التأصيل الإسلامى لدور المرأه في الإسلام المعاصر
جرت آيات القرآن الكريم على التسوية بين الرجل والمرأة فى خصوص العمل، والجزاء المترتب عليه بقوله تعالى : للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ) وهو شامل لعمل الدنيا والعمل للآخرة.
ويقول تعالى: (فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ).
وكذلك الآية الكريمة التى تدل على التسوية فى ثواب العمل وأجره فى الدنيا والآخرة: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).. فالأجر فى الدنيا والآخرة متساو للرجال والنساء على عملهم من أجل الدين أو الدنيا.
من الأحاديث النبوية التى تدل على أصل المساواة قول الرسول )صلى اله عليه و آله و سلم) (النساء شقائق الرجال ).
إن التأصيل الإسلامى لعمل المرأة وما ورد فيه من آيات فى القرآن الكريم أو السنة النبوية يظهر لنا حقيقتين:
الأولى :-
أنه ليس هناك عمل يحرم بذاته على النساء لمجرد التفرقة بحسب الجنس أو القدرات الخلقية للمرأة، فالله تعالى خلقها قادرة على العمل كالرجل ولكن ما يحيط بالعمل ذاته من ظروف مثل زيادة المشقة فيه أو التعرض للخطر من ممارسته أو تعريض كرامة المرأة وحقها فى الصيانة والعفة إلى الانتقاص يجعل الأصلح للمرأة وللأسرة وللمجتمع أن تعرض المرأة عن هذا العمل.. وقد كانت صورة ذلك فى عدم فرض الجهاد على النساء لما فيه من الخطر والمشقة وعدم تحقيق المصلحة العامة من وراء إلزامهن به- ومع ذلك فإن المرأة المسلمة فى عهد الرسول e جاهدت وقاتلت.
الثانية:
إن عمل المرأة الأساسى والذى يستجيب للفطرة الإنسانية وللمؤهلات والقدرات والخصائص المميزة للمرأة هو رعاية البيت وتربية الأبناء- وهو نوع من التقسيم الصالح والمحقق لمصالح المرأة والأسرة والمجتمع- وليس مبنياً على مجرد التفرقة بحسب الجنس وحده إذ الرجل يستطيع أن يشارك فى رعاية البيت والمرأة تستطيع المشاركة خارج البيت ولكن العبرة فى الحياة الاجتماعية وأصولها بما يحقق مصلحة الفرد والأسرة والمجتمع.
ثالثاً: المشاركة الإجتماعية
يميز حقوق المرأة المسلمة- بعد أن تميزت كرامتها وقيمتها الإنسانية فى القرآن والسنة- أنها حقوق تعود عليها وعلى الأسرة وعلى المجتمع كله بالنفع والخير.. وأنها حقوق تنهض بالمرأة لتحقيق ذاتها و آمالها ورسالتها فى الحياة.. وليست حقوقاً يقصد بها أن تنفلت المرأة من متطلبات الحياة الأسرية والاجتماعية.. وأن تصبح مجرد إنسان أنانى تفكر فى نفسها خارج نطاق الأسرة وتطالب بما تعتقد أنه يحقق لها حريتها الكاملة فى نفسها أولاً وأخيراً.. وهو مبدأ مرفوض فى الإسلام لا بالنسبة للمرأة.. ولكن بالنسبة للرجل أيضاً، لقد قيده الإسلام فى نطاق الأسرة حين يريد أن يعدد زوجاته وحين يطلق زوجته بالعدل وإلزامه بما يترتب على مفارقة الزوجة بالطلاق حتى لا تضيع المرأة ويضيع الأبناء.. ألزم الإسلام الرجال والنساء معاً بالعيش داخل الأسرة فى نظام تشريعى
يكفل لكل منهما حقوقاً تعود على الأسرة جميعا بالخير.. وألزم الرجال والنساء بالعيش فى مجتمع الطهر والعفة يقول تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها).
الهدف الذى ينبغى تحقيقه أن يتسلح المجتمع بالخلق القويم والقيم السليمة ويتميز بالعفة وأن يقطع أسباب الانحراف.. وهذا ما أوجبه الإسلام على الرجال والنساء معاً.. والقرآن الكريم يذكر المؤمنين بقواعد عديدة تحفظ للمجتمع عفته وطهره فى علاقة الرجل بالمرأة فى المجتمع.. فالمرأة ليست معزولة عن الرجل عزلاً كاملاً لأن لها حق التعليم ولها حق العمل مما يفرض عليها أحياناً أن يكون لها اتصال بالرجل، وقد بدأ هذا الاتصال واضحاً وظاهراً فى عصر النبى )صلى اله عليه و آله و سلم) فلم يكن مجتمع المسلمين منقسماً إلى مجتمع للرجال وآخر للنساء، ولا كان هناك عزل بينهما فى شئون الحياة وأمور المجتمع، وكان لقاء الرجال والنساء يتم بحسب ما تفرضه المشاركة فى الحياة وبحسب المصالح الدينية والدنيوية لها، وفى بداية الإسلام بل فى الفترة التى عانت فيها الدعوة إلى الله هاجرت النساء إلى بلد بعيد- عبر البحر- إلى الحبشة مع الرجال فراراً بدين الله وبايعت النساء النبى )صلى اله عليه و آله و سلم) على الإيمان والسمع والطاعة ومكارم الأخلاق وأورد القرآن الكريم: (يا أيها النبى إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك فى معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم) فالمجتمع كان واحداً لا عزلة فيه ولا تقسيم فى حياة الناس اليومية سواء فى أمور الدين أو مصالح الدنيا.
ولكن الذى يميز هذا الاتصال وهذا التعاون ويزين مشاركة المرأة للرجل فى كافة أمور الحياة- فى الدين والدنيا وداخل البيت وخارجه هو الخلق القويم واحترام كل منهما للآخر وإحسان الظن به.
لقد بايعت المرأة الإمام الأعظم للمسلمين وهو عمل يعد من أعمال المشاركة السياسية ولقد التقى الرجال والنساء فى أماكن العلم والعمل ومواطن الجهاد وأسواق التجارة ولم يكن هدف المسلم الحق أن يخلو بامرأة أو يلمسها بشهوة أو يتحرش بها بالقول أو الفعل، وهو للأسف ما يجرى فى كل المجتمعات الآن ويلقى على فكرة مشاركة المرأة ظلالاً كثيفة من الشك والرفض ويفتح الباب للتضييق عليها أشد الضيق سداً لذرائع الفساد ومنعاً للفتنة وكان اللقاء الذى جعله الإسلام محققاً للمصلحة ولمقاصد الشرع هو لقاء الرجال بالنساء جمعاً على أدب الإسلام وليس لقاء الرجل بالمرأة فى خلوة يكون ثالثهما الشيطان.. والحقيقة أنه لو التزم الرجال والنساء أدب الإسلام لما تعقدت أمامهم مشكلات ما يسمونه بالاختلاط الذى يسود الحياة الاجتماعية اليوم.