Site icon جريدة البيان

عماد عنان يكتب: ماذا لو ألغت السعودية طرح أرامكو للاكتتاب؟

في السادس والعشرين من أغسطس 2016 غرد المحلل الاقتصادي السعودي عصام الزامل يقول: “ضعوها بالمفضلة.. أرامكو لن تطرح للاكتتاب أبدًا” ردا على تصريحات وزير الطاقة حينها بأن الطرح سيكون بداية 2018، حينها أثارت تلك التغريدة حالة من الجدل داخل الشارع السعودي وكانت السبب – بحسب الكثيرين – في اعتقاله.

 

 

وبعد عامين تقريبًا من تلك النبوءة، نقلت وكالة “رويترز” عن أربعة مصادر كبيرة بالصناعة، الأربعاء الماضي، أن السعودية ألغت الطرح المحلي والعالمي لشركة النفط الوطنية العملاقة الذي كان سيعد الأضخم من نوعه في التاريخ، ما دفع لاستدعاء ذات التغريدة مرة أخرى وطالب نشطاء بإعادة نشرها.

 

 

لم يمر أكثر من 24 ساعة ما تداولته “رويترز” حتى خرج وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، في بيان له أمس الخميس، نشرته وكالة الأنباء السعودية ليؤكد أن ”الحكومة لا تزال ملتزمة بالطرح الأولي العام لأرامكو السعودية وفق الظروف الملائمة وفي الوقت المناسب الذي تختاره الحكومة“.

 

 

وبين التأكيد والنفي، أضحت أسهم شركة أرامكو مثاراً للشائعات في المملكة، وأطلت عدد من علامات الاستفهام برأسها تبحث عن إجابة، فيما جاء مستقبل رؤية ولي العهد محمد بن سلمان (2030) على رأس التساؤلات خاصة وأنها تعتمد في أقوى ركائزها على تنويع مصادر الدخل، والتي تقوم جُلّها على خطّة وضع الخمسة بالمئة من أسهم أرامكو للاكتتاب.

 

 

تأخر الطرح.. علامة استفهام

 

 

في الوقت الذي توقع فيه البعض قدرة البيان الصادر عن الحكومة السعودية في إزالة الشكوك التي أثارتها تلك التصريحات الصادرة عن مصادر الصناعة بشأن إلغاء عملية الطرح أول أمس، إلا أن ما جاء على لسان الوزير في البيان كان في حد ذاته علامة استفهام عززت تلك الشكوك.

 

 

البيان ألمح إلى الإسراع في الاستعدادات الخاصة بطرح جزء من الشركة للاكتتاب كما جاء فيه أنه ” في إطار الاستعدادات للطرح الأولي العام لأرامكو السعودية، اتخذت الحكومة عدة إجراءات مهمة من بينها إصدار نظام ضريبة المواد الهيدروكربونية، وإعادة إصدار اتفاقية امتياز حصرية، وتعيين مجلس إدارة جديد للشركة، بالإضافة إلى إجراءات أخرى من أجل حماية مصالحها ومصالح المستثمرين المحتملين”.

 

 

لافتًا إلى أن الشركة حققت “عدة إنجازات ضمن برنامجها الداخلي الهادف للاستعداد للطرح الأولي العام، ومن أهم ما شمله ذلك البرنامج تعديل نظامها ولائحتها الداخلية، والتحوّل إلى شركة مساهمة، وموائمة قوائمها المالية وتقاريرها المالية الداخلية لقطاعات الأعمال الرئيسيّة لتتوافق مع متطلبات الأسواق المالية المحتملة للطرح، إضافة إلى تأسيس إدارة للعلاقات مع المستثمرين، واستكمال أول عملية تقييم مستقل للاحتياطيات الهيدروكربونية، مما يؤكد على مكانة الشركة الرائدة والفريدة في قطاع الطاقة”
الفالح في بيانه وإن نفى تقارير إلغاء الاكتتاب الأولي إلا أنه أرفق تأكيده هذا بعبارة “الظُّروف المُلائمة”، وفي “الوقت المُناسب”، وهي عبارات اعتبرها مراقبون فضفاضةً، ولا تُبَدِّد الإشاعات حول تراجع الدولة السعوديّة من عدمه عن طرح أسهم شركتها النفطيّة العِملاقة، بل ويتناسب أكثر مع نوايا التأجيل حتى الإلغاء.

 

 

 

تلك الشكوك عززتها تصريحات مصدرين لـ”رويترز” بشأن تسريح المستشارين الماليين للإدراج مع تحول اهتمام المملكة صوب استحواذ مقترح على ”حصة استراتيجية“ في مُصنع البتروكيماويات المحلي الشركة السعودية للصناعات الأساسسية (سابك)، فيما كشف مصدر ثالث أن ”قرار إلغاء الطرح اتُخذ منذ فترة، لكن لا أحد يستطيع الكشف عن ذلك، لذا تمضي التصريحات تدريجيا في ذلك الاتجاه – أولا التأجيل ثم الإلغاء.“، مؤكدًا أنه ”حتى الطرح المحلي في بورصة تداول تقرر تجميده.“

 

 

وفي المقابل كشف خبراء أن التردد والتأخير في عملية الاكتتاب يعودان إلى عدم قدرة الشركة السعودية على توليد تقييم بقيمة تريليوني دولار الذي سعى إليه ولي العهد، والمخاوف القانونية من أن الطرح العام الأولي قد يستدعي تدقيقاً غير مسبوق للشركة، ومن ثم كان التأجيل هو الحل.

 

 

الاقتصاد السعودي في مأزق

 

 

حالة من الركود يشهدها الاقتصاد السعودي خلال السنوات الخمسة الأخيرة دفعته للتراجع في معدلات النمو، ما دفع السلطات إلى اتخاذ حزمة من الإجراءات التي تسميها “الإصلاحية” من أجل سد العجز في الموازنة ومحاولة إحداث حالة من التوزان بين النفقات والإيرادات، دون اعتبار للتداعيات الناجمة عن هذه السياسات على المواطن السعودي.

 

 

الخطوة الأولى كانت رفع أسعار الوقود بنسب تجاوزت في بعض الأحيان 80% على عدة مراحل، وهو ما كان له أثره على أسعار السلع والخدمات المقدمة بالطبع، هذا بخلاف الزيادات الكبيرة التي فُرضت على العمالة الوافدة، اعتبارًا من مطلع شهر يوليو/تموز الماضي، بمبلغ 100 ريال شهريًا (26.6 دولار) عن كل مرافق يرتفع حتى 400 ريال (106.7 دولار) شهريًا بحلول عام 2020، كما شرعت الحكومة في رفع رسوم تجديد الإقامات التي سترتفع بواقع أربعة أضعاف بحلول 2020، فمن المخطط تحصيل الحكومة 24 مليار ريال (6.4 مليار دولار) من رسوم الوافدين في موازنة العام 2018، وفق التقديرات الرسمية، لتزيد إلى 44 مليار ريال (11.7 مليار دولار) في عام 2019، ولتقفز إلى 65 مليار ريال (17.3 مليار دولار) في عام 2020.

 

 

تراجع رصيد صندوق الثروة السيادية لم يكن الشاهد الوحيد على اختلال المنظومة المالية السعودية، بل تجاوز الأمر إلى أبعد ذلك، فللمرة الأولى منذ عقود طويلة تضطر الرياض إلى اللجوء للاقتراض المحلي والدولي على حد سواء، وهو ما ساهم في وصول قيمة الدين العام في الدولة النفطية الأولى في العالم إلى 100 مليار دولار رنهاية 2016؛ مما دفع الحكومة إلى البحث عن بدائل لسد هذا العجز، على رأسها إصدار صكوك وسندات للبيع في السوق الدولية.

 

 

وقد أفادت صحيفة فايننشال تايمز نقلا عن مصادر أن الصندوق السيادي السعودي بصدد اقتراض ما يصل إلى 12 مليار دولار من بنوك عالمية بعد ما أثير بشأن تجميد خطط الطرح العام الأولي لشركة أرامكو، لافتة في تقرير لها أنه من المتوقع مشاركة نحو 16 بنكا في عملية الإقراض على أن يتم اختيار البنوك الرئيسية في وقت لاحق.

 

 

ماذا عن مستقبل رؤية 2030؟

 

كان هذا هو السؤال الأبرز الذي فرض نفسه على موائد النقاش بعد ساعات قليلة مما نشر بشأن إلغاء قرار طرح الاكتتاب، وظل متصدرًا حتى بعد بيان وزير الطاقة الفضفاض والذي أثار الكثير من الشكوك أيضًا، فالإدراج المقترح للشركة الوطنية العملاقة ركن أساسي من أركان رؤية ولي العهد والهادف لإعادة هيكلة اقتصاد المملكة والحد من اعتماده على إيرادات النفط.

 

 

ابن سلمان في 2016 أعلن عن خطة بيع حوالي خمسة بالمئة من أرامكو من خلال إدراج محلي وعالمي متوقعا أن تبلغ قيمة الشركة تريليوني دولار أو أكثر، وإن كان وقتها شكك عدد من خبراء القطاع في واقعية تقييم بمثل ذلك الارتفاع، ولعل هذا هو السبب في عرقلة عملية الطرح الأولي حتى الآن.

 

 

 

هذا المقترح حينها أحداث انقساما في الشارع السعودي، بين من يراه نقلة حضارية تتماشى ورؤية المملكة نحو النهوض باقتصادها الآمل في تنويع مصادره، وآخرون يرون الشركة أملاكا وطنية سيادية لا يمكن التخلي عنها أو التنازل عن بعضها لجهات أجنبية، كونها واحدة من سمات المملكة التي لو تخلت عنها ربما تذهب بهم إلى مصير مجهول في ظل هذا العالم المتقلب خلال السنوات الأخيرة.

 

 

تضارب الأراء حول طرح أسهم الشركة للاكتتاب، بين النفي والتأكيد، والتدرج في التأجيل حتى الإلغاء – ولو مؤقتًا- يضرب بشكل كبير طموحات ابن سلمان ورؤيته التي سوق لها على أساس أنها قشة الإنقاذ التي ستنتشل المملكة في أعماق العجز الاقتصادي الذي تشهده طيلة السنوات الماضية.

 

 

الرؤية تقوم في الأساس على تنويع مصادر الدخل، والتي تقوم جُلّها على خطّة وضع الخمسة بالمئة من أسهم أرامكو للاكتتاب، وهو الأمر الذي أو باعتقاد صاحب الرؤية سيُمكّنه من عدم الاعتماد على النفط، وتنويع مصادر الدَّخل المأمول، وتحويل المملكة كقوة استثمارية عظمى في العالم بأسره، ومن ثم ففي حالة إلغاء هذا الطرح ستتلقى الرؤية طعنة قوية ربما تكون سببًا في القضاء عليها إن لم يتم إيجاد البديل.

 

 

تأجيل طرح أرمكو لللاكتتاب أو تأجيله ليس السبب الوحيد وراء احتمالية فشل رؤية ابن سلمان، إذ أن هناك عوامل أخرى كفيلة أن تجهض كافة المحاولات المبذولة لإنجاحها، وهو ما أشار إليه مركز كارنيغي للدراسات في في دراسة نشرها بعنوان “إخفاق الحوكمة المناطقية في السعودية”.

 

 

المركز أوضح أن الرؤية تنص على أن السلطات المناطقية والبلدية سوف تساهم في تخطيط برامج الرؤية ووضعها موضع التنفيذ لافتا إلى أنها لا تشرح كيف سيتم ذلك، كما أنها تفتقر إلى خطة واضحة لإصلاح الهيكليات البيروقراطية وتحقيق لامركزية السلطة، هذا بخلاف أن مجموعة المؤسسات المناطقية والمحلية -التي يفترض بها تطبيق الجزء الأكبر من “رؤية 2030”- معقدة للغاية، تنقصها الفاعلية، وتعاني من خلل وظيفي أحيانا لأسباب عدة، منها أنها لم تخضع للإصلاح منذ الثمانينيات، ولا تعكس التغييرات الديمغرافية والاجتماعية التي شهدتها البلاد.

 

 

وفي المجمل فإن الرياض في هذه المرحلة الحرجة باتت بين مطرقة التعجيل بعملية الطرح ردًا على التشكيك فيها وهنا قد يتراجع التقييم إلى ما دون المطلوب بنسبة كبيرة ما يعني هزة عنيفة في الخطة الموضوعة والمعتمدة على مبلغ التقييم المقترح وهو التريليوني دولار، وسندان التأجيل حتى ارتفاع القيمة إلى المأمول وهو ما قد يترتب عليه مزيدًا من العجز والتراجع الاقتصادي.

Exit mobile version