بقلم : د . محمد ابو العلا
لم تصبني الدهشة عندما وجدت التعصب التام لشخص الرئيس التركي، ولم أستغرب أن من يحتفون ويهتمون به من داخل الأوساط الموصوفة بالعلم والثقافة، والتي يفترض أن تتقدم بها الأمة، يفترض بهم أن يعلموا الطلاب نبذ التعصب، وكيفية الاعتدال والوسطية والموضوعية الفكرية، ذلك لأنه لم يعد هناك وسطٌ سوى الوسط بين الكفر والإيمان؛ أي النفاق!، النفاق هو حالة الوسط الوحيدة التي تعرفها الأمة العربية، ويسمى بالحياد أحياناً، والموضوع أكبر من قصة انقلاب على الرئيس التركي، ثم انتصار الرئيس بشرعيته وقوته على خصومه، إنه طوفان غثاء السيل الذين يتربصون بكم الدوائر، ويتحينون الفرص للانقضاض علينا بمصطلحاتهم البالية السخيفة، يتحينون الفرص لإخراج مافي أنفسهم من غلٍ وحقدٍ دفين، ليهللوا – لا بقول لا إله إلا الله- بالشرعية، والانقلاب، يجدون في تجربة الرئيس التركي شفاءً لما في صدورهم من غل، وكأنه العجل المقدس!، يجدون فيه خير العزاء لخيبة أملهم ومطامعهم(المشروعة) في الحكم، لكن أن يصل الأمر إلى تشبيه أحدهم الرئيس التركي بالنبي مردداً الآية “وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ”: الأنفال(30)، فهو استشهادٌ في غير محله، وأما الأخر فيصف اجتماعهم عليه باجتماع كفار قريش في دار الندوة، كنايةً عن اجتماع الكفار لإخراج النبي !! ساء ماتحكمون، ألهذا الحد وصل بنا الأمر لجعل رئيس تركيا نبياً لمجرد أنه آوى قيادات جماعة الإخوان؟ لمجرد أنه قام بالتلويح بعلامة رابعة التي تمثل لهم العجل المقدس أمام الشاشات؟ وهل هؤلاء يحبون الرئيس التركي عن عقيدة إسلامية؟ لأنه رئيسٌ مسلم ؟ ألم يكن مصطفى كمال أتاتورك مُسلماً، وعلى يده انهارت الخلافة العثمانية الإسلامية، وأصبح دستور تركيا إلى الآن علمانياً لا دينياً؟ إذن عن أي دينٍ يتكلمون؟ القصة كلها أن الرئيس التركي يناصب الرئيس المصري العداء صراحةً، وما انحياز هؤلاء إليه إلا محاولة نفسية عفنة تخرج ما في صدورهم، كما كان يقول بنو حنيفة عندما ادعى مسيلمة النبوة:”لكذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مُضر” وهم يعلمون علم اليقين أنهم كاذبون، ومنهم من يرى في تجربة أردوغان انتصاراً للديموقراطية وحرية الإنسان، واحترام الشعب، والسؤال: أين كان احترام تلك الحقوق وقتما سيطرت هذه الجماعات المزعومة على الحكم أيام الربيع العربي؟ أم أن العربي سريع النسيان بطبيعته؟ والمضحك المبكي أن من يملأون مواقع التواصل بمنشوراتهم المؤيدة لنبي أنقرة بحجة أنهم يؤيدون نجاح التجربة التركية، وأن علينا أن نلتفت لخيبتنا بدلاً من أن نشمت في تركيا، وهم على صواب، عليهم معنا أن يلتفتوا لتلك الخيبة، أم أنهم أتراكٌ يعيشون بيننا؟ المضحك المبكي أن رئيس تركيا السابق عبد الله جول قال”الانقلاب فشل لأننا لسنا دولةً إفريقية أو من دول أمريكا الجنوبية”، ولم يبرر كهؤلاء أنهم دولة مسلمة، على الرغم من نجاح الانقلاب في تركيا نفسها في عدة مرات سابقة أعوام 1960، 1980،1970، 1997، متناسياً كل هذه الانقلابات؛ ومتناسياً كذلك أن تركيا في هذه الأعوام، ومع هذه الانقلابات لم تكن أيضاً دولة إفريقية ولا من دول أمريكا الجنوبية؛ فقد تعامل مع الموضوع بمنتهى العنصرية، فبدأ يتكلم بالضبط مثل مؤيديه ومريديه في الوطن العربي، لأنهم يشعرون جميعاً أنهم من جنسٍ أعلى من بقية الأجناس، وبنفس المنطق أقول لهؤلاء الذين يفترض أنهم عرباً: بدلاً من أن تبالغوا في الفرح للنظام التركي وفشل الانقلاب، بادروا بتغيير أنفسكم، حتى لو عن طريق نيل الجنسية التركية، لتبتعدوا عن تصنيف عبدالله جول الأب الروحي لكم، أو قبول التطبيع الكامل مع إسرائيل بموافقة البرلمان التركي صبيحة ضرب غزة !
التعليقات