الأربعاء الموافق 05 - فبراير - 2025م

قراءة نقدية للدكتورة ردينة عبد الرزاق الكميت

قراءة نقدية للدكتورة ردينة عبد الرزاق الكميت

قراءة ما بعد حداثية لاستخدام النقاط ، التشابكات، والاسئلة في ديوان ” انخدوانا” للشاعرة انسام المعروف: قصيدة “اسئلة على الصراط “

قراءة نقدية

د. ردينة عبد الرزاق الكميت/ العراق

إن استخدام الأسئلة والنقاط والتشابكات في قصائد النثر يعتبر أسلوباً فنياً يعزز جاذبية النص ويساهم في تحقيق الأهداف الأدبية والتأثيرية المرجوة من النص. وفي قصيدة النثر “أسئلة على صراط الرحيل” هي احدى قصائد مجموعة “انخدوانا” للشاعرة العراقية أنسام المعروف الصادرة عام 2022 تتناول الشاعرة مجموعة من الاساليب ما بعد الحداثية كالنقاط الثلاثية والتشابكات بالاضافة الى عدد من الأسئلة الأساسية التي يواجهها الإنسان في حياته، والتي تتعلق بالحب والفراق والوداع والحنين.
يقول ادوارد هيرش ان “علامات التنقيط هي أداة الشاعر لتشكيل تجربة القارئ للقصيدة. من خلال استخدام النقاط والفواصل والعلامات الأخرى، يمكن للشاعر التحكم في الوتيرة والتأكيد والنغمة للكلمات، مما يخلق تأثيرًا فريدًا وقويًا يشغل عواطف وفكر القارئ. وتجدر الاشارة الى ان تستخدم الأسئلة والنقاط والتشابكات في قصائد النثر لعدة أسباب مهمة، من بينها:
• جذب انتباه القارئ: تستخدم هذه الأدوات لجذب انتباه القارئ وإثارة فضوله، وذلك عن طريق طرح أسئلة محيرة أو استخدام نقاط التعجب للتعبير عن الدهشة أو الحيرة.
• توجيه الانتباه إلى مفاهيم مهمة: يمكن استخدام هذه الأدوات لتوجيه انتباه القارئ إلى المفاهيم الرئيسية في النص، وذلك عن طريق تسليط الضوء عليها باستخدام النقاط أو الكلمات المشابهة أو تكرارها في نهاية الأسطر.
• تحقيق التأثير البصري: يمكن استخدام هذه الأدوات لتحقيق تأثير بصري في النص، وذلك عن طريق إنشاء تشابكات بين الأفكار أو الكلمات بإدراجها بشكل متقطع أو عن طريق تكرار الكلمات أو العبارات.
• تعزيز الإيقاع والتوقيت: يمكن استخدام هذه الأدوات لتعزيز الإيقاع والتوقيت في النص، وذلك عن طريق استخدام النقاط والتشابكات لخلق وقفات توقف مفاجئة، أو عن طريق استخدام الأسئلة لترك المجال للتفكير والتأمل.”
وهنا نرى ان نص هذه القصيدة يتميز بالاستخدام الدقيق لعلامات التنقيط وبالتناول الجميل للغة الشعرية والتشبيهات المعبرة التي تزيد من عمق المعاني وتجعل النص أكثر إيحاءً وجاذبية، وكما تقول ريتا دوف ان “الشعر هو لغة العاطفة، ويمكن لاستخدام علامات التنقيط أن يساعد في نقل الأبعاد الدقيقة للشعور التي تجعل القصيدة تحيا. من خلال استخدام الوقفات والأسئلة والعلامات الأخرى، يمكن للشاعر خلق شعور بالحميمية والفورية يجذب القارئ إلى عالم القصيدة.” لذا نرى النص المعروفي حاوياً على العديد من الأسئلة المفتوحة، والتي تعكس حالة عدم اليقين والترقب التي يعاني منها الإنسان في حياته. وتوضح الأسئلة التي طرحتها الشاعرة أهمية الاستفهام والتساؤل، وكيف أنها تحمل في طياتها إمكانية البحث عن الإجابات والتوصل إلى الحقائق.
كما تعبر الشاعرة في النص عن حاجة الإنسان إلى إيجاد السبل اللازمة للتغلب على الألم والفراق والحنين، وذلك من خلال الاستنارة والتأمل والتفكير العميق. و تحث القارئ على البحث عن الحقيقة والوعي الذاتي، ولا نغفل هنا ان الشاعرة تريد ايصال رسالة وهي انه يمكن للإنسان أن يشعر بالسعادة والرضا في الحياة دون البحث عن الإجابات، ولكن هذا الشعور قد يكون سطحيًا وغير دائم، وقد يتم تحقيقه بشكل عرضي أو عشوائي. ومع ذلك، فإن إيجاد الإجابات على الأسئلة والتساؤلات الحياتية الأساسية يساعد الإنسان على النضج الروحي والنمو الشخصي والتفكير العميق، وهذا يمكن أن يؤدي إلى شعور أعمق بالسعادة والرضا في الحياة. فعندما يبحث الإنسان عن الإجابات والمعرفة والتفاهم العميق مع نفسه والعالم الذي يعيش فيه، يمكنه أن يجد معنى وغرض لحياته، وهذا يمكن أن يؤدي إلى شعور أعمق بالسعادة والرضا. وبالتالي، يمكن القول إن البحث عن الإجابات والنضج الروحي ليست مجرد ضرورة، بل هي طريقة حياة تساعد الإنسان على تحقيق السعادة والرضا الدائمين.
تستخدم الشاعرة في النص الشعري “أسئلة على صراط الرحيل” جوانبًا ما بعد حداثية في الأسلوب والمضمون، وذلك من خلال استخدامها لتقنيات شعرية حديثة ومتطورة تعبر عن تجربة الإنسان المعاصر في الحياة.
فمثلا :-
١- استخدام التشابك بين المفردات والأفكار في النص يعبر عن جوانب ما بعد حداثية فمن خلال التشابك بين الأفكار والمفردات، تعبر الشاعرة عن تعقيد الحياة وتعددية الأبعاد التي يمكن أن تحتويها. حيث انه عصر تتميز فيه الحياة بالتعقيد والتحولات المستمرة. استخدمت الشاعرة في النص التشابك بين المفردات والأفكار، حيث يتم استخدام كلمات متعددة للتعبير عن فكرة واحدة، أو استخدام كلمات متشابهة للتعبير عن أفكار متعددة، وذلك للتعبير عن تعددية الأبعاد التي يمكن أن يحتويها الحياة. ومن أمثلة ذلك:
“لماذا
كلما علت اهازيج الفرح في شغاف القلب
أثرتَ فيه ريح الحنين

لتدثره باسرار الفراق وحكاياته الابدية

لتطمئنه بكل الخوف

و تخبيء الدموع لي في زوادتي اليومية؟”

حيث جمعت الشاعرة مفردات الفرح والحنين والحزن في نفس البيت الشعري لتخلق تشابكاً معقداً.

• ٢- الاستفهام والتساؤلات: استخدمت الشاعرة في النص العديد من الأسئلة والتساؤلات التي تعبر عن التفكير العميق والبحث عن الإجابات والحقائق في عصر تتميز فيه الحياة بالتعقيد والتحولات المستمرة. ومن أمثلة ذلك: هل يسعنا عبور الصراط ونحن نحمل الاسئلة؟ وأليس الرحيل هو المقصد الأول والأخير؟ وهل تنتهي الحياة بعد الموت؟ أليس الرحيل هو المقصد الأول والأخير؟ ولكن هل نعلم ما هو الرحيل وكيف يتم؟ حيث تقول في قصيدتها:

“و لماذا

 كلما همت سفني بطي اشرعتها

فتحتَ عباب البحر لاستقبال نفيرها

الن ترتاحَ راحلتي الا…

 في مرافيء الوداع؟!”

• ٣- الحرية في الشكل والتركيب: استخدمت الشاعرة في النص الشعري الحرية في الترتيب والتركيب، حيث لا يتبع النص الأشكال الشعرية التقليدية، بل يتميز بتفرد وابتكار في الترتيب والتركيب، وذلك للتعبير عن التعددية والتعقيد في الحياة المعاصرة. ومن أمثلة ذلك: هل يزيد الحزن ويصير الصمت أشد؟” حين تقول:

“لماذا 

كلما فتحتُ باباً للروحِ لتغادرَ حناياكَ

وجدتكَ واقفاً تلتحفُ الشغف

تعتصرُ الفصول لتريقها ترياقاً على جرحي

فتعيدُ الروح قبل عبورها صراط الرحيل؟!”

-وتقول ايضا

“خائنة هي نوارسك

ابعدَ ان اطعمتُها ما في زوادتي 

تتنكر لي؟!”

وبالإضافة إلى ذلك، يمكن القول إن استخدام الشاعرة لأسلوب الكتابة الحرة والتعبير الشخصي في النص يعد من التقنيات ما بعد حداثية، حيث يتم التعبير عن التجربة الشخصية للشاعرة ومشاعرها وأفكارها بطر بطريقة فريدة ومتميزة، دون الالتزام بالأشكال الشعرية التقليدية. وهذا يعبر عن تطور الشعر في العصر الحديث، حيث يتم التركيز على التعبير الشخصي والفردي وعدم الالتزام بالقواعد الصارمة في الشعر.

• استخدام التوقفات بشكل متقن لإعطاء القراء فرصة للتفكير والتأمل في المعاني والأفكار التي تطرحها. وتعزز هذه التوقفات الأجواء الحالمة التي يخلقها النص وتجعل القارئ يشعر بعمق الأحاسيس والمشاعر التي تعبر عنها الشاعرة. حيت يؤكد بيلي كولينز انه “لا يعد استخدام علامات الترقيم في الشعر مجرد مسألة اتباع القواعد، بل هو فن في حد ذاته. يعرف الشاعر الماهر كيفية استخدام النقاط والفواصل والعلامات الأخرى لإنشاء شعور بالتوتر والدراما والمعنى الذي يتجاوز الكلمات بذاتها.”

إن هذا النص الشعري يعتبر مثالًا رائعًا على قوة الأسئلة والنقاط والتوقفات في الشعر، وكيف يمكن استخدامها بشكل متقن لإيصال الرسالة الشعرية بشكل فعال ومعبر. وكيف تعزز فكرة أن الحياة ليست مجرد جملة من الأحداث والتجارب، بل هي أيضًا تجربة فكرية وروحية. وان استخدام النقاط والتوقفات تعبر عن الترقب والتفكير العميق في الحياة، وتعزز فكرة أن الحياة ليست مجرد جملة من الأحداث والتجارب، بل هي أيضًا تجربة فكرية وروحية وتعزيز فكرة تعددية الأبعاد والتعقيد في الحياة.

ولا يفوتني في النهاية ان هذه الخصائص نراها تظهر وبشكل متميز ومتواتر في غالبية قصائد الديوان وليس في هذه القصيدة مما يؤكد قصدية استعمالها من قبل الشاعرة وانها اتت بشكل احترافي بعيداً عن الصدفة.وهذا يأتي تأكيداً لقول ليزا راس سبار التي توضح ان “علامات التنقيط تلعب دورًا حاسمًا في الشعر، حيث تساعد على تشكيل الإيقاع والمعنى للكلمات. يمكن لفاصلة جيدة أو فاصلة منقوطة أن تخلق وقفة تسمح للقارئ بامتصاص معنى الكلمات، في حين يمكن لعلامة الاستفهام أن تضيف شعورًا بالشك أو الاستفسار إلى القصيدة.”

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 79614154
تصميم وتطوير