السبت الموافق 11 - يناير - 2025م

لنساء مصر نصيب من النصر “وداد حجاب” .. المرأة السيناوية المجاهدة سطرت آية من آيات خلود

لنساء مصر نصيب من النصر “وداد حجاب” .. المرأة السيناوية المجاهدة سطرت آية من آيات خلود

سارة السيد 

المناضلة وداد حجاب ضربت مثالاً بارعًا في المكر و الدهاء لمقاومة العدو الإسرائيلي بأراضي سيناء طيلة الفترة منذ حرب 1967، و حتى 1973، ليس في ملابس المقاتلين و بحمل السلاح، و لكن في زي “ملائكة الرحمة”، تحمل الشاش و القطن، و أيضًا “رسائل المجاهدين” المسربة إلى “رجال المخابرات المصرية”.
حصار تام .. ضربه الحاكم العسكري الإسرائيلي على مدن سيناء بعد هزيمة 67، و كان المواطن “العرايشي” إذا أراد السفر للقاهرة، فإنه يتوجه إلى “غزة” ثم إلى “القدس”، ثم إلى “أريحا”، انتقالاً منها إلى “عمان” بالأردن، ثم ينتقل بالطيران إلى “القاهرة” و منها إلى سائر أنحاء مصر، و من خلال تلك المحطات، تنقلت “وداد”؛ تارة بزي “الممرضة”، و تارة أخرى بزي “المجندة الإسرائيلية”.
التمريض في “سلخانة بشرية”
قبيل حرب يونيو، أعدت المدارس طلابها لأساليب المقاومة الشعبية و الإسعافات الأولية، و تلقت “وداد” دروس التمريض في مستشفى العريش، و بعد وقوع الهزيمة و امتلاء المستشفيات بالجنود المصريين، توسلت “وداد” لأبيها أن يسمح لها بالذهاب للمستشفى، فوافق بعد ضغط و بكاء منها، و ذهبت للمستشفى برفقة 3 فتيات.
“10 أيام وسط سلخانة بشرية” .. هكذا عبرت “وداد” عن أيامها في المستشفى العسكري وسط الجرحى و القتلى من الجنود المصريين الذين ملأوا طرقات المستشفى، و كيف كانت القوات الإسرائيلية تقطع عنهم الكهرباء، و تمنع عنهم وصول الإمدادات و الأدوية و الطعام.
“هلال و صليب بالميكروكروم” .. رسمته “وداد” و زميلاتها بالمستشفى، يرمزان لـ”الهلال و الصليب الأحمر”، كان بمثابة “راية بيضاء” رفعنها ليستطعن الخروج، و ذهبن الممرضات لمنازلهن للاستحمام و تناول الطعام، و قبل ميعاد “حظر التجوال”؛ عادت لاستكمال العمل بالمستشفى.
قافلة سويسرية ضمن “الصليب الأحمر” جاءت للمستشفى، و استطاعت “وداد” أن تحصل على زي إحدى الممرضات من القافلة، و في هذا الوقت أرسل الحاكم المجندتين “إيفون” و “يوديت” لتنظيم عمل المستشفى عسكريًا، بعدها قامت “وداد” بزيارة مقر الحاكم العسكري “عزرا – كان البدو يسمونه عزرائيل” لتجديد تصريح التمريض و الحصول على راتب، و كانت تقوم بالمرور على المدارس ضمن “الصحة المدرسية”، حتى ليلة اقتحمت فيها القوات الإسرائيلية منازل البدو، و من ضمنهم “منزل وداد” للتفتيش عن فدائيين ضمن “منظمة سيناء العربية”.
في عمر الـ19، تعرفت “وداد” على أحد مجاهدي المنظمة، و طلب منها “شراء ورق أبيض” لطباعة المنشورات؛ حيث أنه كان قليلاً في “العريش”، و تكلف الأمر أن تشتريه “وداد” من “غزة”، و لأول مرة؛ ارتدت “وداد” زي المجندات الإسرائيليات، و ساعدها اتقانها للعبرية أن تنجح في عبور نقطة التفتيش بحجة “الذهاب لكوافير في غزة”، و عند عودتها و بسؤالها عن الورق قالت “أنا بكتب قصص و خواطر و اشتريته عشان أسلي وقتي”، ليكبر بعدها دورها و توزع بنفسها المنشورات، قبل أن ينكشف أمرها، و تتعرض للتعذيب على أيدي سلطات الاحتلال.
ألقي القبض على “وداد”، و تم التحقيق معها عن علاقتها بالمنشورات، و لكنها رفضت الإجابة، مما جعلهم يهددونها بالاغتصاب، فردت عليهم في تحدي “تعرفوا لو مسيتوا شعرة مني إيه هيجرى لكم ؟”، مما دفعهم لاستخدام كلب بـ”شحتة/ رتبة”؛ لأن الكلاب لديهم ذات رتب في الشراسة، لكنها كانت تربي كلبًا في بيتها، و تعرف كيف تتجنب إثارته، و لما فقدوا الأمل منها و شعروا بأن لا علاقة لها بالمنشورات أطلقوا سراحها.
توفى “عبد الناصر”، و أصرت “وداد” على الذهاب لتقديم واجب العزاء لزوجته في القاهرة، و كان وفد المنظمة يشمل 99 رجلاً، و بانضمام “وداد” أصبحت “رقم 100″، و وافق الحاكم العسكري “عزرا” على سفر الوفد بشرط الذهاب على نفقتهم الخاصة.
و كانت “وداد” قد ادخرت “100 شيكل إسرائيلي” أي ما يقارب “30 جنيه”، و كان مبلغًا كبيرًا وقتها، لتقطع بعدها المسافة من “العريش” إلى “غزة” ثم للقدس و أريحا” ثم إلى “عمان الأردنية”، و بواسطة السفارة المصرية تسافر إلى “القاهرة”، و كان شرط التسفير من الحاكم هو “عدم رفع العلم المصري داخل حدود سيناء و فلسطين”.
قضت في القاهرة شهرًا كاملاً، زارت فيه “الأهرامات” لأول مرة في حياتها، و هناك؛ قابلها رجل لا تعرفه، قال لها إنه يعرف الكثير عنها و عن أسرة شقيقتها المتزوجة من ضابط بالجيش و المقيمة بالقاهرة، و طلب منها معلومات بسيطة عن “القاهرة” و أسعار بعض السلع”، لكنها رفضت مبررة ذلك بخوفها الشديد، لتعرف بعده أنها كانت على شفا “التجنيد كعميلة للموساد”، و نجح أحد ضباط المخابرات المصرية في كشف العملية بمساعدتها و معلوماتها.
في رحلتها، حملت معها قصاصات ورقية صغيرة كانت “جوابات مجاهدي المنظمة للمخابرات”، أخفتها “وداد” في طيات “بالطو فرو” حملته على زراعها طوال الرحلة، و أخبرها رجال المنظمة عن ضابط بالمخابرات سيأتي و سيستلم الجوابات منها.
و تكررت هذه العملية لعامين متصلين، تتضمن معلومات عن الجرحى و المستشفيات و الوحدات العسكرية بالعريش، ثم تزوجت و استقرت بالقاهرة، و عملت كمساعدة للإذاعي “عبد الله لبيب” ببرنامج “صوت سيناء” بإذاعة صوت العرب، و كانت تجلب له “بدو سيناء” للتسجيل معه، و خلال عملها استطاعت كشف أحد الجواسيس كان يريد تحرير رسالة معينة عبر الإذاعة لأهله في سيناء؛ فأبلغت عنه رجال المخابرات، ليكشفوه و يقبض عليه بعدها، و استمرت “وداد” بالإذاعة حتى 1980، تعمل مع الإذاعية “سامية صادق” مراسلة للإتيان بأخبار ما بعد الحرب.
بعد حرب 1973، كرمها الرئيس “السادات” و منحها “وسام الدولة” مع أعضاء “منظمة سيناء العربية”، و هي التي صرحت و قالت: “قبل حرب 67 كنا يادوب عايشين، لكن بعد دخول الإسرائيليين دخلت معاهم خدمات كتيرة للعريش و سيناء، لدرجة إن السلع التموينية كنا بنأخد تصاريح من الشرطة عشان نشتريها من السويس، و هما اللي دخلولنا الفراخ البيضاء في محلات البيع زي المجمعات الاستهلاكية في القاهرة، و الحاكم العسكري كان بيخصص رواتب كبيرة نسبيًا للعاملين في سيناء، و لما سيبت شغلي في “الصليب الأحمر” عشان أتجوز، خصصولي مكافأة نهاية خدمة، بس للأسف كنا عايشين مكسورين لأن الأرض أرضنا و اللي بيحكمنا العدو”.

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 79094597
تصميم وتطوير