السبت الموافق 08 - فبراير - 2025م

الهجرة النبوية رسالة للأمة !!

الهجرة النبوية رسالة للأمة !!

كتبت/ريهام الزيني

 

من ذا الذي هجر وطنه الغالي،ولا يحترق شوقا ولا يتلوي ألما عليه،من ذا الذي لا تحتمر مقلتاه عذابا لفراق الوطن؟!،فلا يعرف مرارة الغربة الإ من فقد الوطن،ولا يذوق سياط الحزم الإ من إضطر لهجرة الوطن،ولا يقدر حلاوة الوطن الإ من ذاق علقم الهجرة بين التنقل والترحال،ولسان حاله يقول في كل محطة “إنني أبحث عن وطن بأمنه وأمانه وجماله وروعة ذكرياته”.

 

 

تهل علينا ذكرى الهجرة النبوية الشريفة،ولابد للمسلم الواعي أن يتفكر ويستنبط العبر والعظات من هذا الحدث العظيم الذي غير وجه التاريخ والإنسانية،تلك الهجرة المباركة التي نتذكر من خلالها أحداث عامرة في قلوبنا،والتي تعتبر حادث فيصلا بين مرحلتين من مراحل الدعوة الإسلامية،هما المرحلة المكية والمدنية،حيث كان لهذه الحادث أثار جليلة على المسلمين،ليس فقط في عصر النبوة فقط،ولكن أثاره الخيرة قد إمتدت لتشمل حياة المسلمين في كل زمان ومكان.

 

 

فمن الذي ذاق مرارة الهجرة والتهجير من وطنه أكثر مما ذاقه سيدنا محمد”صلي”،فما أعظمها من صورة حية ومشرفة من صور الهجرة التي تنضح بالرحمة والتسامح والسمو ومكارم الأخلاق،عندما إستدار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي وطنه مكة المكرمة وهو راكب على راحلته،قبيل هجرته إلى المدينة المنورة،ناظرا إلى أفقها البعيد،مودعا أغلى وطن وأحبه إلى نفسه،قائلا بمرارة المهاجر المتألم الحزين:”والله إن لخير أرض الله،وأحب أرض الله إلى الله،ولولا أني أُخرجت منكي ما خرجت”.. (رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان).

 

فلاشك أن الوطن ملاذ الجسد والروح،وواحة الأصالة والعزة والكرامة،فمن ذا الذي يفاضل وطنه بأي وطن في هذة الدنيا؟!،حين نفقد الوطن،فإننا نبنيه في نفوسنا،ونسكنه في أعماقنا،ليصير جناحين لروحنا،فيبقي بداخلنا وطن ،نحس به ونستشعر علوه ومكانته ،لنندفع لتحريره،بالوطن الذي بات .
وعلي كل من تعذر أن يسكن وطنه لأي ظروف،عليه أن يسكنه بين ضلوعه،ليتذكر في كل وقت وحين،بأن لا قيمة له بدون وطن،فمن يسترد وطنه في أعمافة،لابد أن يأتي اليوم الذي يسترده جغرافيا وموقعا مكانيا.

 

وشتان ما بين من إمتلك روح الحضارة قلبا نابضا بمعنى الحياة،وبين من إمتلك جسدها الجامد كجمود قلبه وعقله،فالأول إلى خلود ورسوخ،بأصله الثابت وفرعه الذي يعانق السماء،والثاني إلى زوال أكيد ماله من قرار.. .

 

 

وما أعظمها من رسالة و صورة حية ومشرفة من صور الهجرة،لقائدنا وقدوتنا سيدنا محمد”صلي”،أبعث بيها للأمة الإسلامية،ولهؤلاء المتردين علي القيم الإنسانية النبيلة،الذين لا يحركهم الإ الحقد والكيد واللؤم علي ديننا الحنيف وعلي رسولنا الحبيب الطاهر الأمن،وعلي الرسالة التي بلغنا إياها،لتحرير هذة النفوس الجاهلة التي دائما ما تنفث أحقادها الدفينة في هذا الزمن،للإرتقاء بها إلى أكرم الدرجات الإنسانية الحقيقية،فهو الرسول الكريم الذي دانت لسماحته ورحمته الدنيا،حين فتح مغاليق القلوب،قبل أن يفتح القلاع والحصون في مشارق الأرض ومغاربها..

 

فسيرة المصطفى”صلى”لا تحد آثارها بحدود الزمان والمكان،وخاصة أنها سيرة القدوة الحسنة والقيادة الراشدة قيادة محمد”صلى” الذي أرسله الله رحمة للعالمين،وما نتج عن هذه الهجرة من أحكام ليست منسوخة،ولكنها تصلح للتطبيق في كل زمان ومكان،ما دام حال المسلمين مشابها للحال التي كانت عليها حالهم أيام الهجرة الي يثرب.

 

الهجرة النبوية تعد حدث تاريخي،وذكرى ذات مكانة عند المسلمين،ومدرسة تتجدد كل عام،وفي مقدمة الدروس المستفادة منها،تعلم المسلمين كيفية التضحية بالغالي والنفيس في سبيل نصرة الوطن والإسلام دينا وأمة،حيث تعتبر الخطط المحكمة والقرارات الرشيدة تمثل تخطيطا دقيقا للهجرة،فلا بد أن نستفيد منها اليوم،ولا بد أن يتوقف الجميع عن إقصاء المخالفين لهم في الرأي،والتخطيط الدائم والمراجعات الشاملة والإستعداد الجيد للمستقبل،لأن ما نعيشه اليوم من صراعات و تخبط وعشوائية في معظم أمور حياتنا سببه غياب التخطيط الجيد.

 

 

فلاشك أن في الهجرة النبوية بيانا عظيما للأمة في كل زمان ومكان بضرورة توثيق الصلة بالله تعالي،إنها الحدث الفارق الذي غير مجرى الحياة والتاريخ،وبدأت معه الأمة في مسيرتها الحضارية والإنسانية ببناء دولتها الإسلامية بمفهومها الحديث والقانوني المعاصر والمتمثل في ثلاثية الترابط والتوافق والتناغم بين الشعب والدولة والدستور.

 

وما أحوج الأمة العربية و الإسلامية اليوم إلى هجرة إلى الله ورسوله:هجرة إلى الله بالتمسك بحبله المتين وتحكيم شرعه القويم، وهجرة إلى رسوله صلى الله عليه وسلم،بإتباع سنته، والإقتداء بسيرته،فإن فعلوا ذلك فقد بدأوا السير في الطريق الصحيح،وبدأوا يأخذون بأسباب النصر.

 

 

لذلك فنحن جميعا في أشد الحاجة إلى قيم الهجرة النبوية لمواجهة التحديات الصعبة التي نمر ليها الآن،ودروس الهجرة النبوية صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان،ومن خلالها يستطيع المسلمون أن ينتقلوا من حالة الضعف إلى القوة،ومن حالة التفرقة إلى الوحدة،حيث أرست الهجرة عددا من القيم والدروس،في مقدمتها التضحية والفداء والإيثار وحب الأوطان،ولا تزال هذه المعاني تهتدي به أمتنا العربية والإسلامية،خاصة في هذه الأوقات،حيث تجابه الأمة الأن العديد من المخاطر والتحديات التي تستوجب الاستفادة من دروس الهجرة واستقراء دلالاتها.

 

 

وعلي كل مسلم أن يأخذ من الدروس المستفادة ومعاني الهجرة النبوية الشريفة،في زماننا هذا،بل إن الأخذ بها أصبح ضرورة حياتية،لأنها لم تكن إنتقالا ماديا من وطن إلى آخر فحسب،ولكنها كانت إنتقالا معنويا من حال إلى حال،إذ نقلت الدعوة الإسلامية من حالة الضعف إلى القوة،ومن حالة القلة إلى الكثرة،ومن حالة التفرقة إلى الوحدة،ومن حالة الجمود إلى الحركة،ولأنها موسم من مواسم الطاعة،وفخر من مفاخر الدين،ومرحلة من مراحل الإسلام،يجب أن يعيشها المسلم،ويحيياها المؤمن،ليأخذ منها الدرس والعبرة،ويستخلص منها السلوك والتطبيق.

 

وعلى الدعاة وعلماء الأمة الإسلامية أن يجندوا إمكاناتهم وعلمهم لنصرة الإسلام أولا،وإحياء مبادئه وتعاليمه في نفوس كل المسلمين والإنسانية جمعاء ثانيا،حتى تعود لهم عزتهم وكرامتهم،ويختفي التعصب الفكري الذي إستشرى في مجتمعنا .
وبالأصالة عن نفسي أتقدم إليكم بخالص التهنئة القلبية وأزكاها بهذه المناسبة الدينية المشرفة،التي نأخذ وننهل منها العبر،وأتمني من الله عز وجل أن تكون هذه السنة الهجرية الجديدة سنة للعمل الجاد،يعيش فيه الوطن الغالي والأمة الإسلامية والعربية والإنسانية جمعاء في سلام وخير وأمان .

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 79666817
تصميم وتطوير