الجمعة الموافق 10 - يناير - 2025م

متروبول روارية ريم أبو عيد: عندما تتحاور الحضارات

متروبول روارية ريم أبو عيد: عندما تتحاور الحضارات

بقلم د. يسري عبدالغني

 

 
في رواية “متروبول” تحاول الكاتبة “ريم أبو عيد” أن تؤكد لنا على أن الأمكنة لها ذاكرة تبعث الماضي من مرقده، وتوقظ فينا الحنين، فهناك أماكن نشتاقها وأخرى تلفظنا، وبعضها نعرفها والبعض منها يجحدنا، وتظل هناك أمكنة تعيدنا سيرتنا الأولى برغم تحولات الفصول والأزمان.

 

 
في رواية “متروبول الصادرة عن دار الجمل بالقاهرةن هذا العام، والتي تقع في 41 فصلا، عبر 240 صفحة من القطع المتوسط، يحتويها غلافا جميلا معبرا، صممه القاص الفنان/ عبدالفتاح أمين، بلون أزرق مستمد من لون البحر حيث يقع هذا الفندق الأثري التاريخي في الإسكندرية، التي تحتوي أحداث روايتها، وعلى الغلاف صورة لفتاة ترتدي فستانا من فترة الأربعينات تقف على سلم الفندق الذي يتصدر بهوه، وتقريبا هي المؤلفة متقمصة شخصية سارة بطلة الرواية التي تعايشت معها فكانت المصداقية الفنية التي سادت منظومة السرد الروائي خلال “متروبول”، وتمثال فرعوني وآخر يوناني قديم، وفي الخلفية نرى مفتاح الغرفة 309 بنفس الفندق والتي أوحت للكاتبة بروايتها، وهو مفتاح حقيقي موجود منذ بناء الفندق.

 

 
إذا كانت الرواية تحدثنا عن اليهود الذين عاشوا في مصر في فترة الأربعينات من القرن الماضي، فإن الكاتبة لم تكتب لنا رواية مسيسة كما يفعل البعض عندما يكتب عن فترات تاريخية عبر أعمال سردية، الذي يهمها فكرة تلاقح الحضارات أو تحاور الحضارات، بعيدا عن الصراع أو الصدام، فالكل رغم الظروف السياسية أو الحياتية يعيش في نسيج أو فسيفساء واحدة الإسكندرية هي ملهمة الكاتبة، الإسكندرية الروح العاشقة التي تسكنها منذ قديم الأزل، ومن هذا العشق كنا مع فسيفساء جمعت بين طرفي المعادل الموضوعي، أي الفكرة، والمتعة الفنية، أدارت الكاتبة حوارها بلغة شائقة رائقة صافية، كانت بحق دليل على تمكنها من الحوار خلال فصور الرواية رغم عصورها المتباعدة، حتى وصلت إلى ذروتها في الفصل 26 (ص 150 – ص 151).

 

 
ومع تطور أحداث الرواية ما بين الماضي والحاضر والربط بين الأحداث نجد أنفسنا بين تاريخين متباعدين في العادات والتقاليد والأعراق والأحداث المعاشة، حتى استغلت الكاتبة أحداث الحرب العالمية الثانية لتضع القارىء في بؤرة الأحداث التاريخية، في هدوء وعدم صخب، ورومانسية حالمة تجعلك تنهي الرواية دون أن تشعر.

 

 
الكاتبة يفوح من كل سطر في روايتها الأرستقراطية بكل معانيها، في الحوار المتقن، في تشابك الأحداث، في الصراع، في البداية، في الوسط، والنهاية، بعيدة عن الألفاظ المسفة التي تمتلىء بها الروايات هذه الأيام.

 

 
ريم أو الكاتب لم تتخلى عن واقعنا المعاصر رغم تاريخية الرواية، الرابطة بين الماضي والحاضر، نرى الحاسب الآلي، والماسح الضوئي، والرسائل الإلكترونية.

 

 
الكاتبة تلعب على فكرة تناسخ الأرواح، تلك الفكرة القديمة في تراثنا، وإن قال البعض أنها هندية الأصل، لتأخذنا في رومانسية إلى مشهد المواجهة ، دانيال في مواجهة ماريو، وقمة الشجن في لحظة مقتل دانيال وسارة، لنرى الدموع المختلطة بالدم في مشهد درامي محزن .

 

 
والكاتبة تريد أن تقول لنا: إن الحب ليس له بدايات أو نهايات، إنما فقط أرواح عاشقة منذ بدء خليقتها في ذلك العالم البعيد، حيث تلتقي الأرواح لأول مرة فيتآلف بعضها ويتنافر الآخر، ويبقى السر المعلق في أستار الوجود.

 

 
اللغة جميلة، ناعمة شفافة، شخصيات الرواية يجب أن تحبها بجميع وجوهها، بل تتعاطف معها، وتعيش معك حتى بعد انتهاء قراءة الرواية، شخصيات تتماهى بين الماضي والحاضر: ماريو – عمر – سليم – جايكوب – يوسف – نانسي….. إلخ….. إلخ…

 

 
يبقى أن نشير إلى أن الكاتبة بدأت إبداعاتها كشاعرة، وما زالت تكتب الشعر، وكان ذلك واضحا في سردها الشاعري، وبالذات مع بداية كل فصل، كما أنها كتبت الرواية من قبل، ولها عمود أسبوعي في صحيفة مصرية شهيرة، وهي وطنية عروبية في كل كلمة تكتبها.

 

 
كاتبتنا التي نجحت أن تطوع السرد بالحدث في بساطة وسهولة ويسر، وهي حكاءة ماهرة، أكرر حكاءة أرستقراطية تفهم جيدا معنى الرواية، ومعنى أن تكتب سردا راقيا، وهذا بالطبع لم يأت من فراغ، فواضح أنها قارئة فاهمة واعية بما تقرأ، وظفت محصولها الثقافي لتكتب هذه الرواية التاريخية، التي تقول لنا أن الكل في واحد، وأننا جميعا في حق الحياة سواء.

 

received_10156138428599368 received_10156138428384368 received_10156138426834368 received_10156138425014368

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 79074569
تصميم وتطوير