Site icon جريدة البيان

عماد عنان يكتب : هل تنجح انتخابات لبنان في كسر حاجز الطائفية؟

بعد انتظار دام نحو عقدين تقريبًا، هاهم اللبنانيون يتوجهون صوب صناديق الاقتراع لانتخاب 128 نائباً من بين 597 مرشحاً بينهم 86 امرأة، منضوين في 77 لائحة، على أمل تشكيل برلمان قادر على تقديم حلول للانقسامات السياسية والمشاكل الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها لبنان.

 

 

صناديق الاقتراع فتحت أبوابها عند السابعة صباح اليوم الأحد، أمام 3.7 ملايين ناخب مسجل، في 1880 مركز اقتراع موزعة على 15 دائرة انتخابية، وسط استعدادات أمنية وعسكرية مكثفة تراوحت ما بين 20 – 30 ألف جندي وفق ما أعلنته وزارة الداخلية.

 

 

تأتي الانتخابات التي تأخر موعدها سنوات عدة في وقت تتصاعد فيه التوترات الإقليمية التي تورطت فيها لبنان رغما عنها بفعل تركيبتها الطائفية، هذا بخلاف تصاعد الغضب الشعبي حيال أداء الحكومة الحالية التي فشلت في تحقيق الحد الأدني من المطالب الجماهيرية.

 

 

بعد مرور ما يقرب من 3 عقود على توقيع اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان، أصوات عدة خرجت لتطالب بتطبيق أحد أبرز بنود هذا الاتفاق وهو القضاء على فكرة الطائفية التي مزقت البلاد لسنوات طويلة، فيما يؤمل آخرون على الانتخابات الحالية في كسر هذه الحالة وتغيير المشهد السياي بتركيبته الحالية التي تتقاسم فيها الطوائف الدينية زعامات وقيادة الدولة.

 

 

تيار مدني ليبرالي

 

قبيل إجراء الانتخابات تصاعدت بعض الأصوات التي تنادي بتجاوز النظام الطائفي والقضاء على مبدأ المحاصصة السياسية في لبنان على أساس طائفي، والعمل على إنتاج صيغة جديدة للمشهد السياسي داخليًا قوامه الليبرالية والعلمانية في أجواء ديمقراطية، في وقت يعاني فيه الشارع اللبناني من موجات احتقان سياسي غير مسبوقة خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي فرضت نفسها على الساحة الإقليمية والتي باتت لبنان طرفًا أساسيًا فيها بحكم خارطتها الطائفية.

 

 

تلك الأصوات نجحت في تدشين تيار جديد يقوم على مثقفين وأساتذة جامعات وموظفين وعمال يرون أن مستقبل لبنان لايمكن أن يكون مضموناً إلا بإلغاء المحاصصة الطائفية وإقامة نظام يعتمد الدولة المدنية والمواطنة أساساً للحكم، هذا التيار استطاع في أوقات سابقة في التصدي لفساد الطبقة السياسية الحاكمة أكثر من مرة من خلال عدد من التظاهرات في مختلف أنحاء لبنان.

 

 

مبدأين أساسيين يقوم التيار المدني الليبرالي الجديد عليهما كمرحلة أولية نحو تدشين مرحلة جديدة من الحياة السياسية في لبنان، الأول: اعتماد النظام الانتخابي النسبي في عموم لبنان، كأن تتحول الدولة كلها إلى دائرة انتخاب واحدة، الثاني: أن يكون الانتخاب من خارج القيد الطائفي.

 

 

والملاحظ أن هذين المبدأين يعدا في الأساس تطبيق لاتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية عام 1989 والذي يقضي في أحد بنوده بإنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، والتي لم تنشأ حتى الآن رغم مرور أكثر من 30 عاماً على الاتفاق، فيما عزاه البعض إلى رفض الطبقة السياسية الحاكمة تنفيذه كونه يهدد مصالحها بشكل مباشر.

 

 

الدعوات لكسر حالة الطائفية ليست بالجديدة على الشارع اللبناني، فهي لم تكون الأولى ولن تصبح الأخيرة، إلا أنها بدأت تكتسب زخمًا كبيرًا كلما اقترب موعد الانتخابات، في الوقت الذي يرتفع فيه سقف طموحات البعض في إحداث تغيير جذري داخل البنية الداخلية يخرج لبنان من دائرة ارتهان قرارها السياسي بتيارات بعينها، إلى آفاق الاستقلال السياسي استنادا إلى مصالح الدولة والشعب بعيدًا عن الطوائف.

 

 

المزاج العام في لبنان يتفق على أن هناك طبقة سياسية يجب تغييرها، تلك الطبقة التي تستند في ثقلها على نفوذها الطائفي، وتسعى إلى توظيف المشهد برمته لصالح أهدافها ومصالحها الضيقة دون اعتبار لباقي جموع الشعب اللبناني الذي يدفع وحده ثمن هذا التناحر.

 

 

فالناخب اللبناني يتفهم وبشكل كبير مواقف ودوافع تلك المجموعات التي تتخذ من المدنية والليبرالية الجديدة منهجا لها، بل وفي كثير من الأحيان يشاركها مطالبها، ما خلق رؤية شبه عامة متفق عليها من قطاع كبير من اللبنانيين بضرورة تفعيل تلك التحركات على أمل إحداث أي تغيير ينتشل لبنان من براثن الطائفية الغارقة فيه لسنوات طويلة.

 

 

عراقيل ومعوقات

 

رغم تفهم اللبنانيين التام لدوافع هذا التيار الجديد، إلا أن الواقع شيئًا مختلفًا، فمع اقتراب موعد الانتخابات يلاحظ أن أغلبية المواطنين ينتخبون إما على أساس الطائفة والمذهب أو على أساس المصالح الخاصة، فالصوت الذي يذهب إلى الصندوق يكون لواحد من اثنين: صوت لمرشح الطائفة التي ينتمي لها الناخب، أو صوت لمن يقدم مصلحة خاصة، أموال كانت أو خدمات أو وعود بتحقيق مصالح.. الخ

 

 

هذه الظاهرة تتنامى بشكل واضح في غياب الدولة الفاعلة التي يفترض أن تؤمن مصالح جميع المواطنين، وهو ما يساعد على بروز دور القيادات الطائفية، فالمواطن حين يفشل في تحقيق مصلحة ما في الوقت الذي سحبت فيه الحكومة يدها، ليس أمامه سوى زعيم الطائفة في المنطقة التابع لها لإنهاء مصلحته، ومن ثم لزم عليه انتخابه أو انتخاب من يرشحه، حتى وإن لم يكن مقتنع به على المستوى الشخصي.

 

 

 

الأمر لم يقتصر على هذا وفقط، بل إن دعوات مدنية ولبرلة المجتمع اللبناني لم تمر مرور الكرام، إذ تم التصدي لها بشتى السبل لإثناء أصحابها على التراجع، خاصة وأن المضي قدما في هذا الطريق ربما يهدد مصالح الزعامات والقيادات الطائفية في لبنان وهو ما لن تقبله في هذه المرحلة على الإطلاق.

 

 

عقبة أخرى ربما تعيق عمل تلك المجموعات المدنية، وهي افتقادها للشخصيات البارزة القادرةعلى القيادة، إذ أن معظم الشخصيات السياسية البارزة في لبنان منغمسة في النظام الطائفي فهي إما داخل السلطة أو تحاول الدخول إلى السلطة ومن يخرج عن هذا الإطار يواجه الكثير من المشكلات.

 

 

علاوة على ذلك، يعاني هذا التيار من تفرق أعضاءه وتشتت مجموعاته وعدم توحدهم على قلب رجل واحد، ولعل الانتخابات الحالية كشفت عن هذا العوار بشكل كبير.

 

 

، إذ أنهم لم يتعاونوا لتقدم لوائح مشتركة لهذه الانتخابات كما أنهم غير قادرين على إسماع صوتهم بشكل واضح لعدم وجود التمويل اللازم.

 

 

هل يفعلها اللبنانيون؟

 

 

يؤمل الكثير من اللبنانيين على قانون الانتخاب الجديد رغم ما به من قنابل موقوتة، كونه يُدخل لبنان في عصر النسبية في التمثيل النيابي، وهو ما كان يفتقده الشارع السياسي اللبناني خلال السنوات الماضية، حيث كانت القائمة الانتخابية التي تنال الأكثرية زائد واحد كانت تحظى بغالبية المقاعد، وتحمل أحيانًا إلى المجلس النيابي ممثلين عن الشعب شبه مجهولين، ولا يتمتعون بأي كفاية سوى الولاء المطلق للزعيم السياسي.

 

 

البعض يرى أن أحد أبرز ايجابيات القانون الجديد إسقاطه قاعدة اللائحة الواحدة الفائزة، التي غالبًا ما صنعت الطبقة السياسية وحفظت استمرارها، ومكّنتها من الإمساك بالسلطة وفرض قوانين الانتخاب المتعاقبة، حتى تحولت المقاعد النيابية إلى إرث يورثه الأعضاء إلى أبنائهم وذويهم بصرف النظر عن الكفاءة وتحمل المسؤولية.

 

 

ورغم ما تذهب إليه بعض المؤشرات بشأن أن نتائج الانتخابات القادمة لن تشهد تغييرًا كبيرًا عن سابقتها رغم تغير النظام الانتخابي هذا بخلاف العراقيل المتعددة التي تحول بين التيار المدني الليبرالي الجديد وبين الشعب اللبناني، غير أن نجاح شخصين أو ثلاثة من هذا التيار ربما يكون نواة حقيقية لتدشين موجة قوية قادرة خلال المرحلة المقبلة على إحداث حراك حقيقي يكسر حالة الطائفية التي سيطرت على المشهد اللبناني برمته لعقود طويلة.

Exit mobile version