الأحد الموافق 15 - ديسمبر - 2024م

‎”البيان” تكشف الوجه الحقيقي لـ”البشعة” خبراء” هدفها التلاعب بالبسطاء” الدين والقانون يرفضون البشعة

‎”البيان” تكشف الوجه الحقيقي لـ”البشعة” خبراء” هدفها التلاعب بالبسطاء” الدين والقانون يرفضون البشعة

 

 تقرير – أحمد صلاح سلمان

من أسوأ ما يمكن أن يتعرض له شخص هو الحرق بالنار، فماذا لو إضطررت يوماً إلى أن تلعق قطعة حديدية شديدة السخونة كي تثبت برائتك من تهمة ما؟ بالرغم أننا نعيش فى تقدم العلم والطب والمعرفة القوية بالصواب والخطأ والتكنولوجيا، وفى عام 2019 ، وفى القرن الحادى والعشرين، إلا أن هناك أشخاصاً وعائلات وقبائل يلجأون إلى “البشعة” وهو ما يعتبرونها طريقة كشف الكذب عن بعض الأشخاص للفصل في القاضايا. البشعة هى “الملعقة”، الضخمة يتم وضعها على نار حتى الإحمرار، وتصبح لونها مثل الجمر ثم يقوم المتهم بـ”لحسها” بلسانه بعد قسمه على أنه برىء، ويأتى الحكم أوالتفسير أن الإنسان الصادق يكون واثقًا من نفسه بحيث لا يجف ريقه ويكون لسانه مبتلا، فلا تؤثر فيه حرارة المعدن، وأما الكاذب فيكون مضطربًا لدرجة أن ريقه يجف مما يجعل المعدن يلتصق بلسانه، وهنا يكون متهم. وترجع أهمية البشعة لاستخدامها فى بعض الوقائع والفصل بين الخصوم في قضايا الشرف والسرقة والقتل وإثبات النسب ومعرفة الجاني أوالمتورط في أي خلاف، حيث لا صوت يعلو فوق صوت “البشعة”، ويجتمع الخصوم في مجلس عربي عند شخص يقال له “المبشّع”، ويكون فى الغالب من رجال الدين وهوالذى يقوم بالبشعة. ومن خطوات المبشّع التى يقوم بها هى أن يُوضع “المحماس” في النار حتى يُصبح شديد الإحمرار، ثم يُخرج المبشع المحماس ثم يفرك به ذراعه ثلاث مرات لكي يؤكد أن النار لا تضر الأبرياء، و يمد المبشع المحماس إلى الشخص المتهم ويقول له “أبشع”، وهنا على المتهم أن يمد لسانه للحاضرين كي يريهم أن لسانه سليم وليميزوا حالة لسانه قبل البشعة وبعدها، وعلى المتهم أن يلحس المحماس ثلاث مرات وهو بيد المبشع ثم يتمضمض ببعض…

ويأتى رد الشرع بالفتوى الشرعية رقم “3391”، بأن البشعة ليس لها أصل فى الشرع الشريف، وإنما يجب أن نعمل بقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم”البيِّنةُ على مَنادَّعى واليمين على مَن أَنكر”، وقال تعالى” قُل لا أَملِكُ لنَفسِى نَفعًا ولا ضَرًّا إلاَّ ما شاءَ اللهُ ولو كُنتُ أَعلَمُ الغَيبَ لاستَكثَرتُ مِن الخَيرِ وما مَسَّنِى السُّوءُ”.
كما أعلن الدكتور شوقي علام مفتى الجمهورية بأن التعامل بالبشعة حرام ولا يجوز شرعاً، وأن القرآن الكريم قد حدد خطوات الحكم في قضايا الشرف بشكل واضح لا لبس فيه دون اللجوء إلى تعقيدات وطرق تعذيب بدائية يمكن التلاعب بها من بعض معدومي الضمير.
وقال الدكتور علي جمعة في احد لقائاته التليفزيونية ان “البشعة” قولا واحدا ليست شرعية ضاربا احد الامثلة ان اذا كان هناك سلسلة سرقت ويتهم فيها احد الاشخاص وجرجته المعلقة او السكين برغم براءته فان هنا الجريمة تعتبر جريمتين الاولى اصابته في لسانه وجرحه والثانية ظلمه امام المجتمع.
يقول الباحث فى التراث البدوى لقبائل مصر وفلسطين والشام عماد ابو غوينم، إنها محكمة عُرفية يتم فيها إثبات أو نفى تُهمة معينة مُوجهة من طرف إلى طرف آخر، وذلك عن طريق لعق المتهم قطعة حديدية تتوهج حرارة، وهناك بشعة قديمة كانت تتم بإبريق الماء، ولكنها اندثرت.
وقد اشتق مسمى البشعة من بشاعة الموقف، حيث يتعرض المتهم لموقف صعب ومخيف يمثل لحظات حاسمة فى تقرير مصير قضيته.

والبشعة بمثابة محكمة نهائية لا تقبل النقض أو الاستئناف، إذا أن من ثبتت براءته أو جُرمه ليس له أن يتمادى فى التقاضى مع خصمه، بل أن يعطى خصمه حقه أو يأخذ منه حقه إذا كان بريئا لقاء التشهير والاتهام بالباطل.

وقد أصبح يؤمها عدد من سكان الحضر فى وادى النيل وغيره من بلاد مصر فى القضايا المعقدة.
ويشير الباحث إلى الأسباب التى تدفع بالمتخاصمين إلى التبشيع ونوعية القضايا التى فيها فقط يتم اللجوء للبشعة بقوله: تكون البشعة فى حالة القضايا المنكرة، والتى لا يتوفر فيها شهود أو بينة جلية، كقضايا القتل والسرقات، فعند مثول الطرفين أمام القاضى، وإنكار أحد الأطراف التهمة الموجهة إليه من قِبل خصمه، يطلب المُدعى أو المدعى عليه (إن كان واثقاً من براءته) أو القاضى إحالة القضية إلى المبشع، لعدم تمكن أى طرف من إثبات أو نفى التهمة الكائنة.

وفى حالة رفض أى من الطرفين الذهاب أو القبول بالبشعة كحل بين الطرفين، يتم مثولهما أمام قُضاة الكبار (أو الضريبية عند بعض القبائل)، من أجل تحديد رفع القضية للبشعة من عدمه.

ويشير “أبو غوينم” إلى أن البشعة محصورة فى قبائل معينة منذ زمن بعيد وتنتقل فى نفس العائلة بالوراثة، وهؤلاء المبشعون معترف بهم بين القبائل، ولا يمكن لأحد آخر أن يصبح مبشعاً.

ويتميز المبشع بالصلاح والتقوى والصبغة الروحية الدينية البادية عليه بجلاء، والصدق بحيث لم يُعهد عنه الكذب إطلاقاً، ومعرفته غير العادية ببواطن الأمور.

وهناك ثلاثة بشع رئيسية عند قبائل بلاد بئر السبع بفلسطين وفى سيناء والشرقية بمصر وجنوب الأردن وشمال الحجاز بشبة الجزيرة العربية، وهى:
1- بشعة العيادى: وهى محصورة فى عائلة أبو عويمر من المحاسنة من السلاطنة من قبيلة العيايدة فى سيناء، ومقرها اليوم فى الإسماعيلية.
2- بشعة الدِّبِرْ: وهى محصورة فى الدّبُور من العمران من قبيلة الحويطات فى جنوبى الأردن (العقبة)، وقد انتهت هذه البشعة فعلياً عام 1976م، بموت أخر مبشع وهو على بن مساعد الدبر، وإلغاء قوانين الإشراف على البدو.
3- بشعة العلى (بلى): وهى محصورة فى عائلة العلى من القواعين من مخلد من قبيلة بلى الحجاز (وليس بلى سيناء)، ومقرها شمال غرب الحجاز، وقد انتهت كما بشعة الدبر ولم تبقى إلا بشعة العيادى.

ويتم تحديد المبشع الذى سيذهب إليه الطرفان، عن طريق (العَدّف) حيث يستثنى كل طرف مبشع، والمتبقى هو من يذهبان إليه، أما اليوم فلم يبق إلا العيادى.

وحول ترتيبات ما قبل البشعة يقول: عند ذهاب الطرفين إلى المبشع المحدد فى الوقت المضروب بينهما، يحضر كل منهما اثنين سامعة (شهود) من أجل الاطلاع على مجريات ونتائج البشعة، وإخبار القاضى الذى رفعهما إلى المبشع بالنتيجة دونما تواطؤ أو كذب، وقد يكون الشهود هم الكفلاء.

وفى حالة عدم حضور المُدعى أمام المبشع فى الوقت المُعين عُدَّ مَفْلوجاً (خاسراً)، وإذا لم يحضر المُدعَى عليه عُدَّت التهمة المنسوبة إليه صحيحة.

أما الأسباب التى يمكنها أن تحول دون حضور أحد الطرفين أمام المبشع فهى نفسها التى تحول دون المثول أمام القضاة العُرفيين.

وإذا ما توفر لأحد الأطراف شهود أو بينات قوية قبل موعد البشعة يحق له المطالبة بإلغاء موعد البشعة ومداولة القضية من جديد لدى القاضى.

 

ويرى “يونس أبو صفرة “، رئيس نادى أدب البادية بشمال سيناء، أن البشعة كانت حلا من الحلول عندما يعصى على القاضى الحل ويتنكر المتهم بارتكابه لجريمته، ويرى من وجهة نظره أن هذا جهل مدقع.
ومع تعلم أبناء سيناء أدرك الجميع أن هذا شىء غير صحيح وأن البشعة ما هى إلا حديدة صماء، لافتا إلى أنها خلال العشر سنوات الأخيرة شبه انقرضت وأصبح لا يلتفت إليها أحد.

وقال (س. م) إنه قبل 3 سنوات لجأ للاحتكام إليها فى قضية بينه وبين خصوم له، وقام بلعق هذه (الحديدة) بالفعل 3 مرات أمام المبشع وتركت أثرا محدودا على لسانه وهو ما اعتبر دليل براءته.

شروط منفذ البشعة
بطل هذه العملية هو المبشع أو الذي يقوم بهذه العملية كتنفيذ لحكم القضاة العرفيين، ولهذا هو ليس شخصاً عادياً فهذه ليست مهنة يمكن لأي أحد أن يمتهنها، وإنما هي مسئولية لقبيلة واحدة في مصر في الوقت الحالى وهي قبيلة العيايدة ويتقاضى المبشع مبلغ مالي يتراوح بين 1500 إلي بضعة آلاف من الجنيهات على حسب تعقيد الجريمة ويمكن أن يصل إلى عشرات الآلاف في قضايا الشرف.
ومن المتعارف عليه أن أغلب المدانين يعترفون عندما يرون ألسنة اللهب خوفاً من الضرر الدائم على ألسنتهم ودرءاً للفضيحة.
البشعة في مواجهة القانون
على الرغم من أن المحاكم المصرية تعتد بأحكام المحكميين العرفيين في الجلسات العرفية وتعتبر ملزمة في بعض القضايا، إلا أنه قد يتم معاقبة من يثبت إستخدامه للبشعة إذل لم يكن لهم علاقة بالعرف البدوي والقبائل البدوية وإعتبارها من جرائم النصب والعقوبة فيها تصل إلى 3 أعوام، وخاصة إذا ما ألحقت ضرر أو عاهة مستديمة بأحد المتخاصمين.

لماذا اللجوء إليها؟
يذهب البعض لهذه الطريقة لإنهاء المشاكل العائلية أو القبلية بأكبر قدر من السرية والسرعة، فالمحاكم المصرية عادة ما تستغرق سنوات فى الحكم في القضايا المختلفة، وفي العائلات الكبيرة التي يسهل اللجوء فيها للثأر تصبح السرعة في تحديد المتهم عاملاً هاماً فى تجنب الدماء خاصة في قضايا القتل والشرف.
و تجد إن دوافع من يلجأ لهذه الطريقة تختلف، فمنهم من يطلبها سعياً إلى السرعة التي تقضي المحاكم العرفية بها، والبعض الأخر يطلبها سعياً للسرية وتجنباً للفضائح، أو لأن بعض التهم لا ينبغي للحكومة أن تكون طرفاً فيها، ولكن يظل الدافع الأقوى والأهم هو بطء إجراءات التقاضي في مصر .

 

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 78520409
تصميم وتطوير