كتب كريم صبري
المعهود والواقعي اننا جميعا نسعي لنعيش حاضرنا، وطموحاتنا تتلخص في الإبحار بأحلامنا في كيفية التخطيط نحو ضمانات المستقبل ،بعد إرادة وقدر الله، ولكن يراودني دائما فكرة الهروب من ذلك الحاضر ، والتمرد على احلام ومخيلات المستقبل ، كل ماتمنيته هو العودة لزمن اقل وصف له “الزمن الجميل“.
نعم لم اعاصره، ولكن تعايشي مع أفراد عائلتي، مثل “جدتي ، عمي، ووالدي، وأمي” وحكاياتهم عن زكريات تمنيت أن اعاصرها وأتعايشها من جمالها ” تلك النفوس المطمئنة، و الوجوه التي تشع نورا، المتصالحة مع نفسها ومجتمعها ، والقلوب الصافية المتعافية من النفاق والرياء وأرواح لاتعرف ، الا الحب والعطاء .
تلك الأخلاق جذبتني بالتمني بالعيش في زمن الماضى بعبقة، وتاريخة، أحن إلى رومانسية أفلام الأبيض والأسود، و العفوية ، والصدق، إلى فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، القاهرة القديمة الجميلة التي كانت لا تضاهيها مدينة أخرى في العالم، جمعت على ارضها من جميع الأجناس والأعراق والمذاهب، و انتشرت اللغات المختلفة، ولكنها سرعان ما ذابت مفرادتها أمام لغتنا الجميلة علي الألسنة المصرية الطيبة، نجحت هذه الاجيال في نشر الصفات الحسنة عن المصريين من كرم وضيافة وترحاب لنتوارثها حتى الآن في تباهي وفخر أمام شعوب العالم.
والجاذب الأكبر في تمنياتي بالعودة للماضي، ماذكره التاريخ وتتحاكاه الاجيال السابقة من حريات غير مسبوقه، دون وجود لأى منازعات طائفية، او عرقية فكانت فترة الخمسينات العصر الذهبى لمصر، على الرغم من ان جميع المصريين لم يكونو متعلمين وقتها، إلا أن أفكارهم ومناقشاتهم ومظهرهم كان حضارى وكلاسيكى بدرجة كبيرة، فإذا رأيت حفلة لأم كلثوم، والقيت نظرة على الحضور ستجد جيلأ كنت تتمنى العيش معهم في هذا الزمان، لم يدخل التليفزيون مصر حتى عام 1960 ولذلك كان المصريون يستمعون وقتها الى الراديو ويقرأون الصحف والمجلات، ويعتمدون، على تلك الوسائل، كمصادر للمعرفة ومع ذلك كان المصريون وقتها مثقفون بدرجة كبيرة جدا، ومتحضرون.
حيث لا يوجد اى شى اخر يشغلهم عن القراءة والثقافة والفنون ، وكانت مصر واحدة من الدول الأكثر نظافة في العالم بالخمسنيات كانت تنظف شوارع القاهرة يوميا أما الأن هل يوجد مقارنة في أي شيء من حيث النظافة؟ الإجابة واضحة بشوارع القاهرة التي تمتلأ بالقمامة والنفايات حتى طريقة بناء البيوت والعمارات كانت شوارع القاهرة قديما نراها الان في شوارع وسط البلد تشبة باريس، وروما، بل وأجمل، أين ذهب هذا الزمن الجميل؟ اليوم عمارات بأرتفاعات شاهقة “ومسخ معمارى، لا فن، ولا ذوق، ولا مظهر جمالى، وفى الفن أيضا كانت كل بلاد العالم العربى تجيد التحدث باللهجة المصرية بسبب غزو السينما المصرية، ففي العصر الذهبى للسينما المصرية التي صنعها أبطال خلدة أسمائهم عبر التاريخ الى وقتنا هذا، أمثال يوسف بك وهبى، ونجيب الريحاني ، عندما كنا صغار كان أهلنا لايخشون علينا من مشاهدة فلم قديم، وحدنا نظرا لاحترام المادة والعرض المقدم، فلا يوجد لفظ خارج، ولا منظر اباحى.
أما الان فالأسفاف هو سبيل نجاح العمل الفني، نشاهد بفن الزمن الجميل ساعى البريد، أو موظف المحكمة ، او الفراش الذي يرتدى الزي الرسمي الخاص به في منتهى الأناقة، والشياكة، تشعر بأنه على درجة مدير عام، ترى طلاب المدارس في غاية الالتزام، والمدرس في غاية الهيبة والمهنية، ، فأين ذهب هذا الزمن؟
هذا ما جعلني اقول “الماضي حلم المستقبل الذي لايتكرر”.
التعليقات
كلام رائع كلنا محتاجين هذا الزمن من زكريات جميله دلوقتى فقدنا الجو الأسري بنتجمع فى بيت واحد لاكن كل فرد من اسرتنا ليه تفكيره وحياته التكنولوجيا دخلت بيتنا ضيعت الاحتواء الأسرى والامه كلامك فكرنى بزمن عشته فى بيت اهلى