قانوني يكشف أثر فيروس كورونا علي الالتزامات التعاقدية
عبدالعزيز محسن
ألقت جائحة «كورونا» التي تضرب العالم بظلالها على الالتزامات التعاقدية سواء بين الأفراد أو الشركات، وللحوادث الطارئة والظروف القاهرة أثر مباشر عليها، فعندما يحدث أمر طارئ غير متوقع يجعل من تنفيذ أحد الأطراف لالتزاماته أمرا صعبا، أو تحل قوة قاهرة تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلًا، وهنا تتدخل التشريعات وتضع الآليات القانونية لرد الالتزامات إلى حالتها المتعادلة وتحقيق التوازن الاقتصادي للعقد.
مما يدعو الى التساؤل هل وجب فى هذا الصدد تطبيق نص الفقرة الثانية من المادة 147 مدنى بشأن الحوادث الاستثنائية الطارئة غير المتوقعة من حيث ان التزامات المستأجرين تجاه المؤجر وتجاه المصالح الحكومية ؟
حيث صارت مرهقة لحدوث خسائر غير متوقعة باعتبار ان فيروس كورونا حادث طارئ استثنائى ويعد قوة قاهرة غير متوقعة .
يقول عبدالعزيز حسين عبد العزيز المحامي بالنقض والادارية العليا، أن الفقرة الثانية من المادة 147 مدني نصت على مثل هذا الأمر وتركت تقدير القوة القاهرة والحادث الاستثنائى لقاضى الموضوع وموازنة صيرورة الالتزام مرهقا من عدمه وموازنة مصلحة طرفى التعاقد .
ويضيف عبد العزيز في تصريحات خاصة للبيان ، أن الماده 147 نصت علي أن :العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا بإتفاق الطرفين، أو للأسباب التى يقررها القانون ، ومع ذلك إذا طرأت حوادث إستثنائية عامة لم يكن فى الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدى، وإن لم يصبح مستحيلا، صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضى تبعا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الإلتزام المرهق إلى الحد المعقول، ويقع باطلا كل إتفاق على خلاف ذلك.
ويتابع المحامي بالنقض ، أنه اذا كانت نظرية الطوارئ غير المتوقعة تستجيب لحاجة ملحة تقتضيها العدالة، فهى تستهدف للعقد بإعتبارها مدخلا لتحكم القاضى، بيد ان المشرع قد جهد فى ان يكفل لها نصيبا من الإستقرار، فأضفى عليها صبغة مادية، يتجلى اثرها فى تحديد الطارئ غير المتوقع، وفى اعمال الجزاء الذى يترتب على قيامه، لم يترك امر هذا الطارئ للقضاء يقدره تقديرا ذاتيا أو شخصيا، بلا اتخذ من عبارة: (ان اقتضت العدالة ذلك) بديلا.
وهى عبارة تحمل فى ثناياها معنى الاشارة الى توجيه موضوعى النزعة، وفضلا عن ذلك، فإذا تثبت القاضى من قيام الطارئ غير المتوقع وعمد الى اعمال الجزاء بانقاص الإلتزام الذى اصبح يجاوز السعة، فهو ينقض منه الى (الحد المنقول، وهذا قيد اخر مادى الصبغة).
ويؤكد عبد العزيز ،ان نظرية الطوارئ غير المتوقعة نظرية حديثة النشأة، اسفر التطور عن اقامتها الى جانب النظرية التقليدية للقوة القاهرة دون ان تكون صورة منها، فمن الاهمية بمكان ان تستبين وجوه التفرقة بين النظريتين، فالطارئ غير المتوقع تنتظمه مع القوة القاهرة فكرة المفاجأة والحتم، ولكنه يفترق عنها فى اثره فى تنفيذ الإلتزام، فهو لا يجعل هذا التنفيذ مستحيلا، بل يجعله مرهقا يجاوز السعة، دون ان يبلغ به حد الاستحالة، ويستتبع ذلك قيام فارق اخر يتصل بالجزاء، فالقوة القاهرة تقضى الى انقضاء الإلتزام، وعلى هذا النحو يتحمل الدائن تبعتا كاملة، اما الطارئ غير المتوقع فلا يترتب عليه الا انقضاء الإلتزام الى الحد المعقول، وبذلك يتقاسم الدائن والمدين تبعته.
ويشير عبدالعزيز ، الي ملاحظات ثلاث:
(أ) فيلاحظ اولا ان نظرية الطوارئ غير المتوقعة ليست على وجه الاعمال الا بسطة فى نطاق نظرية الاستغلال، فالغبن إذا عاصر انعقاد العقد (وهو الاستغلال) أو كان لاحقا له (وهى حالة الحادث غير المتوقع) لا يعدم اثره فيما يكون للتعاقد من قوة الإلزام، فقد يكون سببا فى بطلانه أو فى انقاصه على الاقل.
(ب) ويلاحظ من ناحية اخرى ان نظرية الطوارئ غير المتوقعة تقيم ضربا من ضروب التوازن بين تنفيذ الإلتزام التعاقدى تنفيذا عينيا، وتنفيذه من طريق التعويض… ويجوز بفضل هذه النظرية ان يقتصر التنفيذ العينى الى حد بعيد على ما كان فى الوسع ان يتوقع عقلا وقت انعقاد العقد.
(ج) ويراعى اخيرا ان تطبيق نظرية الطوارئ غير المتوقعة ونظرية الاستغلال يخرج بالقاضى من حدود المألوف فى رسالته، فهو يقتصر على تفسير التعاقد، بل يجاوز ذلك الى تعديله.
التعليقات