كن ممن يدخل باب الريان
كتب حازم سيد احمد
عن سَهْلٍ رضي الله تعالى عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: “إنَّ في الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ له الرَّيَّانُ، يدخل منه الصَّائمونَ يَوْمَ القيامة، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، يُقَالُ: أين الصَّائمونَ؟ فيقومون، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، فإذا دخلوا أُغْلِقَ؛ فلم يدخل منه أحدٌ”
رمضان.. هو ضيف كريم على مشارف ديار القلوب المؤمنة، يأتيها بعد طول غياب، فلايزال يُزكِّيها حتى تخرج بيضاء نقية، ولا يزال يَهديها إلى الحق ويدلُّها عليه حتى تتبين القلوب المؤمنة طريق النور من الظلام…ولن أتحدث هنا عن فضل شهر رمضان وتفضيله على سائر الشهور ولا عن فضل الصيام فيه فهو ركن من أركان الإسلام، ولا عن الأعمال الظاهرة وفضلها كالتراويح وقراءة القرآن وغيرها، فهذه وأمثالها معروفة لكل مسلم مهتم برمضان وأعماله ولكن أشير هنا إلى أعمال يغفل عنها كثيرون، محبون لرمضان واستغلاله والمنافسة فيه، أشير إليها إشارات، فأصلها معلوم فضله لكن قد تشغلنا الأعمال الظاهرة عنها، أو يطغى علينا جانب على آخر.
هذه الأعمال أجرها عظيم وثوابها لا يحد، وسعادتها في الدنيا قبل الآخرة، وثمراتها على النفس، وعلى الشفاء من الأمراض الحسية والمعنوية، وعلى جمع كلمة الأسرة وترابطها، وتعاونها، وعلى إشاعة الخير والمحبة، والأنس والطمأنينة، وفيها نصرة للإسلام والمسلمين، ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى،وأن هناك مفاهيم مقلوبة اعتقاد أن رمضان شهر للراحة والكسل، والخمول والنوم الطويل، شهر تتوقف فيه كل المهمات، وتتعطل فيه كل الأعمال، وتتأخر فيه كل الواجبات، وتؤجل فيه كل المشاريع، شهر يرتبط في الأذهان بالتعب وانعدام القدرة والتسويف ، هكذا صارت علاقتنا برمضان وفكرتنا عن رمضان،وكل هذه المفاهيم بعيدة كل البعد عن حضارتنا وإنجازات أسلافنا،و غريبة على قيمنا، متباينة عن مبادئ ديننا، فلو قلَّبنا صفحات تاريخنا، وفتشنا في زوايا حضارتنا لوجدنا أن أعظم الإنجازات وأفضل الانتصارات وأهم الفتوحات وأسمى البطولات تحققت في هذا الشهر الكريم، مما يدلنا على أنه ليس شهرًا للقعود، وإنما هو شهر الهمة العالية والروح الوثابة والقوة الضافية والنشاط الزائد والطموح الذي يتجاوز كل الحدود، فهو فرصة من فرص الحياة، وموسم من مواسم الخيرات، كما هو حال رجل الأعمال في تجارته، فهو يبني ثروته وينمِّيها باغتنام الفرص والمواسم وانتهازها واستثمارها، وفى رمضان تصوم فيه الأجسام عن الأكل والشرب، فما بال القلوب لا تصوم عن الغل والحقد والحسد، وما بال الألسن لا تصوم عن قول الزور والكذب والغش والسب والشتم والخوض في أعراض الناس، وفيما لاينفع الناس بل يضرهم…فماذا أغنت عنا ساعات القيل والقال!!؟ وقنوات ممتلئة بالغافلين عن سبيل الله،
وقلوب ملأناها حقداً وحسداً وبغضاً وكراهيةً وشقيت بالداء فلم تطلب الدواء ألا وإن دواءها الإيمان بالله والرضا بقضاء الله وقدره والحب والوئام والسلام وحب الخير للغير ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون )فى رمضان يتعانق صفاء الروح مع قوة الإيمان، فتكون المحصلة عزيمة بلا حدود، وإرادة تكسر كل الحواجز، وقوة تحقق المستحيل، وشجاعة تبدد كل الهواجس، وجسارة تتحدي كل العوائق، وإقدامًا يحصد النصر،فى رمضان تحلق النفس البشرية المتحلية بالإخلاص والتقوى في آفاق الإيمان والقرب من الرحمن، فتكون المحصلة ارتفاع الروح المعنوية التي تدفع النفس دفعًا إلى العمل بلا كلل، والقفز فوق العقبات بلا ملل،وحبنا لرمضان ليذكر فيه الله وحده ، فلا يعلو إلا اسمه جل جلاله، وقبيل الغروب يوم تهفو القلوب لعلام الغيوب تدعو، ترجو رحمته وتخشى عذابه، وفي قيامه وتراتيل آياته والوقوف عند عظاته، ويوم تصفو القلوب صفاءً يصقلها من دقيق الشوائب والآفات، وتقترب النفوس بعضها ببعض، وكأنها نفس واحدة، وفي هداءات السحر وقت تنزل البركات والخيرات واللسان يلهج بذكر الله والاستغفار، وفي اقتحام العقبة بإطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة.. نحبه بسكينته وروحانية تشع القلوب بنورها وبهائها، وتهبها حلاوة الإيمان والحياة الطيبة المطمئنة، والمؤمن التقى النقى فى رمضان كمثل جبل ذو قمة شامخة أحاطت بها سحاب ثقال من كل جانب، فأنزل الله الغيث المبارك وسقى به البلد الطيب، فاستحالت الأرض البلقع المقفرة إلى أرض اكتست بالخضرة وخضبت، وطلع النبات وأزهر وأثمر، وعادت روح الحياة، فغسلت الذنوب، وتطهرت القلوب، وزكت النفوس، ونزل برد اليقين على ذاك الجسد الطيب تهنأ به نفسه، وتعلو به روحه، وتقطع به عناء السفر وشقائه.
التعليقات