإستخدام أسلوب التأطير السياسي في قضية فلسطين والقدس؟!
وأين دورنا اليوم في كشف الحقيقة وتعريف العالم بأسره بأن القدس عاصمة فلسطين الأبدية،وأن من يعاني من نظام التميز هم أهل فلسطين،وهو أسواء من نظام الفصل العنصري الذي كان قائم في جنوب أفريقيا ؟! .
وها هو التوثيق الأدبي والتاريخي لأحد الأدوار التأمرية في تزييف التاريخ وخلخلة المفاهيم الذي تلعبته شركة والت ديزني في الإحتفال بالألفية الثالثة 1999 ،فضلا دورها الدعائي كقوة ناعمة لتدمير العقول من خلال الأفلام الكرتونية التي تنتجها لتزييف التاريخ وخلخلة المفاهيم عند الأجيال،تنفيذا للمخطط الماسوني الصهيوني لتهويد القدس،ولترويج للنظام العالمي الجديد.
وتوثيق أخر للخذلان والعار العربي لقضية القدس بين سياسات التهويد وتخاذل العالم العربي والإسلامي والصمت الدولي أمام الأساليب الذي إستخدمها الكيان الماسوني الصهيوني من أجل تهويد القدس،وهذة المرة عن طريق شركة ديزني ذات الفكر الماسوني.
إن كل ما سبق يلقي الضوء على السياسة التي تطبقها الماسونية الصهيونية العالمية ضد القدس وأبناء الشعب الفلسطيني بالقدس،ليتحقق لهم السيادة المطلقة عليها،ولكن هيهات هيهات أن يتحقق لهم ما يحلمون به لأسباب عدة أبسطها أن القدس مدينة عربية فلسطينية تضرب بجذورها في التاريخ العربي الفلسطيني.
التعليقات