يعتبر عالم الفزياء اسيفن هوكينج نموذجاً بشرياً فريداً من نوعه عبر التاريخ العلمي للبشريه
حيث كانا نيوتن و أينشتاين أبرز العلماء مساهمةً في الفيزياء والرياضيات والثورة العلمية الحديثة، كانا في كامل قواهما العقلية والجسدية حتى آخر لحظات حياتهما. فقد نشر نيوتن الطبعة الثالثة من كتابه (الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية) لمعظم مبادئ الميكانيكا الكلاسيكي، والجاذبية في 1726م، بضعة اشهر قبل وفاته. وكان انشـتاين يُدرس ويُصيغ المعادلات الفيزيائية وهو على فراش المرض في 1955م…. أما ستيفن هوكنغ فمعظم ابحاثه واكتشافاته حول فيزياء الكون و”الثقب الأسود” قام بها وهو مقعد مصاب بالشلل التام، لا يتحرك ولا يتكلم ويقوم بحل واستنباط المعادلات ذهنياً بطريقة مُذهلة تفوق العقل الطبيعي للبشر. أصيبَ في 1963م وهو في عمر 21 بمرض عصبي يدعى (مرض العصب الحركي motor neuron disease) وهو مرض يُصيب الخلايا العصبية التي تتحكم في حركة العضلات الإرادية في الدماغ، وفي الحبل الشوكي، جعل منه مع مرور الزمن مقعداً غير قادر على الحراك. وذكر الاطباء انه مرض خطير جدا ولن يعيش اكثر من سنتين، لكنه تحدى المرض! كما اصيب بالتهاب رئوي حاد في سويسرا عام 1985م وهو في سن الـ43 عند دعوته لزيارة مركز (سيرن) لأبحاث الفيزياء ارغم الأطباء على عمل شق صغير في رقبته حرمه من القدرة على الكلام. ولم يستجب لمقترحهم في إنهاء حياته وطالبت زوجته بإعادته إلى كمبريدج في بريطانيا حيث تَحسّن مع المضادات الحيوية التي كان يُحقَن بها في الوريد. وجاء مقترح الأطباء لإنهاء حياته أثناء قيام هوكينغ بتأليف كتابه الشهير “موجز تاريخ الزمن من الإنفجار العظيم الى الثقوب السوداء »
A Brief History of Time: From the Big Bang to Black Holes
الذي أضفى عليه شهرة واسعة، وتُرجِم إلى العديد من اللغات من بينها العربية. وهو الان في الـ74 عاماً يسعى جاهداً للتوصل إلى معادلة عالمية تجمع بين النظرية العامة للنسبية التي توصل إليها أينشتاين وبين علم ميكانيك جسيمات الذرَة، بمعنى آخرالتوصل الى قانون واحد عام يمكن ان يُطبّق على الأجسام الكبيرة جداً كالكواكب والمجرات والنجوم من جهةٌ، والأجسام الصغيرة جداً التي تكوّن الذرة كالبروتونات والنيترونات والإلكترونات من جهةٌ أُخرى.
نبذة عن حياته
- ولد في مدينة أكسفورد في 1942م اثناء الحرب العالمية الثانية ،حيث كانت ملاذاً آمناً للولادة من الهجمات الجوية المركزة للطائرات العسكرية الألمانية
-
نشأ في سانت ألبانز، هو الأكبر بين أربعة أشقاء. كان والده طبيباً باحثاً في علم الأحياء ووالدته سكرتيرة بحوث طبية، ولذلك فإنه ليس من المستغرب أنه نشأ مهتماً بالعلوم.
- لم يكن ما يميزه عن زملائه في المرحلة المدرسية وبدايات المرحلة الجامعية سوى شغفه بمادتي الرياضيات والفيزياء، حيث أعرب عن اعتقاده بأنهما المفتاح لفك أَلْغَاز واسرار هذا الكون الشاسع.
- برز نبوغه العلمي من السنة الثالثة والأخيرة في جامعة أوكسفورد وهو أصغر سنا من العديد من الطلاب الآخرين، وحصل على الدرجة الأولى في بكالوريوس الفيزياء مع مرتبة الشرف في 1962م وهو في العشرين من عمره.
- بدأ مباشرةً في دراسة الدكتوراة في جامعة كامبردج، ويُعلق بروفسور(بيرمان)، احد أعضاء لجنة اختبار القبول الشفهي لدراسة الدكتوراة في كمبردج، ان ستفن هوكينغ وبالرغم من صغر سنه كان يجاوب على اسئلتنا بمنتهى الدقة حتى شعرنا باننا امام شخص يفوقنا ذكاءً.
-
في السنة الأولى من دراسته الدكتوراة، بدأ يعاني من ثقل في اللسان والتَّلعْثُمُ عند المحادثة وضعف في الأطراف السفلية، كان يتعثر كثيراً في المشي ويسقط ارضاً دون سبب. تمّ تشخيصه (بمرض العصب الحركي) وهو في عمر الـ 21، وذكر الاطباء انه مرض خطير جدا وأنه لن يعيش اكثر من سنتين. هنا بدأت رحلته في تحدي المرض والابداع العلمي.
- تزوج (جين ولدا) في 1965م، وهي الأن مؤلفة ودكتورة تربوية، أنجبا ثلاثة أطفال. دعمت زوجها ستيفن خلال مشاكله الصحيّة التي مر بها، وساعدته للإستمرار بعمله.
-
حصل على شهادة الدكتوراة في الفيزياء النظرية والرياضيات التطبيقية في 1966م وهو ابن الـ24 عاماً وبتخصص في النظرية النسبية العامة وفيزياء الفضاء. ونالت اطروحته (جائزة آدمز) Adams Prize وهي من اكثر الجوائز اعتباراً في مجال الرياضيات تمنحها جامعة كمبردج سنوياً، وكانت الاطروحة حول الوصف الهندسي للزمان والمكان في الثقوب السوداء الضخمة
- في أواخر الـ 1960، تدهورت قدراته البدنية و بدأ باستخدام العكازات ثم لاحقاً الكرسي المتحرك، وتوقّف عن إلقاء المحاضرات بشكل منتظم. وبينما خسر ببطء قدرته في الكتابة، طوّر أساليبه البصريّة التعويضيّة، بما في ذلك رؤية المعادلات بمنظار هندسي واستنباط قوانين جديدةٌ في رأسه…. ومع ذلك، كان هوكينج مستقلاً ورفض بشدة قبول المساعدة أو تقبل التنازلات بسبب إعاقته.
- في 1974، انتُدِب لمدة سنة للتدريس في جامعة كاليفورنيا التكنولوجية في (باسادينا) الولايات المتحدة. قضت الأسرة سنة سعيدة ومحفّزة إجمالاً عاد بعدها الى كمبردج يزاول مهنة التدريس والتأليف… وأزدادت حدة الضعف العضلي في أطرافه العلوية والسفلية واصبح ملازماً للكرسي المتحرك.
-
في صيف عام 1985م واثناء زيارته لـ«المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية سيرن» CERN في سويسرا الذي يُعد أضخم مختبر في العالم في فيزياء الجسيمات، اصيب بالتهاب رئوي حاد سرعان ما تضاعف الى القصور التنفسي، وتم توصيله بجهاز تنفس صناعي، وتدهورت حالته الصحية تدريجياً حتى اصبح جثةٌ هامدة يتنفس بجهاز متصل فيه عن طريق شق صغير في رقبتهِ (حرمَهُ فيما بعد من القدرة على الكلام)، وعرضوا علية إنهاء حياته بسبب حالته الميؤسة طبياً.
رفضت زوجته (جين ويلدا) مقترح الأطباء بإنهاء حياته في سويسرا حيث كان يُعالج، وطالبت بإعادته إلى كمبريدج في المملكة المتحدة حيث تكيّف مع أنواع العلاج التي كان يحقن بها، وتحسنت حالته الصحية تدريجياً…. قام بتأليف كتاب “تاريخ موجز للزمن” A Brief History of Time، الذي نشره عام 1988م وتخطت عدد نسخه المباعة حتى الآن أكثر من 10 ملايين نسخة وهولا يستطيع ان يمسك بالقلم ليكتب بل ولايستطيع ان يتكلم. (دفعت مؤسسات علمية في امريكا جميع تكاليف العلاج في سويسرا والعناية التمريضية داخل منزله في كمبردج).
كيف استطاعت شركة (انتل) Intelان تُعيد مقدرته على الكلام؟
ذكرنا بأن ستيفن هوكينغ في الـ 43 من عمره واثناء زيارته لمختبر (سيرن) في سويسرا، أُصيب بألتهاب رئوي حاد، وتَطلّب الوضع المتدهور لحالة التنفس لديه عمل شقّ في اعلى القصبة الهوائية، لتوصيلهِ بجهاز التنفس الصناعي، الامر الذي ادى الى حرمانه المقدرة على الكلام.
في 1997م، قامت شركة تكنولوجيا الكمبيوترالأمريكية العملاقه (إنتل) Intel، وعلى نفقتها الخاصة، بتصميم جهاز حاسوب معقد للعالم ستيفن هوكنغ يقوم بتحويل الكلمات والجُمَل المكتوبة الى صوت خطابي …!!
كيف يتم ذلك..؟؟
- في البدايات عندما كانت لديه القدرة على تحريك اصابعه، كان يطبع الكلمات على شاشة الكمبيوتر، ثم يقوم (مولّد الخطابة) Hardware speech synthesizer المُصَنّع من قبل شركة (سبيج بلس) Speech Plus بتحويلها الى صوت خطابي مسموع. وبهذه الطريقة كان بإمكانه ان يتحدث بمعدل 15 كلمة في الدقيقة.
-
- بمرور الوقت اصيب بشلل تام في الأطراف العلوية والسفلية وفقد القُدرة على استخدام اصابعه لطباعة الكلمات، ومن ثم فقد ارتباطه بلوحة مفاتيح الاحرف على الشاشة….قامت الشركة بتطور نظام يسمى ACAT يتحرك فيها المؤشر بشكل تلقائي على احرف مرتبة عمودياً وافقياً على شاشة الحاسوب، ويقوم ستيفن هوكنغ بتوقيف المؤشر على الحرف المختار بتحريك عضلة الخد والذي بدوره يؤثر على المفتاح المثبت في إطار نظارته بواسطة الأشعة التحت الحمراء….بمعنى آخر المفتاح في إطار النظارة يلتقط حركة عضلة الخد بواسطة الأشعة التحت حمراء ليوقف المؤشر على الحرف المختار في لوحة المفاتيح على الشاشة وبذلك يتمكن من كتابة الكلمات والجُمل وتحويلها الى صوت خطابي. لكن المشكلة في هذه التقنية هو البطء في كتابة الكلمات، هذه الطريقة تمكنه من التواصل بكلمة او كلمتين فقط في الدقيقة. وتسعى شركة (انتل) لتطوير البرنامج لتُمَكن هذا العالم الفذ، الأب و الجد الذي بلغ من العمر 74 عاماً ان يتحدث 10 كلمات في الدقيقة الواحدة.
-
أهم انجازات ستيفن هوكينغ العلمية
- تَقَلد منصب الكرسي اللوكاسي للرياضيات لمدة 30 عاماً (1979-2009) وهو لقب أستاذية الرياضيات في جامعة كامبريدج بإنجلترا. تأسس اللقب عام 1663 على يد هنري لوكاس Henry Lucas الذي كان عضو البرلمان عن جامعة كامبريدج، وأصبح المنصب رسميًا بعد أن أقره تشارلز الثاني ملك إنجلترا في 1664. ويُعد المنصب من أرقى المناصب الأكاديمية في العالم، ومن أشهر شاغلي الكرسي إسحاق نيوتن وبول ديراك
- 1971م: اعطى وصفاً رياضياً دقيقاً وعبر نظرية النسبية العامة لأينشتاين بأن نقطة (التفرد) Singularity في الثقوب السوداء الضخمة (انظر شرح الثقوب السوداء في الصورة) قد تكون نقطة بداية الزمان والمكان وبالتالي أصل الكون.
- 1974: أثبت نظرياً أن الثقوب السوداء تصدر إشعاعاً على عكس كل النظريات المطروحة آنذاك؛ وسمي هذا الإشعاع باسمه “إشعاع هوكينج” وهي اول محاولة لربط فيزياء الأجسام العظيمة كالأرض والشمش والمجرات بفيزياء الكم المطبقة على الجسيمات المتناهية في الصغر كنواة الذرة والألكترونات والبروتونات, وهو انجاز فشل العالم العبقري انيشتاين وعلى مدى 30 عاماً من تحقيقه.
4- 1988: نشر كتابه تاريخ موجز للزمن الذي حقق مبيعات وشهرة عالية. تكلم فيه باسلوب سلس ومبسط للإنسان العادي عن الانفجار العظيم والثقوب السوداء والضوء والسفر عبر الزمن، باستخدام الخيال النشط الخلاق في محاوله للاجابة عن اسئلة طالما حيّرت العلماء وما زالت تحيّرهم، ودور الرب في الخلق، وتاريخ ومستقبل العالم، وكان رأيه بأن دور الرب ليس ضرورياً لأصل الكون وتكوينه وقد طبع من هذا الكتاب 10 مليون نسخة حتى الآن وتُرجم الى 50 لغة، وأرسل هوكنيغ آنذاك تسجيلاً صوتيا خاصا عندما وأقيمت أمسية خاصة بذلك في العاصمة الإماراتية ابو ظبي، حيث جاء في الرسالة: “أنا فخور بأن كتابي (موجز تاريخ الزمن) قد ترجم إلى اللغة العربية، وآمل ان ازور الأمارات”.
التعليقات