خـالـد جــزر
سنه تلو الأخرى وتفوح سيرته العطره، ويزداد العالم تقارب من شخصية منحها الله الموهبة، ممزوجة بالإنسانية والطيبة والتصالح مع النفس، ذاع صيته مطربًا وممثلًا، مع بداياته في عام 1951 وحتى يومنا هذا وعلى مدي 7 عقود، جيل ورائه جيل تتغير الأفكار، ويتطور الإيقاع، وتبقى الاذان تصغي لكلماته، والقلوب العاشقة تفرح و تهوى أغانيه، وعيون تدمع، ووجه تبتسم لمشاهدتهم لأدواره السينمائية، أنه عبد الحليم على إسماعيل شبانة، المُلقب بـ “العندليب الأسمر”، ذلك الفنان الذي نحتفي بذكراه السنوية الـ43 لنجد إرثا كبيرا من الأعمال الخيرية التي يتباها بها أبناء “الحلوات” وهي قريته ومسقط رأسه بمركز الإبراهيمية في محافظة الشرقية..
ولد “عبد الحليم حافظ ” في 21 يونيو 1929 في قرية الحلوات بمحافظة الشرقية وهو الابن الأصغر بين أربعة إخوة هم إسماعيل ومحمد وعلية، توفيت والدته بعد ولادته بـ6 اياما وقبل أن يتم عامه الأول توفي والده، وفي سن 7 سنوات ترك القرية، وأخذه خاله احد موظفي بنك التسليف الزراعى وتدرج دراسيًا حتى التحق بمعهد الموسيقى العربية قسم التلحين عام 1943، وبعد تخرجه، عمل 4 سنوات مدرسًا للموسيقى بطنطا ثم الزقازيق وأخيرا بالقاهرة، وبعدها قدم استقالته من التدريس والتحق بفرقة الإذاعة الموسيقية عازفا على آله الأوبوا عام 1950، لينطلق بعدها مقدمًا اكثر من 230 أغنية بالأضافة الي العديد من الأفلام السينمائية، والأغاني الوطنية والدينية..
سيرة “العندليب” مفخرة لكل أبناء محافظة الشرقية، ومثل يحتذى به ويدرسه خبراء التنمية البشرية، كيف تحدي ظروف يتمه للأب والأم، وعاش طفولته يتنقل هنا، وهناك، ومع نجاحه وشهرته، يطارده الموت بمرض لعين ليس له علاج في ذلك الوقت، ولكنه تحدي كل هذا ليسعد الملايين، فعلى مدى عقود مضت وسنوات أخرى قادمة، و حكاياته لن تنتهي، شهر فبراير من كل عام تفوح ريحانة مواقفه الإنسانية ويترحم على روحه الألاف يوميًا على إرث تركه جعلنا نقول نحن أمام نموذج إنسان وفنان صادق.
“العندليب” أرسى اخلاقًا بين شباب القرية يتوارثها الأجيال بما يتناقله الأباء والأجداد عن أفعاله الخيرية التي قدمها واصبحت ذكراه الخالدة التي تضاف للسجل الفني والوطني الحافل خلال حياته، رغمًا عن شهرته وانشغاله، وظروفه الصحية، وسفره الدائم خارج مصر فلم ينسى اهل قريته ومسقط رأسه قط، فحكيٰ بأنه زار “الحلوات” أكثر من خمسة مرات..
ماقدمه “العندليب” لأهل قريته الحلوات ومحافظته الشرقية أصبح قصة إنتماء وعشق للأصول، فكانت تبرعاته، وحفلاته التي خصص عائدها لصالح إنشاء جامعة الزقازيق، وكذلك أدخل المياه والكهرباء لقريته “الحلوات” في الشرقية على نفقته الخاصة، بالإضافة لبناء وحدة صحية لعلاج الأمراض المستوطنة والبلهارسيا ومشاكل الكبد والجهاز الهضمي، وايضًا أسس معهدًا أزهرياً في موطن نشأته “الحلوات”، بنى مسجد الفتح بمدينة الزقازيق، ومسجدين الفردوس والمشايخ بقريته على نفقته الخاصة، وتكفل بمصروفات الطلاب الراغبين في الالتحاق بالتعليم الجامعي، ورعي الأرامل والايتام، وهذا ما جعل شباب قريته ينظمون حملة تطوعية تحت مسمى “اكرموهم” وانشأو تمثالًا بمدخل القرية وألواح من الرخام تحمل أعماله الفنية والخيرية واوسامته وأشهر أغانيه الوطنية.
ويُذكر بأن ثورة 23 يوليو أحد أبرز أسباب ظهور العندليب الراحل عبدالحليم حافظ، وحصوله على فرصة حقيقية، وهو ما جعله دائما يوجه أعمال الخير التى يفعلها لصالح الجيش، بما قدمه من حفلات خيرية وخصص إيراداتها لصالح المجهود الحربي، كما أنه غنى للجنود والضباط على الجبهة أكثر من مرة، ومن عشقه لبلاده زار مصابي الحروب من الجيش والمدنيين، كما أنه نظم حفلة سنوية لمعونة الشتاء وقدم إيراداتها تبرعاً للمتضررين..
توفي العندليب الأسمر يوم الأربعاء في 30 مارس 1977 في لندن عن عمر يناهز الثمانية والأربعين عاما، والسبب الأساسي في وفاته هو الدم الملوث الذي نقل إليه حاملا معه التهاب كبدي فيروسي فيروس سى الذي تعذر علاجه مع وجود تليف في الكبد ناتج عن إصابته بداء البلهارسيا منذ الصغر، ليصبح إنسانًا تفتح ملف ذكراه كل عاما بما قدمه، لأهل قريته الحلوات ومحافظته الشرقية، ومصر جيشًا وفن وسمعة طيبة.
التعليقات