Site icon جريدة البيان

عماد عنان يكتب: كيف تتعامل الكويت مع الاحتجاجات العراقية؟

 

عقب انتخابات مايو/آيار الماضي توقع البعض أن العراق بات قاب قوسين أو أدنى من طرق أبواب الاستقرار والحل السياسي بين قواه المتناحرة خاصة بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” إثر حرب استمرت قرابة 3 سنوات عانى فيها العراقيون أشد المعاناة.

 

 

 

ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه أن تمنح تلك الانتخابات ونتائجها هدوءا نسبيًا، جاءت الاحتجاجات المتصاعدة خلال الأيام الماضية في المحافظات الجنوبية (ذي قار وبابل وكربلاء وميسان والديوانية والنجف) على إثر نقص الخدمات والمياه والكهرباء والبطالة وأزمة السكن، لتضيف أزمة جديدة إلى البلد الذي لم يهدأ منذ سنوات، هذا بخلاف أنها تأتي كذلك على وقع عملية إعادة الفرز لأصوات الانتخابات والسجال السياسي المتصاعد حول تركيبة الحكومة المقبلة والكتل الرئيسية فيها.

 

 

الاحتجاجات الشعبية التي امتدت لتصل إلى مدينة البصرة العراقية المحاذية للكويت، والمستمرة قرابة الأسبوع، خلفت أصداء واسعة لدى الجارة الشقيقة، تجلت في استنفار أمني، وتحركات لرئيس الأركان الكويتي وتحذيرات من قبل نواب اعتبروها أوضاعا “مقلقة” على الحدود الشمالية للبلاد، رافقها إجراءات احترازية حماية للكويتيين من تمدد عدوى التظاهرات التي تخطت في بعض المناطق الخطوط الحمراء.

 

 

احتجاجات متواصلة

 

 

لم تهدأ العراق منذ عام 2009 من الاحتجاجات المتواصلة ليل نهار، البعض كان يراها حينها بأنها نتيجة منطقية لمنظومة الحكم بعد الاحتلال الأمريكي، والتي كانت تقوم على مبادئ سياسية فاسدة على رأسها المحاصصة الطائفية والحزبية والتي كان لها بالغ الأثر في تكريس الفوضى وعدم الاستقرار.

 

 

الحكومات العراقية خلال الفترات الأخيرة – لاسيما حكومات المحافظات الجنوبية الغنية – فشلت في تخصيص الدعم اللازم لتوفير الوظائف والمياه والكهرباء، وخلق فرص العمل التي كان من الممكن أن يكون لها دور في كبح جماح التظاهرات التي تخرج منذ أسبوع تقريبًا تنديدًا بتردي الأوضاع المعيشية.

 

 

تساؤلات عدة فرضت نفسها مع تصاعد الاحتجاجات حول تباطؤ الحكومة في اتخاذ الإجراءات اللازمة لترضية العراقيين قبل أن يصلوا إلى هذه المرحلة من الغضب، خاصة وأن المؤشرات جميعها كانت تقود إلى هذه النتيجة في ظل تحذيرات متصاعدة هنا وهناك، لكن يبدوا أن العبادي وحكومته لم يتعاملوا معها على محمل الجدية.

 

 

حكومة العبادي التي حذرت ممن أسمتهم مندسين يحاولون العبث بالتحركات السلمية والإساءة للتظاهر السلمي، تنظر بعين الاعتبار لتصاعد الحراك في المحافظات الجنوبية الذي وصل إلى مشارف حقل مجنون النفطي شرق البصرة وإلى الحدود الكويتية، في محاولة لتهدئة الأوضاع لكن يبدوا أن العملية لن تكن بالسهولة التي يتوقعها الكثيرون دون الاستجابة لمطالب المتظاهرين.

 

 

 

البعض ذهب في تفسيراته لهذه الموجة الاحتجاجية بأنها نتاج طبيعي لفشل الحكومات المتعاقبة في حل المشاكل الاقتصادية وتحسين مستوى العيش، والذي بدوره مثل وقودا للحراك الاجتماعي وحركة الاحتجاج المستمرة حتى داخل المناطق الشيعية -والتي تبناها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر منذ عام 2015- وأفضت لاحقا إلى فوز تحالف “سائرون” في انتخابات مايو/أيار 2018.

 

 

نسبة التصويت المنخفضة في الانتخابات (44.5%) اعتبرها محللون مؤشرًا على وجود قناعة لدى قطاع كبير من العراقيين بأن الانتخابات أيا كانت نتائجها فلن تغير في الواقع شيئا، وأن الأوضاع المعيشية المتردية في البلد الذي ينتج 4.3 ملايين برميل من النفط يوميا، لن تتحسن بصرف النظر عن الأسماء التي ستقود العملية السياسية خلال المرحلة المقبلة.

 

 

 

مظاهر عدة للفساد في العراق خلال مرحلة ما بعد الغزو الأمريكي، مهدت الطريق نحو الوصول إلى هذه النقطة الحرجة، التي يدفع فيها العراقيون جميعا الثمن، وحدهم دون غيرهم، فبعيدًا عن السرقات التي تكررت مرارًا لاسيما خلال عامي 2004و 2005 فإن الأحزاب الحاكمة جراء المحاصّة تستخدم الوزارات والقطاعات التي تسيطر عليها مثل “أبقار نقدية” تحافظ من خلالها على سلطتها، بينما تشير التقارير الرقابية إلى أن خسائر بلاد الرافدين بعد 2003 بلغت أكثر من 360 مليار دولار بسبب الفساد المالي والإداري، ووصفت هذه النتيجة بالكارثية بين بلدان العالم.

 

 

الملفت للنظر أنه في الوقت الذي تراجعت فيه الخدمات الأساسية والمرافق والبنية التحتية للعراق إلى دون ما كانت عليه في زمن الحصار، تشير الأرقام التي نشرتها هيئة النزاهة عام 2016 إلى أن أكثر من ألف مليار دولار (تريليون دولار) دخلت موارد الدولة العراقية منذ عام 2003، تزامن ذلك مع تقارير أخرى ذهبت إلى وجود أكثر من ستة آلاف عقد وهمي في العراق نهبت بواسطتها عشرات مليارات الدولارات.

 

 

 

حضور إيراني

 

“الأيادي الإيرانية حاضرة وبقوة في هذه الاحتجاجات”.. هكذا ذهب محللون تفسيرًا لتصاعد الحراك الشعبي العراقي في محافظات الجنوب، فإيران -وفق تقديراتهم- تصفي حساباتها مع الولايات المتحدة على حساب العراق، وهي حريصة على ألا يحظى حيدر العبادي بولاية ثانية باعتبار أنها تناصر كتلة “الفتح” بقيادة هادي العامري وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي.

 

 

هذا التوجه عززته خطوة طهران بقطع نحو ألف ميغاوات من الكهرباء عن العراق في هذا الصيف، باعتباره ضغوطا تمارسها على العبادي -الذي تراه حليفا للأميركيين ومناهضا لها- عبر دفع الشعب للتحرك ضده وإثبات فشله، ومن ثم عليه – العبادي – أن يتخذ قرارات جريئة وقوية لاستيعاب المظاهرات ووقف تداعياتها أو انتقالها إلى وسط البلاد وشمالها.

 

 

فريق آخر ذهب إلى رسالة أخرى بعثت بها تلك التظاهرات للداخل العراقي، خصوصا للقوى السياسية الشيعية التي تتركز بالمحافظات الجنوبية (البصرة والنجف وميسان) وتأتي في ظل انقسام حاد داخل المشهد السياسي الشيعي بدأ منذ عام 2009 وتفاقم في انتخابات مايو/أيار الماضي بين نوري المالكي وحيدر العبادي.

 

 

البعض قلل من تأثير هذه الرسالة كون الاحتجاجات قد حظيت بدعم المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني ومعظم القوى الشيعية وبينها التيار الصدري، فيما أوضح آخرون أنها تدخل في إطار المناكفات داخل البيت الشيعي وممارسة الضغوط على حيدر العبادي والعملية السياسية المقبلة.

 

 

استنفار كويتي

 

أصداء واسعة خلفتها الاحتجاجات العراقية لدى الكويت، تجلت في استنفار أمني مكثف، حيث تفقد رئيس الأركان العامة للجيش الكويتي، الفريق الركن محمد الخضر، الحدود الشمالية للبلاد، أمس السبت، للوقوف على جاهزية القوات والإجراءات الإحترازية المتخذة من قبل الجيش على وقع الاحتجاجات جنوبي العراق.

 

 

رئاسة الأركان العامة للجيش الكويتي، في بيان لها أمس السبت، قالت إن “رئيس الأركان يرافقه عدد من القيادات العسكرية للأجهزة الأمنية في الدولة، قام بزيارة تفقدية للمنطقة الشمالية للبلاد” وأضافت أن “الأحداث الجارية قرب الحدود الشمالية هي شأن داخلي لدولة الجوار وما يقوم به الجيش بالتعاون مع الأجهزة الأمنية ماهو إلا إجراءات احترازية”.

 

 

من جانبها أكدت سفارة دولة الكويت لدى بغداد، سلامة الرعايا الكويتيين في المدن العراقية التي تشهد مظاهرات شعبية، داعية اياهم في الوقت نفسه الى تجنب اماكن التجمهر والطرق البرية، حسبما جاء لى لسان السفير سالم الزمانان في تصريح لوكالة الانباء الكويتية (كونا).

 

 

حالة من القلق سيطرت بدورها على الشارع الكويتي، وهو ما تكشفه ردود الفعل وتعليقات الكويتيين على منصات التواصل الاجتماعي، ففي تغريدة للنائب علي الدقباسي على حسابه الشخصي في “تويتر” قال “إن وجود المتظاهرين العراقيين بالقرب من حدودنا يعد أمراً مقلقاً” لكنه أكد أن “ ثقتنا كاملة في جهازنا الأمني للتعامل مع هذا الملف والشعب الكويتي يدعم وبحزم كل الإجراءات التي تحفظ أمن البلاد والعباد”

 

 

وأضاف أن “حفظ الأمن ليس مسؤولية الجيش والشرطة فقط، بل كلنا دروع وسور للكويت”، مبديا استغرابه ممن ينشر تحركات وأخبار رجال الأمن الرامية لحماية الدولة ومؤسساتها، خاصة في الظروف الإقليمية الساخنة التي تمر بها المنطقة، قائلا «أنصح نفسي والجميع بعدم نشر إلا الاخبار الرسمية».

 

 

فيما ذهب النائب ثامر السويط، إلى أبعد من ذلك، مرجحا أن يكون هناك استهداف للأمن والاستقرار الكويتي، نظرًا لسياسات بلاده وتوجهاتها الخارجية الحيادية خلال الفترة الأخيرة، والتي ربما لم تعجب بعض القوى في المنطقة، حيث علق على الاحتجاجات في تصريح له، بأن “الشرق الأوسط ودول المنطقة تعيش منذ سنوات عديدة في عملية شد وجذب وحروب ونزاعات وتصفية حسابات فيما بينها”.

 

 

واعتبر أن “بقاء الكويت في هذا الموقع المحايد بين جميع الأطراف ربما لا يعجب البعض وقد يحاول أن يجر الكويت إلى ساحة النزاع لتحقيق أهداف وغايات في نفسه”.

 

 

وعلى صعيد آخر دعا النائب محمد الحويلة، إلى “الاستعداد التام لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمة (البرلمان) متى ما استلزم الأمر ذلك لنكون صفا واحدًا في مواجهة أي خطر” مناشدا جموع الشعب الكويتي بمختلف أطيافه أن يكون على أهبة الاستعداد لمواجهة أي تهديدات، داخلية كانت أو خارجية.

 

 

النائب محمد الدلال، كشف أن ما يحدث قرب المنطقة الحدودية بين الكويت والعراق “سيناريو متوقع، خاصة بعد توتر العلاقات الاميركية الإيرانية، وكذلك العلاقة السلبية بين عدد من دول الخليج مع ايران مؤخرا، فضلا عن عدم استقرار الاوضاع الداخلية في العراق بسبب تجذر الحالة الطائفية وتدخل دول في الشأن الداخلي العراقي”

 

وتابع الدلال: الكويت قامت وتقوم بادوار كبيرة أمنية وعسكرية ودبلوماسية بقيادة سمو الامير للحيلولة دون جر الكويت او إقحامها في الصراعات الإقليمية، وهي جهود مشكورة ومطلوبة ومدعومة من الشعب ومن ممثليه في مجلس الامة، ومع الاستعداد الأمني والدفاعي الحكومة مطالبة بان تشكل فريق ادارة ازمة.

Exit mobile version