محمد الدويك
عندما اصيب العبقري ورجل الاعمال والمخترع ستيف جوبز بسرطان البنكرياس، رفض العلاج، ورفض التدخل الجراحي، وقرر أنه سيواجه السرطان بحمية غذائية وبالطب الشعبي، والوصفات البدائية في الهند.. كان الرجل يخشى على سمعته، كيف لمن غير شكل علم الحاسوب وابتكر الاي فون والابل والماك بوك، ان يتعثر امام شيء.. وفي النهاية استسلم للعلاج ولكن بعد فوات الفرصة.
تناقض البشر غريب، ولا علاقة بين ما نحققه من ابداع وعبقرية وبين قرارتنا الشخصية وحياتنا الخاصة. فارق بين الحكمة والذكاء.
كان ستيف يطور الحاسوب الشخصي الذي يحمله فوق قدميه، فسماه lap top ترجمة حرفية لكلمة فوق الحِجر، أو “اللي عالحِجر” تخيل لو ان مخترعا عربيا سمى منتجه بهذا الاسم البسيط المباشر.
ماركة المشروبات الشهيرة cilantro معناها “الكزبرة” ! مش محتاج اقول لو اليافطة مكتوبة بالعربي، هل ستجذب ابناء ايجيبت لتناول الموكا فرابيه هناك ام لا.
بسطها يا صاحبي عشان دي كلها شكليات واللي جوانا اهم، ومدينة نصر كانت مبنية اسكان اجتماعي موحد يسهل مراقبة الناس والسيطرة عليهم من خلاله على النموذج السوفياتي في عهد عبد الناصر، والتجمع كانت بدايته اسكان بديل لعشوائيات الطريق الدائري ايام مبارك.. فمحدش يعوجها علينا.
كنت اقف امام السيارة وعبرت امرأة تسألني شيئا، لم اجد معي سوى كوكيز بالشوفان والعسل والزبدة الطبيعي.. قولتلها مش هديكي فلوس خدي كلي الكوكيهاية دي.
دخلت شربت قهوتي ومكثت ساعتين وخرجت فوجت المرأة تجلس على الرصيف وتبتسم وتقول: مش انت اللي اديتني القُرصة برضو.! قولتلها ايوه.. قالت لي طب هات واحدة كمان.. ضحكت واعطيتها الاخرى.. مشت وهي سعيدة كأنها تحمل كحك العيد يالبسكويت يا احنا، يا شربتات فالكوبايات يا احنا.
كلمة قُرصة احلى من كوكيز.. وواقعية عنها، ودافية، وطعمة، وتلمس القلب اكتر، احببت حياتي اكثر بعد ان سمعت امرأة عادية تتحدث بمفرداتها، او عندما شاركتني روحها.
محدش بطل.. كلنا عاديون.. فريد شوقي العملاق، الاسطورة، الملاكم القديم، واخوه ضابط شهير، كان يخاف من الضلمة، ومن الصرصار، ومن الناس.. ومحمود المليجي الاجمل على الاطلاق، كان يرق قلبه ويبكي لو رأى طفلا يعاني، وكان يجمع كلاب الشارع ويطعمها. كلنا بداخلنا شروخ وفراغات لا يملأها الا الايمان بالانسانية والخير. والانسان الخشن او المتعالي او المدعي الاهمية والقوة هو الخاسر.
يقول السيد المسيح (ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه) .. وفي القرآن (ان الخاسرين الذين خسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة)
على مدار خمسين سنة يحذرنا علماء الاقتصاد والزراعة وخبراء السكان والسياسيين من الانفجار السكاني الذي سيغطي على موارد الارض وستدخل البشرية في مجاعة وتصارع على الغذاء وسيموت الناس من الجوع.
لاول مرة هذا العام تدخل بعض مناطق العالم في تراجع سكاني.. ويرى العالم في الخمسين عاما القادمة تخوفا جديدا، وهو ان النمو السكاني لو استمر في وضعه الحالي او تراجع عنه، كما هو متوقع، فالعالم سيعاني من تناقص السكان وليس زيادتهم. لم يعد انجاب الاطفال هو الهم الاول للناس، والعالم يحتاج الى خصوبة او معدل مواليد ٢,١ حتى يحافظ على نموه، بلد مثل كوريا الجنوبية تنجب فيها كل امرأة قرابة نصف مولود و الدراسات العلمية تخطئ، وكذلك التنبؤ بالمستقبل، و السلوك الانساني يفاجئ الجميع.
كان مالتوس الخبير السكاني الانجليزي يقول ان السكان تزيد بمتوالية هندسية بينما الغذاء يزيد بمتوالية حسابية وبالتالي ستحدث الازمة ويعاني البشر من المجاعة ويموت الناس من نقص الغذاء.. ولكن حبة القمح انقذت البشر، رجل امريكي اسمه جوتنبرج من اصول مكسيكية قام بتهجين القمح واستنباط نوع من البذور يقاوم الظروف المناخية والحشرات ويعطي انتاج مضاعف لثلاثة اضعاف واكثر. فلم يمت الناس من عجز الغذاء. هنا في مصر استطاع المزارع المصري ان يضاعف الانتاجية من ٨ الى ١٨ اردب للفدان في عهد يوسف والي وزير الزراعة الجدلي الذي تولي اكبر فترة وزارية منذ عام ١٩٨٢ وحتى عام ٢٠٠٤ وقت قضية المبيدات المسرطنة على يد نائبه يوسف عبد الرحمن.. الغريب ان والي لم يتزوج ولم ينجب، وكان من اسرة عريقة في الفيوم، ويقال ان نائبه يوسف عبد الرحمن، كان ابنا لصديق له سماه على اسمه، وكان والي لديه ضعف تجاه هذا الشاب، الذي كان سببا في اقالته.
لكن تظل الحبة القديمة التي لم تخضع للتهجين او التحسين الوراثي لديها ميزة اضافية حيث نسبة الاستخلاص منها تقترب من ٨٧٪ بينما نسبة الاستخلاص من الحبة الجديدة القوية المهجنة التي تقاوم الامراض لا تتجاوز ٦٨٪.
حبة القمح معجزة في ذاتها، فهي الوحيدة التي حباها الله بأربعة أنواع من البروتين، اثنان يذوبان في الماء، واثنان يتحدان في الماء ويصنعان الجلوتين، أو العِرق.. وهو المادة المرنة التي تجعل العجين يمط في يدي الخباز. وكل حبة لها خصائص ونسبة مرونة وعرق مختلف عن الاخرى ونسبة بروتين مختلفة. وهناك من يعيش ويموت يدرس حبة قمح.. واعمالنا الصالحة شبهها الله بسنابل القمح، حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء. وعندما بشرتني امي بمولودي الثاني قالت رأيتك تحمل القمح، ورزقت بهارون الذي هو اشهى من كل قرص الدنيا الساخنة.
في القرن ال١٨ كان الجدري يقضي على اكثر من ١٠٪ من سكان اوروبا عموما وانجلترا خاصة، وكان الطبيب الانجليزي ادوارد جينر يستقبل بائعة اللبن الجميلة سارة نيلمس كل صباح ليأخذ حصته، فلاحظ أنها مصابة بالجدري، ثم تعافت منه بسهولة ودون تعرض حياتها للخطر.. فسألها عن السر، قالت له لانها تعيش وسط البقر الذي يصاب بنوع من الجدري وقد أخذت مناعة منه. فالكلمة نورت في دماغ جينير، لانه يثق في سارة، وراجع وراءها المعلومة، وبدأ سلسلة أبحاث كانت نهايتها اكتشاف لقاح لمرض الجدري الذي قتل ملايين البشر، وكان اللقاح قائم على اجزاء ضعيفة او ميتة من بثور الجدري الذي ينمو على جلد الابقار وحقنه في الاطفال الذين يتولد لديهم مناعة ضد الجدري حين الاصابة به.. وفي عام ١٩٨٠ أعلنت منظمة الصحة العالمية خلو العالم من الجدري لأول مرة.
فلا تحقرن من البشر أحد.. سارة التي حلبت اللبن في مراعي انجلترا فكرت بشكل علمي عندما تعاملت مع الجدري، بينما العبقري ستيف جوبر ارتبكت رؤيته عندما اصيب بالمرض.
التعليقات