نجل أصغر ثائر في ثورة 19 : القدر والحزن على وفاة والده جعل منه أصغر ثائر
الشيخ صالح عبدالرازق حامل “أصغر ثائر” على أكتافه : كاد أن “يخلع عظام صدرى ” بسبب هتافه
تحقيق : أحمد رجب رشدى
المنيا”عروس الصعيد” مدينةٌ تزهو العيونُ بنورهــــــــــا ولحسنها يفدُ البعـــيدُ النائـي ، لها في الصعيد مكانة مرموقـــة هي درة التاج ومفخر الشعـراءِ ، يا منيـة “الفولي” وأرض “القرطبيّ أنتِ المـلاذ ومقــصدُ العلمــاءِ ، لكى في التاريخ وقائعٌ وضـــــاءةٌ أنت العروسُ ولا عروس غيرك في الأرض بل أنتِ الثّريا في السماءِ ، منياه طالَ الشوقُ لا من غربـــةٍ بل رغبـــة ومحبــة ورجــاءِ . وفى 18 مارس من كل عام تحتفل المنيا بعيدها القومى لوقوفها فى وجه الاحتلال الإنجليزي فى حين أن بعض الدول الكبرى لم تستطيع الوقوف أمام تتار الانجليز التي كانت تسمى (المملكة التي كانت لا تغيب عنها الشمس) ، فبعد اندلاع ثورة 1919 فى القاهرة وامتدادها شمالاً وجنوباً حتى وصلت الى محافظة المنيا أستطاع أهالي ديرمواس وملوى التصدى لأحد القطارات التى كانت تقل عدداً من الضباط والجنود الانجليز ونجحوا فى قطع خطوط السكك الحديدية وإحراق القطار وقتل عشرين مسلحاً من قوات الاحتلال على رأسهم ( بوب ) مفتش السجون الانجليزية . وانضم للثورة من مغاغة شمال المنيا خطيب الثورة الشيخ مصطفى القاياتى ، وقد شارك الاهالى بمغاغة بعض المواطنين الأجانب اعتراضا على تصرفات الانجليز الوحشية ضد مواطني المنيا ورفضة الجلاء عن مصر ومنحها حق تقرير المصير الى الثوار و تعرية لموقف المحتل الإنجليزي ووسط هذا المشهد الضبابى يخرج علينا أصغر ثائر بهذه الثورة المجيدة .
“البيان ” تفتح الصفحة التي لم توجد في كتب التاريخ ولكنها توجد في ملف أسرار الثورة التي يمكن جمعها من الذين عاصور هذه الحقبة من تاريخ مصر او من قلوب أبنائهم المخلصين والمحبين لهذا الوطن لذلك ننفرد بحوار مع نجل أصغر ثائر بثورة 19 .
وفى البداية يقول الأستاذ المحامى ممدوح الشعيبى(نجل أصغر ثائر في ثورة 19) : والدى هو عبدالمحسن خليفة الشعيبى من مواليد عام 1913 بقرية أطنيه بمدينة مغاغة شمال المنيا وكانت الاسرة متوسطة الحال من ناحية الثراء وكثيرة العدد فأخوته سبعة رجال ولم يكن له أخت و توفى والده فى سنة 1919 .
وكان متعلقاً بوالده وبسبب حزنه عليه الشديد ووجود اخوته ابو بكر و محمد اللذان كان يدرسان بالأزهر الشريف بالقاهرة ، فأرادت والدته ان تخفف عنه فقده لأبيه وترسله لهم في القاهرة ، وبما أن السكة الحديد كانت معطلة لان الثوار قد رفعوا القضبان ودمروها وكانت حركة سير السيارات معطلة أيضاً ولم يكن هناك وسيلة مواصلات سوى المراكب الشراعية بالنيل ، ورغم ان عبدالمحسن كان اصغر اخوته السبعة لم يمنع والدته التى كانت مصممة على ان يسافر الى القاهرة حتى يسرى عن نفسه ويخرج من حالة الحزن التي سيطرت عليه فقامت بتوديعه و تسلمه لاحد ابناء القرية “بلدياته” كما يقال عندنا بالصعيد .
وركبا المركب الشراعي وبعد ثلاثة ايام من الابحار وصلوا الى القاهرة وتوجها إلى حى يسمى قلعة الكبش وهو حى قديم بالقرب من الدراسة وقلعة صلاح الدين حيث كان يسكن به معظم طلاب الازهر الوافدين من المديريات المختلفة ،وبعد الوصول إلى الحجرة التى كان يسكن بها اخوته لم يفتح لهما احد مما زاد حزن الصغير ، فتوجها الى حجرة الشيخ صالح عبد الرازق وهو والد الشيخ محمد صالح مأذون مغاغة ، وبالفعل وجدوه داخل حجرته واخبرهم ان الاخوين فى المظاهرات ، فبكى الصغير بكاء مراً لأنه لم يرى اخوته وبسبب البكاء المتكرر تأثر الشيخ صالح وبلدياته الذى سلمه الأمانة فخرج هو والصغير الى حيث اخوته فوجد المظاهرة قد تحركت من الازهر ووجدوا طوفان من البشر يهتف (سعد سعد تحيا سعد….الاستقلال التام او الموت الزؤام ) .
فخاف الشيخ صالح على الطفل ان تدهسه اقدام المتظاهرين فقام بحمله على أكتافه ، ومن شدة المنظر تفاعل الصغير مع الهتافات فاخذ يهتف معهم بذات الهتافات ولكن الأكثر عجباً انه كان يضرب بقدميه صدر الشيخ صالح كلما هتف الى الحد الذى وصفه الشيخ صالح بانه “خلع عظام صدره ” ، فكان والدى بذلك اصغر ثائر فى ثورة 1919.
وأكد “الشعيبى” أن والده انهى التعليم الابتدائي وكان يسمى التعليم الاولى ثم بدأ حياته فى التجارة والزراعة ، ثم عين شيخاً للقرية ثم اميناً للاتحاد القومى ثم اميناً للاتحاد الاشتراكي ، وكان يحفظ بعض الشعر بالعربية والإنجليزية و كان يصالح الناس فى بيوتهم وهو عمدة “ولم يطلب من خفير ان يحضر أحدا لمنزله ” ، وتم انتخابه عمدة لناحية اطنيه لمدة 30 عاماً ، وكان يرعى بقرته الى الحقل وكان يعشق سيرة سيدنا عمر ابن الخطاب فى تواضعه وعدله والجميع فى قريتنا وكبار السن يحفظون قصص تواضعه وكيف ان السلام كان يعم القرية فى حياته وقد ختمها ولياً من اولياء الله ولم يترك صلاة الفجر صيفاً او شتاءاً ولم يقعده بلوغه الثمانين عن ذلك حتى تُوفى الى رحمة مولاه سنة 2000 والجميع يترحم عليه حتى الان .
وأوضح “الشعيبى ” أو كما يطلق عليه بمغاغة “الأستاذ” أنه : لم يكن والده إلا اصغر ثائر فى ثورة 1919وساقه القدر الى ذلك وانما كان اعمامه الشيخ ابوبكر والشيخ محمد من قيادات طلبة الازهر فى تلك الثورة ولكن لم يكونوا من اعمدتها .
التعليقات
رحمة الله عليك ابي الحاج عبدالمحسن واسكنه فسيح جناته ورحم الله اخوه وصديقه ابي السيد الفولي اللهم اغفر لهم وارحمهم هم وابانا وأمهاتنا وجميع اموات المسلمين امين