Site icon جريدة البيان

ما السر وراء انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي…هل فقدوا عقولهم؟

دكتور رضا عبدالسلام

درضا عبدالسلام يكتب قرار تعويم الجنيه قرار متسرع

كتب د:رضا عبد السلام

 

زارنا بجامعة المنصورة منذ أسبوعين وفد انجليزي من جامعة مانشستر لمشروع وطني مهم نحن بصدد تنفيذه معهم إن شاء الله.

تطرق الحوار أثناء الغذاء لقضية التصويت بالأغلبية منذ أشهر معدودة على انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي…أي خروجها من هذا الكيان العظيم، وهي المؤسس لهذا الاتحاد عام ١٩٥٧م؟؟

كيف تم ذلك؟ ولماذا الانسحاب؟ فالمواطن الاوروبي (كالمواطن الانجليزي مثلا) بصفته طالب او عامل او مستثمر أو مريض، يتحرك بين دول وعواصم ٢٨ دولة أوروبية وكانه يتحرك داخل دولة واحدة..!!.هو ليس بحاجة الى تأشيرة او جواز سفر أو تصريح عمل وهو يتحرك من لندن لباريس أو برلين. تكفيه بطاقة الهوية؟

مثلا…إذا رأى شاب انجليزي في المساء إعلان على شبكة الانترنت عن وظيفة في ألمانيا، يستيقظ مبكرا ويركب القطار ليكون قبل الثامنة صباحا في مكان الوظيفة ويحصل عليها….الخ.

فيه أيه أجمل أو أعظم من كده؟ ده أقرب للحلم أو الخيال… ولكن…لما صوت أغلب الانجليز بالموافقة على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي؟ ما العقل في هذا؟

فقد تعلمنا في الكتب أن القوة كانت وستظل للكيانات الكبرى…فالكثرة تغلب الشجاعة كما يقول المثل…قوة أمريكا مثلا تأتي من كونها ٥٢ دولة في دولة واحدة!!….وفي المقابل ضعف العرب ووهنهم سببه تمزقهم الى دويلات وإمارات يكيدون لبعضهم البعض وينافسون بعضهم البعض…رغم ما يمتلكونه من ثروات هائلة لا ينعم بها غيرهم.

يبقى السؤال ….ما السر؟!

سألتهم هذا السؤال مباشرة ونحن على الغذاء؟! لأنني كمتخصص لا أجد إجابة مقنعة أو شافية…وكانت اجاباتهم على سؤالي غير مقنعة، بأن قالوا مثلا بأن الناس صوتوا بالانفصال بسبب استيلاء الاجانب على الوظائف أو الرعاية الصحية والخدمات…الخ.

هنا فاجأتهم بسؤال …هل تركيبة السكان كانت السبب؟ قالوا ماذا؟؟؟ وهم يتعجبون من السؤال؟!!
قلت بصيغة أخرى…معروف أن بريطانيا دولة عجوز…أي أن أكثر من ٦٠% من الانجليز هم من كبار السن، اي فوق الستين…تمشى في الشوارع الانجليزية ترى أغلب من حولك عواجيز رجال ونساء بالشعر الأبيض.

قلت لهم هؤلاء الكبار عاشوا زمن كانت فيه بريطانيا دولة عظمى، كانوا لهم وزنهم والكل يحسب لهم حساب أينما حلوا…وأتذكر أنا شخصيا وأنا في البعثة في بريطانيا عام ١٩٩٨ كنت جالس على ضفاف الأطلنطي وهي منطقة سياحية، وبجواري رجل عجوز، فسألته بحسن نية، من أين أنت، رفع حاجبيه إلى السماء ومعهما منخاره الحاد وقال : أنا من بريطانيا العظمى!!!

الشاهد هنا…أن هذا الجيل يستشعر أن بريطانيا العظمى بانضمامها للاتحاد الأوروبي تقوض وزنها وسلطانها وبالتالي تراجعت قيمة المواطن الانجليزي. الكبار في كل مكان في الغالب هم من يذهب لصناديق الاقتراع على خلاف الشباب.

هؤلاء الكبار، الذين يشكلون أغلبية السكان حكموا على المستقبل من منطلق ماضي عاشوه…لم يفكروا لحظة أن هذا المستقبل هو شأن الشباب، لأن شباب اليوم هم من سيعيشون هذا المستقبل، ومن ثم هم الأحق بأن يقرروا مصيرهم في زمن هم من سيعيشه.

الآن بعد انتهاء الاستفتاء بالانفصال يشيل البريطانيين الطين فوق رؤوسهم…فالخسائر بالمليارات…بل إن الاتحاد الاوروبي يطالب بريطانيا الآن بسداد ٦٠ مليار يورو ….

للأسف، الخاسر الأكبر هم الشباب الحر المنطلق بين المدن الأوروبية …خسر المستثمرين بعد أن عادوا لجزيرتهم الصغيرة معزولين.

رأيت في عين ضيوفنا الإنجليز الدموع والحسرة على هذه الخطوة التي عزلت الانجليز عن أقرانهم الأوروبيين…قلت لهم أراكم حزاني…قالوا نحن في حالة صدمة ولا ندري ماذا نفعل…وهنا بادر أحدهم بالقول “ربما بعد خمس سنوات أو عشر بعد أن يزول هذا الجيل نفكر في عمل استفتاء آخر وعندها ستصوت الأغلبية للعودة للحضن الأوروبي.

واضح أن الكبار امثالنا يفعلون ما فعله كبار البريطانيين في الشباب…نحن الكبار في كل مكان وليس في بريطانيا فقط…نتمتع بأنانية مفرطة… لدينا اعتقاد دائم بأننا الكبار على صواب دائم…وبأن الشباب أقل دراية وحكمة ووعي ورؤية بعيدة المدى….

بالطبع هناك لكل قاعدة استثناءات…هناك من الكبار من يؤمن بأن المستقبل هو للشباب وأن من حق الشباب أن يصوغه بالصورة التي يحلم بها لا بالصورة التي يفرضها الشياب…

هذا يذكرني بالأب الذي يصر على بناء عمارة من أكثر من دور لكي يفرض على اولاده الذين لم يولدوا بعد ان يقيموا معه في ذات العمارة!!..هو يفكر في نفسه ويغضب اذا ابتعد الابن…وفي الغالب ينتهي به الامر الى العيش وحيدا في عمارة خاوية…لسبب بسيط وهو أن كان يرتب بعقله وحلمه هو وتجاهل او نسي ان من حق الابناء أن يصوغوا حياتهم ويرسموا خارطة مستقبلهم.

ليتنا نتعلم أن كل جيل له زمانه وأحلامه وطموحاته طالما كانت في إطار قيم وثوابت المجتمع وهنا يأتي دور الكبار لغرس القيم النبيلة، لا لأن يتحكموا في الحاضر والمستقبل…فالمستقبل خاص بجيل ومن حق هذا الجيل أن يتولى صياغة هذا المستقبل بدعم وتوجيه رشيد وأمين من الكبار…دمتم بألف خير.

Exit mobile version