كثير من الأئمة بل أغلبهم وجلهم لايتوانون عن التأكيد على أن مانقله الإمام البخاري جمعا في كتابه خلال رحلته البحثية لجمع الأحاديث النبوية، هو أصح كتاب بعد كتاب الله القرأن الكريم، ويخلعون القداسة على جميع مايرد فيه من أحاديث باعتبارها نقلا عن رسول الإسلام سيدنا محمد صلى اللهعليه وسلم ، ووبالوراثة امتدت القداسة من أجيال لأجيال بالنقل والترديد والتخويف والترغيب أحيانا.
حديثان هامان من أحاديث البخاري يمكن إخضاعهم للعقل لعلنا نفهم هل حقا البخاري هو أصح كتاب بعد كتاب الله، وهل ماورد فيه لابد من أخذه بالضرورة على أنه من صلب الدين وعماده. الأول هو حديث يستند عليه الغالبية من الشيوخ لتدعيم قداسة وصدق المرويات الواردة في البخاري، الأول هو حديث يتخذه مقدسي البخاري حجة في تدوين الحديث وقداستها، والفريق الثاني يبرهن عقليا على أنها ليست دليلا على أمر الرسول بالتدوين، وإنما بالإعمال العقلي سيظهر وجه أخر لمعنى أخر.
“اكتبوا لأبي شاه” هو قول تم الإستناد عليه في عملية جمع الحديث بالأساس، بالرغم من ارتباط قول الرسول الكريم بسبب زمني مكاني هو فتح مكة، وتبليغ الرسول لأبي شاه مجموعة من الوصايا الخاصة بمكة حينها وهذا هونص الحديث:
“لما فتح الله على رسوله (ص) مكة قام في الناس وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين فإنها لاتحل لأحد كان قبلي وإنها أحلت لي ساعة من نهار وإنها لاتحل ساقطتها إلا لمنشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير الناظرين إما أن يفدي وإما أن يقيد، فقال العباس إلا الأذخر فإننا نجعله لقبورنا وبيوتنا، فقال رسول الله إلا الأذخر، فقام أبو شاه، رجل من أهل اليمن؛ فقال اكتبوا لي يارسول الله! فقال رسول الله ((اكتبوا لأبي شاه)).
الحديث ورد في البخاري ويتخذ حجة ودليل على دعوة الرسول للتدوين عنه بالرغم من أن النظر قليلا لهذه الرواية يكشف عن قواعد وضعها الرسول بعد فتح مكة وطلب منه أبي شاه أن تكتب حتى يستطيع إبلاغ هذه التعليمات أو القواعد الخاصة بمكة لأهل اليمن بلا زيادة أو نقصان؛ إذن فهذا الحديث بريء مِن مْن يسوقونه تدليلا على شرعية تدوين الحديث وقداسة البخاري في الوقت نفسه، ووضعه قبل القرأن في التفسير والتأويل.
أما الحديث الثاني والذي يسوقه الفريق الأخر المطالب باستبعاد الحديث من التفسير والتأويل فلهم أكثر من حجة ودليلا يأتي أكثرها برهانا وصراحة –في نظرهم- حديث الرسول الكريم :
“من كتب عني شيئا غير القرأن فليمحه”، وهو حديث إن أعملناه، سنصطدم بمن يقدسون الحديث أو البخاري ويستندون له في كل موضع وحين حتى لو تعارض مع القرأن أو العقل، وتجد شيوخ الإسلام يبررون هذا الحديث ويخرجونه من معناه الأوضح –على الأقل لي- بأن الرسول أمر بعدم كتابة حديثه حتى لايختلط بالقرأن الكريم ثم يُزيدون بأن الأن ومنذ أيام البخاري، ذهب الخوف من وقوع هذا الإختلاط بين القرأن والسنة؛ إذن فهم يتبعون إعمال العقل وبيان الأسباب في التفسير والتأويل، لكنهم للأسف لايتبعون هذا العقل إلا بما يحفظ مكانتهم وسلطانهم في تفسير الدين وبالأخص الأحاديث بما يخدم أهوائهم، بل ويحتكرون فهمه وتفسيره دون غيرهم، بالرغم من أن الإسلام لايحتوي على قداسة لأتباعه أو لمفسريه بل حتى الصحابة لم يكن لهم قداسة في زمنهم بل كانت مهابة واحترام قائمة على الحوار، والقدرة على الوصول لأصحاب الرسول وسؤالهم وحجاجهم.
أخير فلينحي الشيوخ قداسة البخاري جانبا حتى يستطيع المجددون من أولوا العلم ممارسة الفقه والتأويل مع النصوص البخارية بلا ضاغط أو تخويف من ازدراء الدنيا، أو جحيم الأخرة، ولهم الحق أيضا في الرد والقول والمعارضة بلا تخويف أو تكفير.
التعليقات