كتب -أسامة خليل
يُعد فانوس رمضان أحد أبرز رموز الاحتفال بالشهر الفضيل، إذ يحمل بين طياته عبق التاريخ وروح الطقوس التي توارثها المسلمون عبر الأجيال. فمنذ آلاف السنين، تزيّن المنازل والشوارع بهذا الفانوس الذي تحول مع مرور الوقت من قطعة معدنية تقليدية إلى رمز عصري يتنوع بين الخشب والمعدن والبلاستيك، دون أن يفقد جوهره الذي يعبّر عن فرحة استقباله.
أسرار وأصول فانوس رمضان: ثلاث روايات تاريخية
1. خليفة الليل ورؤية الهلال:
تُحكى إحدى الروايات أن الخليفة الفاطمي كان يخرُج في ليالي الرؤية لاستطلاع هلال رمضان، فيرافقه الأطفال حاملين فوانيسهم المضيئة، ليضيؤوا له الطريق. وفي تلك اللحظات السحرية، كانت أصوات الأطفال تعلو بأغاني الفرح والابتهاج بقدوم الشهر الكريم.
2. إنارة شوارع القاهرة:
وفق رواية أخرى، أمر أحد الخلفاء الفاطميين بتعليق فوانيس مضاءة بالشموع على واجهات المساجد والمنازل في القاهرة، بهدف إنارة شوارع المدينة خلال ليالي رمضان. هذا الإجراء لم يضفِ بعداً جمالياً فحسب، بل ساهم في إرساء عادة بصرية أصبحت فيما بعد جزءاً لا يتجزأ من الاحتفالات الرمضانية.
3. حماية المرأة وتطويق الطريق:
تروي رواية ثالثة أن في العصر الفاطمي كانت النساء ممنوعات من الخروج إلا خلال رمضان، فيسبقهن غلام يحمل فانوساً لتنبيه المارة بوجود سيدة على الطريق، ليضمن بذلك سلامة المشاة. ومع مرور الزمن وتحرر النساء من تلك القيود، تحوّل هذا التقليد إلى عادة رمضانية يحتفل بها الجميع، حيث يتسابق الأطفال في حمل الفوانيس وإحياء الأغاني الشعبية.
فانوس رمضان في زمننا الحديث
مع انبثاق كل موسم رمضاني، تكتسح أجواء الفرح الأسواق، إذ يبدأ الباعة بفرش بضاعتهم من أول أيام شعبان، عارضين تشكيلات متنوعة من الفوانيس التي تناسب كل الأذواق والميزانيات.
ففي محافظة المنيا، تنتشر المعارض التي تضم فوانيس تقليدية وحديثة، إلى جانب زينة وألعاب موسيقية تُضفي على الأجواء بهجة لا تضاهى.
وأوضح التجار أن الأسعار لهذا العام تتراوح بين 45 جنيهًا للفانوس البسيط و300 جنيه للفوانيس الأعلى جودة، مما يعكس توازناً بين الحفاظ على التراث واستقبال متطلبات العصر.
ولا تقتصر هذه الاحتفالات على الأطفال فحسب، بل يمتد الشغف بشراء الفوانيس كهدايا رمضانية تبعث على البهجة في قلوب الجميع.
“وحوي يا وحوي”: من أغنية فرعونية إلى تراث رمضاني
لا يُمكن الحديث عن فانوس رمضان دون الإشارة إلى أغنية “وحوي يا وحوي”، التي تعود جذورها إلى الحضارة المصرية القديمة؛ إذ كانت كلمة “أيوح” تعني القمر، وتُردد كتحية لإشراقه. تطورت هذه الأغنية مع العصر الفاطمي لتصبح تعبيراً احتفالياً بقدوم هلال رمضان، حيث يستمر ترديدها في أرجاء الشوارع كرمز للفرح والبهجة، مستذكراً تراثاً يعود لأزمان الفراعنة حين كان القمر يُعرف باسم “إحع”.
خاتمة
من حكايات الخليفة المرافق لأطفال الليل إلى شوارع القاهرة المضاءة بفوانيس الشموع، ومن قصص حماية المرأة إلى تراث الأغاني الفرعونية، يبقى فانوس رمضان شاهداً حيّاً على تقاليد عريقة تتجدد مع كل شهر. إنه رمز يحتضن بين أضوائه قصة حضارات متعاقبة، ليظل منارة تُنير ليالي رمضان وتجمع قلوب المسلمين في احتفالاتها الدافئة.