Site icon جريدة البيان

لنساء مصر نصيب من النصر “وداد حجاب” .. المرأة السيناوية المجاهدة سطرت آية من آيات خلود

سارة السيد 

المناضلة وداد حجاب ضربت مثالاً بارعًا في المكر و الدهاء لمقاومة العدو الإسرائيلي بأراضي سيناء طيلة الفترة منذ حرب 1967، و حتى 1973، ليس في ملابس المقاتلين و بحمل السلاح، و لكن في زي “ملائكة الرحمة”، تحمل الشاش و القطن، و أيضًا “رسائل المجاهدين” المسربة إلى “رجال المخابرات المصرية”.
حصار تام .. ضربه الحاكم العسكري الإسرائيلي على مدن سيناء بعد هزيمة 67، و كان المواطن “العرايشي” إذا أراد السفر للقاهرة، فإنه يتوجه إلى “غزة” ثم إلى “القدس”، ثم إلى “أريحا”، انتقالاً منها إلى “عمان” بالأردن، ثم ينتقل بالطيران إلى “القاهرة” و منها إلى سائر أنحاء مصر، و من خلال تلك المحطات، تنقلت “وداد”؛ تارة بزي “الممرضة”، و تارة أخرى بزي “المجندة الإسرائيلية”.
التمريض في “سلخانة بشرية”
قبيل حرب يونيو، أعدت المدارس طلابها لأساليب المقاومة الشعبية و الإسعافات الأولية، و تلقت “وداد” دروس التمريض في مستشفى العريش، و بعد وقوع الهزيمة و امتلاء المستشفيات بالجنود المصريين، توسلت “وداد” لأبيها أن يسمح لها بالذهاب للمستشفى، فوافق بعد ضغط و بكاء منها، و ذهبت للمستشفى برفقة 3 فتيات.
“10 أيام وسط سلخانة بشرية” .. هكذا عبرت “وداد” عن أيامها في المستشفى العسكري وسط الجرحى و القتلى من الجنود المصريين الذين ملأوا طرقات المستشفى، و كيف كانت القوات الإسرائيلية تقطع عنهم الكهرباء، و تمنع عنهم وصول الإمدادات و الأدوية و الطعام.
“هلال و صليب بالميكروكروم” .. رسمته “وداد” و زميلاتها بالمستشفى، يرمزان لـ”الهلال و الصليب الأحمر”، كان بمثابة “راية بيضاء” رفعنها ليستطعن الخروج، و ذهبن الممرضات لمنازلهن للاستحمام و تناول الطعام، و قبل ميعاد “حظر التجوال”؛ عادت لاستكمال العمل بالمستشفى.
قافلة سويسرية ضمن “الصليب الأحمر” جاءت للمستشفى، و استطاعت “وداد” أن تحصل على زي إحدى الممرضات من القافلة، و في هذا الوقت أرسل الحاكم المجندتين “إيفون” و “يوديت” لتنظيم عمل المستشفى عسكريًا، بعدها قامت “وداد” بزيارة مقر الحاكم العسكري “عزرا – كان البدو يسمونه عزرائيل” لتجديد تصريح التمريض و الحصول على راتب، و كانت تقوم بالمرور على المدارس ضمن “الصحة المدرسية”، حتى ليلة اقتحمت فيها القوات الإسرائيلية منازل البدو، و من ضمنهم “منزل وداد” للتفتيش عن فدائيين ضمن “منظمة سيناء العربية”.
في عمر الـ19، تعرفت “وداد” على أحد مجاهدي المنظمة، و طلب منها “شراء ورق أبيض” لطباعة المنشورات؛ حيث أنه كان قليلاً في “العريش”، و تكلف الأمر أن تشتريه “وداد” من “غزة”، و لأول مرة؛ ارتدت “وداد” زي المجندات الإسرائيليات، و ساعدها اتقانها للعبرية أن تنجح في عبور نقطة التفتيش بحجة “الذهاب لكوافير في غزة”، و عند عودتها و بسؤالها عن الورق قالت “أنا بكتب قصص و خواطر و اشتريته عشان أسلي وقتي”، ليكبر بعدها دورها و توزع بنفسها المنشورات، قبل أن ينكشف أمرها، و تتعرض للتعذيب على أيدي سلطات الاحتلال.
ألقي القبض على “وداد”، و تم التحقيق معها عن علاقتها بالمنشورات، و لكنها رفضت الإجابة، مما جعلهم يهددونها بالاغتصاب، فردت عليهم في تحدي “تعرفوا لو مسيتوا شعرة مني إيه هيجرى لكم ؟”، مما دفعهم لاستخدام كلب بـ”شحتة/ رتبة”؛ لأن الكلاب لديهم ذات رتب في الشراسة، لكنها كانت تربي كلبًا في بيتها، و تعرف كيف تتجنب إثارته، و لما فقدوا الأمل منها و شعروا بأن لا علاقة لها بالمنشورات أطلقوا سراحها.
توفى “عبد الناصر”، و أصرت “وداد” على الذهاب لتقديم واجب العزاء لزوجته في القاهرة، و كان وفد المنظمة يشمل 99 رجلاً، و بانضمام “وداد” أصبحت “رقم 100″، و وافق الحاكم العسكري “عزرا” على سفر الوفد بشرط الذهاب على نفقتهم الخاصة.
و كانت “وداد” قد ادخرت “100 شيكل إسرائيلي” أي ما يقارب “30 جنيه”، و كان مبلغًا كبيرًا وقتها، لتقطع بعدها المسافة من “العريش” إلى “غزة” ثم للقدس و أريحا” ثم إلى “عمان الأردنية”، و بواسطة السفارة المصرية تسافر إلى “القاهرة”، و كان شرط التسفير من الحاكم هو “عدم رفع العلم المصري داخل حدود سيناء و فلسطين”.
قضت في القاهرة شهرًا كاملاً، زارت فيه “الأهرامات” لأول مرة في حياتها، و هناك؛ قابلها رجل لا تعرفه، قال لها إنه يعرف الكثير عنها و عن أسرة شقيقتها المتزوجة من ضابط بالجيش و المقيمة بالقاهرة، و طلب منها معلومات بسيطة عن “القاهرة” و أسعار بعض السلع”، لكنها رفضت مبررة ذلك بخوفها الشديد، لتعرف بعده أنها كانت على شفا “التجنيد كعميلة للموساد”، و نجح أحد ضباط المخابرات المصرية في كشف العملية بمساعدتها و معلوماتها.
في رحلتها، حملت معها قصاصات ورقية صغيرة كانت “جوابات مجاهدي المنظمة للمخابرات”، أخفتها “وداد” في طيات “بالطو فرو” حملته على زراعها طوال الرحلة، و أخبرها رجال المنظمة عن ضابط بالمخابرات سيأتي و سيستلم الجوابات منها.
و تكررت هذه العملية لعامين متصلين، تتضمن معلومات عن الجرحى و المستشفيات و الوحدات العسكرية بالعريش، ثم تزوجت و استقرت بالقاهرة، و عملت كمساعدة للإذاعي “عبد الله لبيب” ببرنامج “صوت سيناء” بإذاعة صوت العرب، و كانت تجلب له “بدو سيناء” للتسجيل معه، و خلال عملها استطاعت كشف أحد الجواسيس كان يريد تحرير رسالة معينة عبر الإذاعة لأهله في سيناء؛ فأبلغت عنه رجال المخابرات، ليكشفوه و يقبض عليه بعدها، و استمرت “وداد” بالإذاعة حتى 1980، تعمل مع الإذاعية “سامية صادق” مراسلة للإتيان بأخبار ما بعد الحرب.
بعد حرب 1973، كرمها الرئيس “السادات” و منحها “وسام الدولة” مع أعضاء “منظمة سيناء العربية”، و هي التي صرحت و قالت: “قبل حرب 67 كنا يادوب عايشين، لكن بعد دخول الإسرائيليين دخلت معاهم خدمات كتيرة للعريش و سيناء، لدرجة إن السلع التموينية كنا بنأخد تصاريح من الشرطة عشان نشتريها من السويس، و هما اللي دخلولنا الفراخ البيضاء في محلات البيع زي المجمعات الاستهلاكية في القاهرة، و الحاكم العسكري كان بيخصص رواتب كبيرة نسبيًا للعاملين في سيناء، و لما سيبت شغلي في “الصليب الأحمر” عشان أتجوز، خصصولي مكافأة نهاية خدمة، بس للأسف كنا عايشين مكسورين لأن الأرض أرضنا و اللي بيحكمنا العدو”.

Exit mobile version