بقلم _ عزة مصطفى
فى صحن البيت الكبير حيث أشعة الشمس ترمى سهامها الملتهبة وتهب نسمات الصيف محملة برائحة الزرع المجاور , وحيث تعشش الحمامات بجوار الجدار البحرى الذى لا تنال منه الشمس.
وبالجانب الآخر الفرن الطينى الذى تفوح منه رائحة الخبز الشهى والفطائر التى تصنعها الجدة خصيصاً للأحفاد.
كان يجلس متجنباً قيظ الظهيرة , وجهه خارطة للزمن وانحناءة ظهره تبوح بشقاء السنين.
يتنحنح كى يلتقط نفساً عميقاً ويمازح الصغار الذين يلتفون حوله بفرحة غامرة سألته طفلة ابنه المسافر :
لماذا شاربك كبير هكذا ياجدى ؟
رد متصنعاً الجدية : لأن النساء تخاف من الرجال الذين يملكون شوارب كبيرة.
التفتت الطفلة ببراءة إلى جدتها وسألتها : هل تخافين من جدى بسبب شاربه.
ضحكت الجدة وهزت رأسها وهى ترمقه بنظرة شفقة لم يفهمها الصغار.
هذا هو اليوم الأسبوعى الذى يجمع فيه أحفاده فيصنع لهم الطعام الشهى ويحكى لهم حكايات الزمن البعيد فيتشوقون لذلك اليوم ويتنافسون على الحضور باكراً.
هذه المرة وجهه شاحب ويلتقط أنفاسه بصعوبة كقطار قديم أنهكه طول السفر فوق قضبان لا تنتهى.
كان يرنو إليهم بحنان مكتوم ويطلق سعال متقطع تتسارع فيه دقات قلبه وتتوقف أنفاسه فيلتقطها بصعوبة.
ها هى سنوات الشقاء تجتمع فى صدره.
عمله فى الحقل لساعات طويلة جمعه للمحصول فى البرد والحر رحلته اليومية إلى السوق ليبيع ويشترى يشعر إن القطار على وشك التوقف.
تفوح رائحة الخبز الساخن والفطائر المشبعة بالزبدة الفلاحى فيلهث خلفها الصغار ويقفون بجوار الفرن يتلقفون ما يخرج منها.
وحدها الجدة من تعرف ما به وكلما نظرت إليه اغرورقت عيناها بالدموع فتستدير ناحية الفرن الحارقة غارقة فى عرق النهار الصيفى.
وفى نوبة من نوبات السعال الطويلة نادى عليها ” أن اقتربى ” شعرت بصوته يقتلع قلبها من مكانه ففزعت إليه مد لها يده فأمسكتها بقوة وهى تغمرها بالقبلات وتغسلها بالدموع حتى ارتخت بين يديها.
صرخت الجدة وهج الحمام ووقع الخبز من أيدى الصغار.
التعليقات
القاصة الكبيرة عزة مصطفى قلم متميز وواعى وخيال رائع عمل قصصى متكامل سعيدة جدا بعملك الابداعى وانتظر القادم بشغف