بقلم : إنجى الحسينى
طلب البرلمان الأوروبي تعليق مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، بغالبيّة 370 صوتًا مؤيّداً و109 صوتامعارضا وامتناع 143 عن التصويت، حيث صرح أعضاء البرلمان الأوروبي إنّهم “قلقون جدًا من سجلّ تركيا السيّئ في مجال احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون وحرّية وسائل الإعلام ومكافحة الفساد وكذلك من النظام الرئاسي”.
وبناءا عليه ، انتقدت وزارة الخارجية التركية هذا القرار ووصفته بغير الملزم و لا يعني شيئًا بالنسبة إلى أنقرة، كما اتهمت البرلمان الأوروبي “بأنه يرى العالم من خلال النافذة الضيقة لليمين المتطرف”.
يأتى هذا الرفض متزامنا مع حالة التراشق بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.. بعدما ندّد المتحدث بأسم الرئيس التركي قائلا أن “إسرائيل ليست دولةً لجميع مواطنيها بل فقط للشعبِ اليهودي واستثنى بذلك عربَ ثمانيةٍ وأربعين”..فسارعَ مكتبُ نتنياهو للرد بإن ” أردوغان الدكتاتورَ التركي يستهدفُ الديمقراطية الإسرائيلية ، بينما تمتلئ سجونه بالصحافيين والقضاة”.
وكما تشير التقديرات وصل أعداد الصحفيين الذين تم حبسهم إلى 175 صحفيا ، و إلى ما يزيد على 70 ألف مُعتقل سياسى ، إلى جانب فصل أكثر من 130 ألف موظف ومُصادرة 3000 جامعة ومدرسة ومؤسسة تعليمية، إضافة إلى حبس عدد من الضباط وإهانة العسكرية ومؤخرا تم تأييد حكما بسجن 14 من الصحفيين والإداريين .
وعلى النطاق الأقتصادى ونتيجة لبيانات صادرة عن البنك المركزي التركي فإن إجمالي ودائع الاتراك خارج تركيا وصلت حتى نوفمبر الماضى إلى 42.8 مليار دولار، هربا من بطش أردوغان مما أدى لدخول الاقتصاد التركي مرحلة الركود لأول مرة منذ 10 سنوات كما أظهرت البيانات الرسمية تضاءل الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.4% في الربع الأخير من العام الماضي.
وكرد فعل لحالة التخبط السياسي التى يعيشها أردوغان داخليا وخارجيا وأستبعاد بلاده من العديد من المحافل الدولية ، فإنه لا يفتأ يعالج أموره الداخلية إلا بشغل الرأى العام بالهجوم على مصربتوجيه الأكاذيب والتصريحات الجوفاء من حين لآخروإستغلال إعلامه المسموم ضدها ، خاصة بعد نجاح القمة العربية الأوروبية الأخيرة بشرم الشيخ ، وقبلها تولى مصر لرئاسة الاتحاد الافريقي فى ظل تجاهل القيادة السياسية المصرية له والتى أثبتت نجاحات سياساتها الخارجية المتعارضة مع أطماع تركيا الفاشلة فى تحقيق أهدافها والداعمة للإرهاب والتطرف بإحتضان جماعة الإخوان الإرهابية.
وفى محاولة أخرى منه للتغطية عما يجرى على أرضه فإن الرئيس التركى يحاول بشتى الطرق إستغلال بعض القضايا الدولية مثل قضية مقتل الصحفي السعودى “جمال خاشقجي” لصالحه فى سياق المنافسة الشرسة بين دولته ودولة السعودية من أجل قيادة العالم الإسلامي السني، حيث أصدر الإنتربول الدولي، مذكرة حمراء بناء على طلب تركيا بحق 20 من المشتبه بهم في القضية ، ضمن إجراءات التحقيق الذي أجراه مكتب المدعي العام في إسطنبول.
إن الرفض الدولى لدولة تركيا يظهر من وقت لآخر خاصة مع حالات التصعيد والتوتر فى العلاقات التى تعيشها تركيا مع أمريكا والتى بدأت منذ تهديد الرئيس التركى للجوء إلى التحكيم الدولى إذا لم تزودها واشنطن بمقاتلات «إف -٣٥»، مرورا بقضية القس الأمريكى ” أندرو برانسون” وكذلك لدعم واشنطن لفصيل كردى سورى تعتبره تركيا مجموعة إرهابية، وعدم قيامها بتسليم جولن المقيم فى بنسلفانيا. وأخيرا فقد جاء تصريح مكتب الممثل التجارى بأن الولايات المتحدة تنوى إنهاء المعاملة التجارية التفضيلية لتركيا بموجب برنامج سمح لبعض الصادرات بدخول الولايات المتحدة دون رسوم جمركية ، كما هددت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” الحكومة التركية بأنها قد تواجه “عواقب خطيرة” فى حال اشترت المنظومات الروسية المضادة للصواريخ من طراز “إس-400” تطبيقا للعقد المناسب بين البلدين.تأكيدا على توترالعلاقات مع دولة تركيا .
نفس الأمر تواجهه دولة تركيا بعد تحذيرات ألمانيا لمواطنيها بعدم السفر إلي تركيا بسبب إمكانية اعتقالهم للتعبير عن الرأى ، وذلك على خلفية مغادرة صحفيان ألمانيان لتركيا بعد رفض السلطات اعتمادهما كصحفيين فى خطوة ندد بها وزير الخارجية الألمانى وجددت التوترات السياسية بين البلدين.
ويبدو أن الرئيس التركى لم يستوعب جيدا تصريحات وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” أثناء زيارته الأخيرة لمصر عندما هاجم نظام أوباما ، ولم يستوعب بعد أن التحالفات التى كانت تستخدمها أمريكا قد تغيرت مع تولى ” ترامب” الحكم وأن السياسة الحالية لا تتوافق مع طموحات الخليفة أردوغان ، وأن أستمرارية تجاوزات وممارسات الرئيس التركى السياسية تعطى الذريعة لحالة الرفض الدولى التى يعيشها من وقت لآخر ، وإذا كان الرئيس السابق باراك أوباما يري فى حديثه الشهير لمجلة “ذى اتلانتك ” أن أردوغان قد خذل آماله، كقائد يزعم أنه إسلامي معتدل سوف يخدم كجسر بين الولايات المتحدة والمسلمين، فإن أردوغان قد خذل أيضا شعبه والعالم بتصرفاته الهوجاء خاصة مع ظهور وثيقة كتبها مدعى عام تفضح تدبير أردوغان لعملية الإطاحة بالنظام فى 2016 من أجل القضاء على خصومه .
التعليقات