Site icon جريدة البيان

نعم لقانون إزدراء الأديان ولكن بشروط ..

بقلم :- جرجس بشرى

 

المصريون متدينون بالفطرة منذ قدم التاريخ ، ويمثل الدين بالنسبة لهم مكونا رئيسيا من مكونات شخصيتهم ، ويعتبر المساس بالدين أو الرموز الدينية الكبرى كالرسل والانبياء من الخطوط الحمراء الممنوع الاقتراب منها ، هكذا عاشوا وهكذا تربوا ، لدرجة أن الاقتراب من الرموز الدينية نفسها بالتطاول أو السخرية أو الاستهزاء تعتبر من الامور المنبوذة وغير المحببة في تكوين الشخصية المصرية ومخزونها القيمي والاخلاقي والجمعي سواء كانت هذه الرموز إسلامية أو مسيحية بل ووصل الامر الى ضرورة احترام الكبير وتوقيره واعتباره قدوة يمكن ان يقتدى بها .

 

 وهذا المخزون القيمي والاخلاقي والديني يستند الى جذور دينية وإلى تراث حضاري ضارب في عمق التاريخ المصري ايضا ً ، على عكس ما نراه اليوم من قلة ممهووسة بالتدين الشكلي المصطنع وهي ابعد ما يكون إلى الدين نفسه بافعالها ، ومن خلال تنصيب نفسها وكأنها فقط هي الوصية على الدين !! لذلك فالسخرية والازدراء والتحقير للاديان والرسل والانبياء والكتب السماوية والرموز الدينية امور لا تتفق مع الإنسانية وتتنافى تماما مع مبادئ الاخلاق والشرائع السماوية ، وتعاليم الرسل والانبياء ، فهناك حديث للرسول عليه السلام يقول فيه” ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ” فإذا كانت الرحمة والتوقير جائزا للعامة من البسطاء فما بالك باصحاب الرسالات والأنبياء والرموز الدينية ؟؟!!!! .

 

 كما علمنا السيد المسيح له المجد قائلا ” من قال لاخيه رقا ً يكون مستوجب المجمع ومن قال يا احمق يكون مستحقا لنار جهنم ” ، ويقول ايضا القديس بطرس ” فاخضعوا لكل ترتيب بشري من اجل الرب إن كان للملك فمن هو فوق الكل أو للولاة فكمرسلين منه للانتقام من فاعلي الشر ” وهذا الاحترام والخضوع الذي تنادي به المسيحية ليس خضوع إذلال او خنوع بل توقير للسلطة ولكل ترتيب بشري قائم على خدمة الناس ، كما ان الكنيسة كانت تحرم وتقطع من يزدرون التعاليم المسيحية من شركة المؤمنين عندما يرتكبون هرطقة في الدين تمس اصول الثوابت العقيدية والإيمانية بعد مناقشتهم واثبات ضلالهم ، وبالتالي المساس بالاديان او الرموز الدينية سواء في الاسلام او المسيحية يعتبر خطا احمر في المخزون الجمعي للعقلية المصرية والعربية والإسلامية بشكل عام ، والمساس بهذه الثوابت الدينية والعقيدية من القضايا التي في الغالب بالنظام العام والامن القومي والاستقرار المجتمعي .

 

 وهذا يقودنا للموضوع الاخطر الذي يشغل حيزا كبيرا على الساحة الإعلامية ولدى قطاع عريض من المجتمع المصري الآن وهو قانون ” إزدراء الأديان ” وبمعنى أدق واوضح المادة 98 فقرة “و ” ، والتي يرى البعض انها سيفا مسلطا ً على رقاب المفكرين والمبدعين ويدا غليظة تبطش بحرية الرأي والتعبير ، وأداة انتقامية لملاحقة كثير من الاقباط وعدد من المسلمين والزج بهم في السجون ، واحقاقا للحق قان هذه المادة تحديدا وضعت في عهد الرئيس الراحل محمد انور السادات بعد احداث الزاوية الحمراء لمنع استهداف الاقباط على هويتهم الدينية وحماية لهم من بطش الإسلاميين المتاجرون بالاسلام ، إلا أنها في الآونة الاخيرة تم ملاحقة عدد كبير من الكتاب والمفكرين مثل الباحث “إسلام بحيري” واخرهم قضية الحكم بسجن ثلاثة اطفال بالمنيا خمس سنوات بتهمة إزدراء الاسلام عقب نشر مقطع فيديو لهؤلاء الاطفال وهم يقلدون تنظيم داعش الإرهابي في الذبح والنحر .

 

 كما تم ملاحقة عدد من الاقباط الذين عملوا “لايك ” او “مشاركة ” من على الفيس بوك لاحدى الحلقات الحوارية التليفزيونية التي تناقش امور اسلامية ورأى البعض انها هذه المشاركة او “اللايك” إزدراء بالاسلام ، والحق اقول أن أي إساءة أو إزداء أو سخرية أو تهكم على أي دين أو رمز ديني أو معتقد أو مذهب أمر مرفوض على المستوى الأخلاقي والإنساني وأن حرية الرأي او التعبير أو الابداع لا يجب أبدا وتحت أي ظرف أن تكون مبررا ً للتطاول على حرمة الأديان والمقدسات والشعائر والرموز الدينية كما ان نشر الافكار الاباحية والعبارات الجنسية لا يمكن ان تندرج تحت بند الابداع ، وايضا تناول الانبياء والمقدسات والاديان والرموز الدينية بالاساءة او التطاول او السخرية او التحقير او التهديد او التشويه في حوارات سياسية واجتماعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية امر مرفوض ولا يليق ويجب ان يلاحق مرتكبوها أيا كانت مناصبهم بقوة القانون ولكن السؤال الاهم هنا : كيف يطبق قانون إزدراء الأديان ومتى ولماذا ؟!!! وأنا شخصيا مع تطبيق قانون إزدراء الأديان وبلا هوادة وذلك مع من يثبت تورطهم بالصوت والصورة او عبر كافة وسائل النشر والتواصل الاجتماعي في في ارتكاب جريمة ازدراء الاديان وتناولها ب السخرية والتهكم على رموزها الدينية والتطاول عليها .

 

 وذلك حفاظا على النظام العام ، ولكن تطبيق قانون إزدراء الاديان لا يجب أن يكون سيفا ً مسلطا وأداة باطشة لمن يجتهدون في الدين ولمن يسعون لتجديد الخطاب الديني” الاسلامي والمسيحي ” وتنقية التراث وبعض النصوص الوضعية لبعض رجال الدين التي يقدسها البعض وينظر اليها وكانها من صحيح وجوهر العقيدة وهي ليست كذلك وذلك دون تطاول او اساءة او تهكم اوسخرية مع الاخذ في الاعتبار ان ” من يجتهد ويصيب له أجران ومن يجتهد ويخطئ له اجر” .

 

 كما لوحظ أن قانون ازدراء الاديان لم يطبق بشكل عادل في مصر فكثيرا ما كان ضحاياه من اقباط مصر وذلك من خلال تحريك هذه القضايا عبر محامين متخصصين في قضايا الحسبة وبعض المتطرفين ، مع الاخذ في الاعتبار أن كثير من قضايا ازدراء الاديان التي يلاحق بها اقباط ملفقة وبرغم ذلك تم الزج بهم خلف القضبان ، وهو الامر الذي يسيئ للعدالة بل ويسيئ لصورة الاسلام السمح حول العالم ويهدد وحدة مصر ونسيجها الواحد المتماسك الذي ساند الدولة المصرية وكان صمام الامن والامان لها من الانهيار والسقوط في مستنقع الطائفية والتقسيم والتفتيت ، فكثير من داعة الفتنة يقومون بتلفيق هذه التهمة للاقباط لاشاعة الفوضى في البلاد ، وتأليب الرأي العام ضد الاقباط والكنيسة .

 

 كما رصدنا ايضا ازدواجية واضحة في تطبيق مادة قانون ازدراء الاسلام عندما لم يتم ملاحقة الشيخ أبو اسلام عندما ازدرى بالمسيحية وهدد بالتبول على الانجيل ، كما لوحط ان مادة ازدراء الأديان يلاحق بها بعض المختلفين عن الاغلبية المسلمة ذات المذهب السني حيث تم ملاحقة عدد من المسلمين من اصحاب المذهب الشيعي في محاولة لاشاعة فتنة مذهبية وطائفية في مصر ، وهي محاولة تستهدف ضرب الوحدة الاسلامية ، وهنا يجب ان نؤكد على أن الوحدة بين المذاهب الاسلامية في مصر ستفوت على الغرب والحركة الصهيو امريكية مخطط اسقاط الامة العربية والاسلامية في بؤرة الصراع المذهبي الذي يتم طبخه الآن لاسقاط العالم العربي والاسلامي فيه .

 

 وهنا يجب ان نشيد بكلمة فضيلة الشيخ احمد الطيب التي القاها مؤخرا في العاصمة الاندونيسية جاكرتا وكانت بمثابة رسالة قوية للعالم لنبذ الصراع السني الشيعي عندما قال في خطبته بالمسجد الازهر هناك ” السنة والشيعة هما جناحي الامة الاسلامية ويجب ان يتعايش الجميع في سلام” كما صلى شيخ الازهر في اندونيسيا بجوار المرجعية البنانية الشيعية ، وبالتالي يجب ان لا يستخدم قانون ازدراء الاديان لاستهداف مسلمين ايضا ولكن لا ينتمون للاغلبية السنية والعكس وبالتالي يجب وعلى الفور التفكير بشكل جدي في تعديل قانون ازدراء الاديان حرصا على وحدة الدولة المصرية واستقرارها وحفاظا على صورة الاسلام المعتدل حول العالم بحيث يراعي التعديل عدم التلفيق والبعد عن الازدواجية في تطبيق القانون مع مراعاة قطع الطريق على المتاجرين والمتربحين بقضايا ازدراء الاديان من مقاولي الفتنة الطائفية والمذهبية والراغبين في الشو الاعلامي على حساب امن واستقرار الوطن .

 

 كما يجب ان يراعي القانون السماح باستتابة من اخطأ لان “خير الخطائين التوابين” والاكتفاء فقط بعقوبة الغرامة المالية الكبرى لمن يثبت بالأدلة القاطعة الدامغة تورطه في هذه الجريمة دون سجنه ، والاهم من ذلك كله وضع تعريف محدد لازدراء الأديان يتفق عليه الجميع على أن يشمل الازدراء مثلا السخرية والتهكم والاستهزاء والتطاول على الاديان السماوية “جميعا ” أوالمذاهب التي تتبعها وتناول الذات الالهية والكتب السماوية بالتحقير والذم والاساءة عبر طرق النشر والبث المتاحة ، وتحقير وسب وقذف مقام الانبياء والرسل ففي كل الاديان السماوية وكذلك عدم التعرض بالسب والتطاول والاهانة للرموز الدينية التي تتربع على قمة المؤسسات الدينية المسيحية والاسلامية مع الاحتفاظ بحق النقد البناء لها متى اخطأت ، وايضا يجب ان يراعي في التعديل عدم المساس بالشئون الداخلية للدولة المصرية من قبل اي دولة في حال وقوع اساءة لاي دين او رمز ديني بحيث تحتفظ الدولة المصرية وحدها بحقها في عدم السماح لاي دولة ايا كانت ان تتدخل في اي جريمة ازدراء اديان او تلاحق مرتكبيها على اراضيها بحجة انها وصية وحدها على الدين مع الاخذ حق هذه الدول في التنديد واستنكار جريمة الازدراء من الاديان ، ومن الامور الهامة التي يجب مراعاتها في التعديل ان توافر القصد الجنائي والنية المبيته لارتكاب جريمة الازدراء .

 

 ومراعاة العدل في تطبيق القانون على الجاني سواء كان مسلما او مسيحيا ، فقيرا او غنيا ، وزيرا او غفيرا ، رئيسا او مرؤوسا … وانني اتوجه للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شخصيا بان يكلف مجلس الوزراء بسرعة اعداد مشروع قانون لتعديل قانون ازدراء الاديان في مصر لعرضه على البرلمان الذي اثق ان فيه وطنيين حريصين على وحدة واستقرار هذا البلد كما انني ادعو الجميع للتضامن معي في حملتي التي اطلقتها عام 2010 لسن تشريع اممي يجرم معاداة الاديان والرموز الدينية حفاظا على السلم والامن الدوليين

Exit mobile version