السبت الموافق 14 - ديسمبر - 2024م

عماد عنان يكتب: هل تغسل كورونا سمعة الشيوعية الصينية؟

عماد عنان يكتب: هل تغسل كورونا سمعة الشيوعية الصينية؟

كافة التوقعات كانت تشير مع بداية الإعلان عن اكتشاف فيروس كورونا الجديد (Covid-19) في ولاية ووهان الصينية، ديسمبر الماضي، أن الأمور بات من الصعب السيطرة عليها، لاسيما بعد القفزات السريعة التي قفزها الفيروس في الانتشار داخل ولايات الصين المختلفة.

 

القرارات التالية لتفشي الوباء من وقف عجلة الانتاج لعشرات المصانع والشركات العالمية في الصين كان لها أسوأ الأثر على الاقتصاد العالمي الذي بدأ يتعرض لهزة عنيفة، كثر معها الحديث عن بداية النهاية للإمبراطورية الاقتصادية الصينية، وأثير معها سجال إعلامي عن تورط أمريكي في حرب بيولوجية يستهدف بها التنين الصيني في سياق الحرب التجارية بين البلدين.

 

ثلاثة أشهر كاملة قضتها السلطات الصينية منكفأة على نفسها، فيما أثارت الأرقام المعلنة عن عدد الإصابات ومعدل الوفيات القلق والهلع لدى بقية دول العالم، لكن سرعان ما تبدلت الأوضاع، فخلال الأيام الماضية تغير المشهد تمامًا، حيث نجحت بكين بنسبة كبيرة في وقف تمدد الفيروس، حتى وصلت نسب الإصابة في كثير من الأيام إلى النسبة “صفر”.

 

وبينما كان الغرب يطمئن نفسه بأن جائحة كورونا مسألة صينية في المقام الأول، ومن الصعب تجاوزها للحدود الجغرافية للبلاد، إذ به مع مرور الوقت يجد نفسه في مأزق، حيث تحول من مجرد متابع من مقاعد المتفرجين إلى بؤرة الحدث نفسه، متخذًا دور البطولة، وذلك بعدما باتت إيطاليا وأسبانيا على رأس الدول الأكثر إصابة بالفيروس.

 

القدرة المهولة للصين في وأد الفيروس في مراحله الأولى كان مثار الكثير من موائد الفكر والنقاش، فيما تباينت الرؤى وتعددت السيناريوهات، غير أن معظمها تمحور حول الإرادة القوية، واستخدام القوة في فرض الإجراءات الاحترازية التي من خلالها تمكن الصينيون من السيطرة على الوباء.. ومن هنا كثر الحديث عن دور النظام السياسي السلطوي في هذه المعركة التي خرجت منها الصين – حتى كتابة هذه السطور – منتصرة على كافة المستويات، حققت خلالها حزمة من المكاسب السياسية والاقتصادية، حتى بات هذا النظام – سيئ السمعة – مثار إعجاب الكثير من المتابعين.

 

كارثة محققة.. ولكن

 

ماذا كان الوضع لو فشلت الصين في السيطرة على الوباء، علمًا بأن تعداد سكانها يتجاوز مليار و400 مليون نسمة ؟ إذا لكنا أمام كارثة محققة فعلا، فالسرعة التي ينتشر بها الفيروس في بقية البلدان لو سارت بنفس الوتيرة داخل الصين فحتما الوضع سيخرج عن السيطرة وحينها ستصبح كل السيناريوهات مباحة.

 

طريقة التعامل مع ولاية ووهان وهي الحاضنة الأولى للفيروس كفيلة وحدها أن تقدم تصورًا عامًا عن حجم التحديات التي واجهت بكين في التعامل مع الأزمة التي كان من الممكن أن تعيدها لقرون طويلة مضت، حيث الأوبئة التي أطاحت بالملايين من الشعوب في القرون الوسطى.

 

فالولاية التي يسكنها 11 مليون نسمة، الواقعة في مقاطعة هوبي، التي يبلغ سكانها 60 مليون مواطن، سقط منها في الأيام الأولى لانتشار الفيروس 3200 شخص وإصيب حوالي 81 ألف شخص، وبحسبة بسيطة كان من المتوقع أن يصبح ما لايقل عن نصف سكان الولاية (5.5 مليون) على الأقل في عداد الوفيات إذا ما استمر المنحنى العام لانتشار كورونا بمعدلاته التي ظهر عليها بداية اكتشافه.

 

لكن خلال الأيام الماضية لم تشهد البلاد أكثر من 60 حالة إصابة جديدة، أغلبها لأشخاص قدموا من خارج الصين، فيما وصلت الحالات في بعض الأيام لصفر، وهو ما يعني نجاحا ملموسا في القضاء على الفيروس أو على الأقل تطويقه، بل وصل الحد إلى أن الصين نفسها باتت تحذر مواطنيها من السفر إلى الدول الموبوءة بالفيروس بعدما كانت بالأمس بؤرة الوباء الأولى.

 

كيف نجحت الصين في احتواء الأزمة؟

 

بعد نجاح الصين في تطويق الوباء حتى هذه الأثناء، طفا على السطح العديد من التأويلات التي تسعى للإجابة عن السؤال: كيف تحقق ذلك في هذه المدة القصيرة؟ ومن بين تلك التأويلات التي فرضت نفسها بقوة قدرة النظام السلطوي الصيني الحاكم على فرض الإجراءات المتخذة بالقوة، على عكس النظم الديمقراطية الأوروبية التي فشلت في احتواء الفيروس.

 

أصحاب هذا التيار يعتبرون أن دولة بهذا الحجم المهول من السكان من الصعب السيطرة عليها دون نظام قوي قادر على فرض الأمر الواقع بكافة أنواع التسلط حتى ولو بصورة ديكتاتورية، ففي مثل هذه الأوقات الحرجة يبقى الحديث عن ديمقراطية النظم ترفا لا يغير من الأمر شيئ.

 

وفي المقابل هناك تيار أخر يرفض اعتبار النجاح الصيني انتصارا للنظم غير الديمقراطية واعتبروه انتصارا للأداء العلمي الجاد، وكفاءة النظام السياسي بصرف النظر عن طبيعته الديمقراطية أو غير الديمقراطية، الاشتراكية أو الرأسمالية، هذا التيار يرى أن الصين سيطرت على كورونا بمجموعة إجراءات صارمة طُبقت بشكل لم يخل من القسوة على كثير من الناس، فيما اعتبر البعض أن أحد أسباب نجاح الصين هو عدم ديمقراطية نظامها السياسي مما سهل من قدرتها على اتخاذ قرارات مركزية قابلة للتنفيذ الفوري على أرض الواقع.

 

فريق يعتبر أن مثل هذا الطرح تكتنفه أوجه قصور كثيرة، لافتا إلى أن موضوع السيطرة على فيروس كورونا يتجاوز طبيعة النظم السياسية، ولا يمكن القول إن الصين سيطرت عليه لأنها سلطوية أو أن أمريكا وبريطانيا وفرنسا لن يسيطرون عليه لأنهم نظم ديمقراطية.

 

أنصار هذا الرأي يميلون إلى أن الصين قد سيطرت على الفيروس بكفاءة الأداء وأنها اختارت العلم كطريق لمقاومته حتى لو كان التنفيذ لم يخل من قسوة، إلا أن النجاح كان يرجع بالأساس لاتباع الأسلوب العلمي في مواجهه الفيروس، مستعرضًا الخطوات التي اتبعتها بكين للقضاء على الوباء.

 

فالبداية كانت عن طريق عزل مركز الوباء، ولاية ووهان، عن بقية مدن البلاد، ثم بناء 14 مستشفي استخدمت كلها في الحجر الصحي، وأخيرا وجود نظام تكنولوجي متطور لمتابعة السكان عن طريق هواتفهم النقالة مستفيدة من نظام الداتا الضخم (Big Data) التي تعرف من خلاله الدولة كثيرا من التفاصيل عن مواطنيها.

 

 

كما استطاعت السلطات الصينية التعرف على المشتبه في إصابتهم بالفيروس بمجرد إدخال الرقم القومي، وقامت شركة على بابا بتطوير نظام اتصالات (QR Codes) مرتبط ببيانات الحكومة فيظهر على الهاتف النقال إشارات ثلاثة كتبت بألوان مختلفة يقدمها المواطن للشرطة لكي يستطيع المرور في الشوارع، وكتب على الأولي يحتاج إلى حجر أسبوعين، والثانية يحتاج لحجر لمدة أسبوع، وفي الثالثة سليم يستطيع العبور.

 

لم ينكر هذا الفريق حضور الوجه الأمني في خطة المواجهة، والذي تمثل في طلب السلطات من كل مواطن أن يبلغ عن أصدقائه وأقاربه في حال شعر أنهم يخفون إصابتهم بالمرض، كما قاموا بإجبار المشتبه في إصابتهم بالذهاب إلى العزل الصحي، لكنه في المجمل أرجع النجاح لكفاءة نظام البلاد السياسي وتقدمها الصناعي والعلمي وليس بسبب سلطوية نظامها.

 

غسل سمعة الحزب الشيوعي

 

استطاعت الصين من خلال تجربتها في مواجهة كورونا في تحقيق العديد من النجاحات السياسية والدعائية، بداية من التقليل من خصومها الدوليين وعلى رأسهم أوروبا، بجانب الولايات المتحدة التي صعدت من وتيرة توتر علاقاتها مع بكين خلال الأشهر الأخيرة في سياق الحرب التجارية بين البلدين.

 

هذا بخلاف الترويج لنظامها الاستبدادي الحاكم ومدى قدرته في التعامل مع مثل هذه الأزمات الحرجة في الوقت الذي كان يتعرض هذا النظام للانتقادات الدولية جرًاء الجرائم والانتهاكات التي يمارسها، سواء في الداخل ضد معارضيه والأقليات الدينية والمذهبية، أو داخل أروقة المؤسسات الحقوقية الدولية.

 

الأيام الماضية نجح الحزب الشيوعي الحاكم في غسل سمعته بعد عاصة الغضب التي واجهها من الشعب الصيني بسبب أخطاءه بداية الأزمة، حيث حاول تقديم نفسه من جديد، في حٌلًة جديدة، كقائد متحكم ومسيطر داخل ساحة المعركة العالمية ضد كورونا، إذ نجح في تحقيق ما لم تحققه النظم السياسية الغربية التي تتباهى بما تمتع به من ديمقراطية وحرية.

 

الألة الإعلامية التي تديرها الدولة واصلت العزف خلال الفترة الماضية على قدرة النظام الشيوعي في قيادة الأزمة، فيما حاول مسئولو الحزب أن يقدموا الأزمة كنموذج حي ودليل عملي على قوة النظام الاستبدادي في الصين وزعيمها شي جين بينغ، ووصل الأمر إلى الإعلان عن خطط لنشر كتاب بست لغات عن مقوامة الصين للفيروس يصور الرئيس الصيني على أنه “قائد قوي يرعى الناس”.

 

ويعود النظام الشيوعي الصيني إلى الثورة التي تفجرت عام 1949 بقيادة ماوتسي تونج والحزب الشيوعي الذي قاد البلاد منفردا منذ ذلك التاريخ وحتى الآن، والذي نقل بلاده من البؤس والفقر والتخلف والحروب الأهلية إلى واحدة من أقوي دول العالم اقتصاديا وعسكريا وسياسيا.

 

يتبنى الحزب العقيدة الاشتراكية التي تقوم على أربعة مبادئ أساسية، أولها التمسك بخط الحزب الشيوعي، والثاني «تحرير الأفكار وطلب الحقيقة من الواقع»، والثالث التمسك بخدمة الشعب بكل أمانة وإخلاص، دون استسهال المسؤولين والإعلاميين لاتهام المواطنين بالتقصير، وأخيرا التمسك بنظام المركزية الديمقراطية أي بعد الاستماع لمختلف الآراء وإجراء نقاش حقيقي داخل كل وحدة حزبية صغيرة ولو في قرية نائية، وبعدها يتم الالتزام بالقرار النهائي لقيادة الحزب.

 

وفي النهاية يمكن القول أن فيروس كورونا ربما يكون علامة فارقة في تغيير وجهة نظر العالم حيال النظام الصيني الحاكم والحزب الشيوعي المسيطر على مقاليد الأمور، بل ربما تتغير خارطة المفاهيم السياسية برمتها بعد هذا المأزق الذي سقط فيه اليوم أعتى أنظمة العالم الديمقراطية، لتواجه العولمة تحديًا خطيرًا من المرجح أن يعيد تشكيل المنظومة بشكل كبير.

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 78509275
تصميم وتطوير