الجمعة الموافق 07 - فبراير - 2025م

“إبراهيم فايد” يكتب : تخصَّصوا .. يرحمكم الله

“إبراهيم فايد” يكتب : تخصَّصوا .. يرحمكم الله

“إبراهيم فايد” يكتب : تخصَّصوا .. يرحمكم الله

بقلم / إبراهيم فايد

 

لا شكَّ أن العلم مفتاح نهضة الأمم وسر تقدُّمها ورقيِّها والعلماء -كلٌ فى تخصصه- هم عماد أية حضارة قائمة الآن، وعلى النقيض نجد مدَّعيِّى العلم ومزيفى الهوية ممن يتصدرون المشهد فى معظم ما يحيط بنا من مؤسسات وهيئات ومناصب -حكومية كانت أو خاصَّة- هم سبب نكسة مصر معرفيًا وثقافيًا ونهضويًا وتنمويًا، وإنى لأعُدُّ هؤلاء الأشخاص مرضى نفسيين سيكوباتيِّى الشخصية يعانون ضربًا من جنون العظمة وحب الظهور تحت ما أُسمِّيه أنا بـ << التطفُّل المهنى >>.

بالتأكيد كلنا تعرَّض فى حياته العمليَّة لمثل هذا النوع من المتطفلين وهو ما سأجعله محور حديثى .. (( المتطفل المهنى )) أو كما يطلق عليه المصريون (( أبو العُرِّيف ))، والذى انتشر مؤخرًا فى معظم أرجاء مصر، فلا تكاد تلتحق بعمل أو مهنة ما إلا ويظهر لك بها ذلك الشخص المتعجرف مُدَّعى العلم والثقافة والخبرة محاولًا استغلال كافة المواقف ليشعرك بمدى إلمامه بكل خبرات ومناحى الحياة وعلومها الدينيَّة والدنيويَّة والغيبيَّة والأدبيَّة والعلميَّة والالكترونيَّة والماديَّة والمعنويَّة والانسانيَّة والفنِّيَّة والاجتماعيَّة والترفيهيَّة ووو … إلخ، ويكأنَّه موسوعة علمية تسير على الأرض !!

 

وحتى نتجنب الانخداع فى جهل هؤلاء، ونضمن ألا نقع أسرى فى شِرَاك فتواهم علينا أن نفرِّق جديًّا بين نوعين من الإلمام بالمعرفة :-

 

(1) الثقافة العامة :- وتتأتَّى عبر القراءة والاطلاع ومتابعة وسائل الاعلام والالتحاق ببعض الكورسات العشوائية والبدائية التى تغرِّر البعض بأسماء أكاديمياتها والجهات المعتمدة والشكل الجذاب للشهادة، وهؤلاء لهم كل التقدير والاحترام لحرصهم الدؤوب على طلب العلم واكتسابه وهو المفروض على كل مسلم ومسلمة، ولكن أن يتظاهر الهواة بإبحارهم فى العلم فذلك بلهٌ فكرىٌ ونقيصة تقع فى نفس صاحبها ليس إلا.

فلا شكَّ أننا الآن نعيش التطور المعرفى بأسمى أشكاله فلنحافظ على تقدم البشرية ولا نسمح أبدًا لمثل تلك الكائنات أن تعكِّر صفو الحياة الفكرية السليمة ولندع جانبًا ذلك الحَمَقْ المعرفى الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع ولا يثرى تعاملاتنا إلا حنقًا وحقدًا واستفزازًا.

 

(2) التخصص فى العلم :- وهو الناتج عن دراسة أكاديمية وعلمية وتخصُّصية بحتة، وتعد هذه إحدى سمات عصر المعرفة الحديث الذى أنتج كيانات شتَّى تنتهج آلاف المجالات والعلوم بشكل تخصُّصى بل وتخصُّص التخصُّص وتخصُّص تخصُّص التخصُّص؛ حتى وصل بنا الأمر لأن أصبح المريض يذهب لطبيب أخصَّائى درس علوم خاصة فى أحد الأقسام المختصَّة فى أكاديمية متخصِّصة لتدريس عَرَضٍ ما من بين عشرات الأعراض التى قد تصيب أحد الأعضاء !! هذا بعد أن كان الطبيب فى الماضى منفتحًا على معظم التخصصات ولديه خبرة عامة بعلاج أكثر من مرض بشكل سطحى وعشوائى بل ومنهم من كان يشخِّص ويقدِّم علاجًا طبيًا بشريًا وبيطريًا أيضًا وبرخصة موثَّقة من وزارة الصحة.

هؤلاء المتخصِّصين هم علمائنا وأدبائنا وأطبائنا ومهندسينا ومدرسينا وأئمتنا ودعاتنا، ولنعلم أن الكلَّ فى تخصُّصه عالم على اختلاف نوع العلم ( أكاديمى – فنِّى – أدبى – علمى … إلخ )، فالزموا هؤلاء واطلبوا عنهم النصح والتوجيه والارشاد؛ فبتصدُّرهم المشهد العام لأى أمة يجعل منها ركيزة أساسية لاستقرار المنطقة ويضعها فى مصاف الدول المتقدمة.

 

والتراث المصرى ملئ بالحكم والأمثال التى تلخص موضوعنا هذا وتحث على توقير المختص والممتهن لحرفته نختار لكم منها على سبيل المثال ” اعطى العيش لخبَّازه ”، بل وأيضا نجد أن السينما المصرية والمسرح على مدار تاريخهما الطويل استطاعا تجسيد الكثير من تلك الشخصيات مدَّعية المعرفة (دراميًا وفلكلوريًا).

وكذلك تراثنا الاسلامى الممتد عبر العصور غنى أيضًا بالاشارة لمثل تلك الخراقات المعرفية ونذكر لكم منها مقولة “الخليل بن أحمد” الشهيرة : ” الرجال أربعة، رجل يدري ويدري أنه يدري فذلك عالم فاتبعوه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذلك نائم فأيقظوه، ورجل لا يدري ويدري انه لا يدري فذلك مسترشد (طالب علم) فأرشدوه، ورجل لا يدري أنه لا يدري فذلك جاهل فارفضوه ”

وهناك قولًا ينسبه كُتَّاب السيرة ل”عمر بن عبد العزيز” –رضى الله عنه- حين قال : ” رحم الله امرئ عرف قدر نفسه ”

ورسولنا الكريم عليه من ربِّنا أفضل الصلاة وأتمُّ التسليم والموقف الشهير من سيرته العطرة حينما مرَّ بقوم يلقِّحون نخلهم فقال : ” لو لم تفعلوا لصلح ” فخرج شيصا، فمر بهم فقال “ما لنخلكم؟، قالوا : قلت كذا و كذا، قال ” أنتم أعلم بأمر دنياكم “

وفى حديثه الشريف عليه الصلاة والسلام يقول : ” إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيى فإنما أنا بشر ”.

وأيضًا قال رسولنا الكريم عن مثل هؤلاء : ” من أفتى بغير علم، لعنته ملائكة السماء والأرض ”.

وختامًا أنهى حديثى بقول الله تعالى : ” فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ”.

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 79645027
تصميم وتطوير