الأربعاء الموافق 16 - أبريل - 2025م

عماد عنان يكتب: ماذا بعد الاتفاق بين أمريكا والمكسيك؟

عماد عنان يكتب: ماذا بعد الاتفاق بين أمريكا والمكسيك؟

بعد عامل كامل من المفاوضات التي استهدفت مراجعة اتفاقية التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية (نافتا) والمبرمة عام 1994، أعلنت كل من الولايات المتحدة والمكسيك عن التوصل إلى اتفاق بشأن تعديل بعض البنود التي كانت مثار جدل وأثارت التوتر في العلاقات بين الدول الأعضاء في الاتفاقية خلال الفترة الأخيرة.
بموجب الاتفاق الذي أعلن عن بعض تفاصيله أول أمس، الاثنين، فقد اتفق الطرفان، أمريكا والمكسيك، على أن تكون نسبة 75 % من مكونات السيارات مصنعة في البلدين، بعدما كانت 62.5%، وأن تكون نسبة بين 40 و45 %مصنعة بيد عمال يكسبون 16 دولارا في الساعة على الأقل، فضلا عن تضمينه شروطًا أخرى تتعلق بحقوق الملكية الفكرية، والتجارة الإليكترونية، وآليات وقواعد فض المنازعات بين المستثمرين من البلدين.

 

 

واشنطن تستهدف من هذا الشرط الحد من لجوء شركات السيارات إلى افتتاح مصانع في المكسيك استغلالا لانخفاض مستويات الأجور هناك، حيث يرى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أن الاتفاقية ببنودها القديمة ساهمت في تدهور معدل التوظيف في القطاع التصنيعي داخل بلاده، علاوة على تقويض قدرة المنتج الأمريكي على المنافسة خارج البلاد، خاصة على مستوى صناعة السيارات.

 

 

وتعد المكسيك ثالث أكبر شريك تجاري مع الولايات المتحدة بعد كندا والصين بواقع 531 مليار دولار أمريكي في عمليات التبادل الثنائي وفقا للعام 2015، ومن ثم جاء الاتفاق بمثابة القشة التي من المتوقع أن تنقذ الاقتصاد المكسيكي بعد الهزة التي تعرضت لها مؤخرا في أعقاب الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها الإدارة الأمريكية.
الاتفاق وإن وقع بين أمريكا والمكسيك إلا أن تبعاته تجاوزت النطاق الجغرافي لكلا الدولتين، خاصة وأنه يحمل عدة رسائل ودلالات من شأنها أن تؤثر في خارطة الاقتصاد العالمي، لاسيما تلك المناطق التي شهدت توترًا في علاقاتها مع واشنطن جرًاء السياسات الحمائية التي اتبعها ترامب منذ تنصيبه والتي وسعت الفجوة بين الولايات المتحدة وحلفاءها بصورة غير مسبوقة.

كندا تدخل على الخط
كندا هي الشريك الثالث لأمريكا والمكسيك في الاتفاقية، ولم تنجو هي الأخرى من العقوبات الأمريكية المفروضة ذاتها على السلع المكسيكية والأوروبية في ذات الوقت، ومن ثم كان الترحيب بالتقدم الذي أحرزه شريكيها على صعيد العلاقات التجارية بينهما هو رد الفعل الرسمي لها.
جاستن ترودو، رئيس وزراء الكندي، أعرب منذ الوهلة الأولى عن تقديره للتقدم الملحوظ في التوصل إلى تعديلات مقبولة في “نافتا” بعد سجال دام أكثر من 12 شهرًا بين الشد والجذب، معربًا عن أمله في أن يمتد التفاهم ليشمل بلده أيضا، وهو ما دفع وزير الخارجية الكندية، كريستيا فريلاند للسفر إلى واشنطن، أمس الثلاثاء، للانضمام إلى نظيريها المكسيكي والأمريكي في مفاوضاتهما لإتمام الاتفاق المزمع الإعلان عنه رسميًا الجمعة المقبل.

 

 

ورغم الضغوط المتوقع أن تتعرض لها أوتاوا للقبول بشروط جديدة بخصوص تجارة السيارات وقواعد تسوية النزاعات والملكية الفكرية، في الوقت الذي أكدت فيه المتحدثة باسم الخارجية الكندية أن بلادها لن توقع على اتفاق جديد إلا إذا كان يصب في مصلحة بلدها، إلا أن الكثير من المحللين قد عبروا عن تفاؤلهم بالتوصل إلى اتفاق ثلاثي خلال أيام.

 

 

وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشي، في تصريح له لـ (cnbc)، امس الثلاثاء، أكد أن بلاده قد تتوصل أيضا لاتفاق تجاري مع كندا هذا الأسبوع، مضيفًا أن ”السوق الأمريكية والأسواق الكندية متشابكة جدا… من المهم لهم التوصل لهذا الاتفاق، ومهم لنا أن نتوصل لذلك الاتفاق“.

 

 

وهو نفس ما ذهب إليه وزير الخارجية المكسيكي لويس فيديجاراي، الذي أكد خلال تصريحات متلفزة له مع تليفزيون بلاده، أن الأطراف الثلاثة سيعملون على إبرام اتفاق ثلاثي، مضيفًا ”سنتجه الآن لتكريس ساعات طويلة للتفاوض مع كندا“.

 

 

تعد أمريكا أكبر شريك تجارى لكندا، إذ تذهب إليها ثلاثة أرباع الصادرات الكندية، كما أن حجم التبادل التجارى بين البلديْن، البالغ 841 مليار دولار سنوياً، هو الأكبر بين أى بلديْن حول العالم، ومن ثم حرصت الحكومة الكندية منذ بداية الأزمة على التعامل بهدوء وحذر بما يليق بـ «حليف استراتيجي»، فهى لا تريد الإضرار بالقطاعات المستفيدة من الاتفاقية وهو ما يؤثر على الوظائف بالطبع.

 

 

تفاؤل أوروبي

 

انعكس النزاع التجاري بين أمريكا وأوروبا جراء سياسات ترامب الحمائية الأخيرة سلبا على معدل النمو الاقتصادي في دول الاتحاد الأوروبي ، ما دفع التكتل إلى البحث عن قنوات تبادل تجاري واستثماري مع مناطق أخرى من العالم، أبرزها الصين والاقتصادات الناشئة.

 

يذكر أنه ومع دخول الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة المفروضة على الصلب والألومنيوم القادمين من أوروبا والمكسيك وكندا إلى الولايات المتحدة، والتي تتراوح ما بين 10-25%، حيز التنفيذ، في الأول من يونيو/حزيران الماضي، بدأت تلوح في الأفق حرب تجارية عبر الأطلسي من شأنها تهديد العلاقات الأميركية الأوروبية.

 

هذه الحرب دفعت رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، إلى التهديد بـ “فرض تدابير ردية” لافتًا إلى أن “الاتحاد الأوروبي يعتبر الرسوم الأمريكية أحادية الجانب غير مبررة ومتناقضة مع قوانين منظمة التجارة العالمية. إنها حمائية اقتصادية بحتة” وهو ما صعد من حجم التوتر في العلاقات بين الجانبين خلال الفترة الماضية.

 

 

ورغم أن الولايات المتحدة ظلت حد كبير الشريك التجاري الرئيسي للاتحاد الأوروبي؛ إذ تمثل ما يربو على 20% من جميع صادرات الاتحاد ونحو 15% من وارداته، غير أن التوتر بين الطرفين بجانب أسباب أخرى قادت إلى تراجع طفيف في هذا المعدل خلال العامين الأخيرين على وجه التحديد وهو ما مثل تهديدًا مباشرًا لمستقبل العلاقات بينهما.

 

 

 

الإعلان عن التوصل إلى اتفاق بين أمريكا والمكسيك وجد صداه بسرعة فائقة داخل الأسواق الأوروبية المتعطشة لرسائل طمأنة تشي بتخفيف حدة التوتر وإعادة الأجواء الاقتصادية إلى طبيعتها دون تأرجح بين الحين والآخر، فضلا عن زيادة احتمالية نقل عدوى الاتفاق إلى دول أوروبا في ضوء ما يثار بشأن ضغوط تمارس على ترامب لإعادة النظر في الرسوم المفروضة على السلع الأوروبية، وهو ما كشفته المؤشرات الصادرة عن أداء البورصات وأسواق المال في أوروبا.
وقد صعدت الأسهم الأوروبية أمس الثلاثاء بعدما تناقلت وسائل الإعلام خبر الاتفاق، حيث ارتفع المؤشر ستوكس 600 الأوروبي 0.3 % بحلول الساعة 0720 بتوقيت جرينتش مسجلا أعلى مستوياته في أسبوعين وزاد المؤشر داكس الألماني، الغني بشركات التصدير، 0.3 %أيضا، فيما تقدم المؤشر فايننشال تايمز 100 البريطاني 0.6 %، بخلاف ما حققه قطاع السيارات الأوروبي من مكاسب كبيرة حيث صعد مؤشره 1% مرة واحدة وهو ما لم يحدث من سنوات طويلة.

 

 

الأجواء الايجابية فرضت نفسها كذلك على البورصة الأمريكية،إذ رتفعت الأسهم عند الفتح أمس وأول أمس، حيث صعد المؤشران ستاندرد آند بورز 500 وناسداك إلى مستويات قياسية، فيما ارتفع مؤشر داو جونز الصناعي 251 نقطة، ما يعادل 0.98 %، إلى 26042 نقطة، وصعد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بمقدار 21 نقطة، أو 0.75 %، إلى 2896 نقطة، وارتفع مؤشر ناسداك المجمع 74 نقطة، ما يعادل 0.93 %، إلى 8020 نقطة.

 

 

الدولار بين الصعود والهبوط

 

على مدار عام كامل من المفاوضات بين الشركاء الثلاثة في الاتفاقية كان البيزو المكسيكي والدولار الكندي الأكثر تضررًا إثر الضغوط التي تعرضا لها طيلة هذه الفترة، وهو ما أثر بشكل كبير عن قيمتهما أمام العملة الامريكية (الدولار) غير أن الأمر تغير بصورة نسبية عقب اتفاق الإثنين.

 

 

الإعلان عن الاتفاق وما بعثه من رسائل ودلالات دفع البيزو المكسيكي والدولار الكندي للارتفاع 0.8 % و0.5 % على الترتيب أمام الدولار الأمريكي وعزز الشهية للمخاطرة في أسواق المال، وسط تفاؤل بشأن المزيد من الصعود النسبي خلال الفترة القادمة خاصة بعد دخول التعديلات حيز التنفيذ والبدء في إجراء تحسين العلاقات بين الشركاء.

 

 

الأجواء التي فرضها الاتفاق ساقت الدولار إلى أدنى مستوياته في شهر في مقابل سلة العملات المنافسة، وإن كانت تحركات السوق جاءت محدودة بدرجة ما إلا أنها انعكست بصورة ملحوظة على العملات التي تأثرت بسياسات ترامب الأخيرة، على رأسها اليورو الذي استقر عند حاجز الـ 1.1685 دولار.

 

 

فيما أشارت إثير رايخلت محللة سوق الصرف في كومرتس بنك في حديثها لـ “رويترز” إلى أن الاتفاق يعطي ” الانطباع بأن الرئيس الأمريكي أصبح أقل اهتماما بإثارة النزاع في الوقت الحالي بل ويبذل الجهد لتحقيق نتائج بناءة على جبهات الحرب التجارية.“ وهو ما انعكس بصورة أو بأخرى على أسواق الأسهم في الداخل والخارج.

 

 

غير أنه وفي ظل تخوف المستثمرين من أن يطول أمد الحرب التجارية بين أمريكا والصين، ارتفع مؤشر الدولار مع بداية تعاملات اليوم بنسبة 0.2 %بحلول الساعة 0800 بتوقيت جرينتش إلى 94.884. وكان المؤشر سجل 94.434 في الجلسة السابقة، وهو أدنى مستوياته منذ 31 يوليو/ تموز.

 

 

يذكر أن العملة الأمريكية قد هوت وبشكل ملفت خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة على الرغم من انخراط الولايات المتحدة في تشديد للسياسة النقدية أكبر من أي مكان آخر، وقد أرجع الخبراء هذا التراجع إلى تنامي الضبابية السياسية في أمريكا بفعل تصاعد وتيرة الاتهامات والفضائح الخاصة بترامب ومستشاريه، بجانب التصريحات التي أصدرها في الآونة الأخيرة رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) التي بدت ترجح رفع أسعار الفائدة الأمريكية بوتيرة أبطأ.

 

 

من زاوية اخرى لا يمكن قراءة أبعاد الاتفاق المعلن بين أمريكا والمكسيك والمتوقع انضمام كندا إليه خلال الساعات القادمة بمعزل عن الساحة السياسية الأمريكية داخليًا، حيث يواجه ترامب شبح العزل من منصبه في أعقاب سلسلة من الاتهامات والإدانات، ومن ثم هناك من ذهب إلى أن تخفيف التوتر مع جيران أمريكا أكبر من مجرد قرار اقتصادي يهدف الصالح العام للشركاء الثلاثة.

 

 

في نوفمبر المقبل ستجرى الانتخابات النصفية البرلمانية والتي على أساسها سيحدد مصير الرئيس الأمريكي، إما احتمالية العزل حال سيطرة الديمقراطيين على النسبة العظمى من المقاعد، أو البقاء في منصبه إن تصدر الجمهوريون المشهد، ومن ثم كان للرجل أن يبعث ببعض رسائل الطمأنة لمواطني بلاده ممن تأثروا سلبًا بالسياسة العدائية مع كندا والمكسيك خاصة في قطاع الوظائف التي يعمل بها قطاع كبير من الأمريكيين، في محاولة لاستعادة بعض ما فقده من شعبيته خلال الفترة الأخيرة، بما يعني – وفق البعض – أن الاتفاق – بجانب تداعياته الاقتصادية – فهو جزء من الحملة الدعائية لترامب لتجنب الإطاحة به إن خسر أنصاره الانتخابات المقبلة.

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

إعلان بنك مصر

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 81081025
تصميم وتطوير