السبت الموافق 14 - ديسمبر - 2024م

عماد عنان يكتب: ترامب يتراجع و إيران تضع شروطها.. سيناريوهان وتساؤل

عماد عنان يكتب: ترامب يتراجع و إيران تضع شروطها.. سيناريوهان وتساؤل

مفاجأة فجرها ترامب أمس بإعرابه عن استعداده للقاء الإيرانيين دون شروط مسبقة، لترد عليه طهران بحزمة من الشروط للموافقة على عقد هذا الاجتماع، على رأسها عودة الاتفاق النووي الموقع في 2015، وذلك بعد أقل من أسبوع على تصاعد الحرب الكلامية بين الطرفين، دوافع هذا التحول في الموقف الأمريكي حيال طهران، أسئلة تبحث عن إجابة.

 

خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، أمس الاثنين 30 يوليو/تموز 2018، في البيت الأبيض، فجر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مفاجأة من العيار الثقيل، حين أعلن استعداده لعقد اجتماع مع الرئيس الإيراني، حسن روحاني، دون شروط مسبقة.

 

 

ترامب رداً على سؤال حول احتمال عقد لقاء مع نظيره الإيراني قال: «لا أعرف إذا كانوا مستعدين لذلك»، مضيفاً: «أفترض أنهم يريدون الالتقاء بي، وأنا مستعد للالتقاء بهم متى أرادوا». وتابع: «لا شروط مسبقة. إذا أرادوا أن نلتقي سألتقيهم. في أي وقت يريدون».

 

 

مفاجأة ترامب والتي جاءت بعد أقل من شهرين على انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران الموقع عام 2015، تزامنت مع اللقاء الذي جمع وزير خارجيته مايك بومبيو مع نظيره العماني يوسف بن علوي بمقر الخارجية الأمريكية في واشنطن، والذي تطرق إلى بحث سبل تطابق المصالح الأميركية والخليجية، واتفقا على أهمية تعزيز الاستقرار والتعاون الإقليميين.

 

 

العديد من علامات الاستفهام تطل برأسها باحثة عن إجابة تفسيرا لهذا التحول الملفت للنظر في الموقف الأمريكي حيال إيران، وانعكاسات ذلك على حلفاء ترامب الخليجيين، فهل تشهد الأيام القادمة أول لقاء بين رئيسي الدولتين منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد عام واحد فقط من ثورة 1979 التي أطاحت بالشاة حليف أمريكا القوي؟

 

طهران ترد

لم يتأخر الرد الإيراني كثيرًا على قنبلة ترامب التي فجرها أمام رئيس الوزراء الإيطالي، حيث قال حميد أبو طالبي مستشارُ مكتب الرئيس حسن روحاني إن من يؤمن بالحوار طريقا لحل الخلافات عليه الالتزام بأدوات الحوار.

 

 

مستشار روحاني وعلى صفحته الشخصية على موقع التدوين المصغر”تويتر” وضع عددَا من الشروط التي يجب على واشنطن الالتزام بها أولا كبادرة حسن نية ، مؤكدًا أنه على الولايات المتحدة العودة للاتفاق النووي المبرم بين ست قوى عالمية وإيران عام 2015، وذلك من أجل تمهيد الطريق لعقد قمة مع زعيم إيران.

 

 

وأضاف: «احترام حقوق الأمة الإيرانية وخفض الأعمال العدائية والعودة للاتفاق النووي خطوات يتعين اتخاذها لتمهيد طريق المحادثات الصعب بين إيران وأميركا»، لافتًا إلى أنه “فی العام الماضی وخلال اجتماع الجمعیة العامة للامم المتحدة وبعد التهدید الموجه للشعب الایرانی العظیم، جري طرح اللقاء بین الرئیسین، والان یتم طرح الاستعداد للقاء بدون شروط مسبقة بعد الخروج من الاتفاق النووی!”

 

 

وتابع:” ان من یؤمنون بالحوار وسیلة لحل الخلافات فی المجتمعات المتحضرة، ینبغی علیهم ان یلتزموا باداتها ایضا. فاحترام الشعب الایرانی وخفض التصرفات العدائیة وعودة امیركا للاتفاق النووی؛ من شانها تمهید الطریق غیر المعبّد الراهن”، مذكر بأن “الاتصال الهاتفی بین رئیسی البلدین فی العام 2013 كان مرتكزا علي الایمان بامكانیة السیر فی طریق بناء الثقة عبر الالتزام باداة الحوار. فالاتفاق النووی كان ثمرة للالتزام بالحوار؛ فلابد من القبول به”.

 

 

 

تصاعد الحرب الكلامية

 

تأتي تصريحات ترامب وسط أجواء من تصاعد منحنيات التوتر في العلاقات بين البلدين حيث بلغت الحرب الكلامية والتصريحات العدائية بين طهران وواشنطن خلال الأسابيع الماضية أعلى مستوياتها، وصلت في بعضها بالتهديد بشن هجمات على المصالح الأمريكية في المنطقة قابلها رد أمريكي تحذيري.

 

 

أبرز مشاهد الحرب الكلامية بين الطرفين تلك الصادرة عن قائد فيلق القدس بالحرس الثوري قاسم سليماني، الذي حذر الرئيس الأمريكي من الدخول في أي حرب مع إيران، مخاطبًا إياه ” “قد تبدأ أنت الحرب لكننا سننهيها”، ومضيفَا أن “البحر الأحمر كان بحرا آمنا، حولتموه إلى بحر غير آمن، الرياض كانت مدينة آمنة الآن تسقط فيها القذائف”.

 

 

سليماني وجه حديثه بشكل مباشر لترامب قائلا “أنا ندكم وقوات القدس هي ندكم وليس إيران كدولة، ليس هناك ليلة ننام فيها ولا نفكر بكم”، وأضاف “واجبي كعسكري يحتم علي الرد على تهديدات ترامب، وعليه أن يعي أنه إذا كان يريد استخدام لغة التهديد فعليه أن يوجه كلامه لي وليس للرئيس روحاني”.

 

 

 

تصاعد وتيرة التصريحات العدائية لم تتوقف عند سليماني وفقط، بل إن الرئيسان ترامب وروحاني تبادلا بدورها التهديدات والتحذيرات خلال الأيام الماضية بصورة غير مسبوقة، حيث حذر الرئيس الإيراني نظيره الأمريكي من أن “الحرب مع إيران سوف تكون أم كل الحروب” ليرد عليه بقوله: “سوف تعاني عواقب وخيمة لم يشهد التاريخ مثلها إلا القليل إذا “هددت الولايات المتحدة”.

 

 

يذكر أنه في الأسبوع الماضي، استهدف المتمردون الحوثيون الموالون لإيران في اليمن ناقلة نفط سعودية بالقرب من مضيق باب المندب، وبعدها اتخذت الرياض قراراً بوقف تصدير النفط عبر المضيق الذي يحاذي اليمن، وهو ما أثار حفيظة الولايات المتحدة حينها وإن لم تتخذ رد الفعل المتوقع منها سعوديًا على وجه التحديد.

 

 

 

تحول ترامب

 

تميز ترامب منذ تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة بالشذوذ عن الخط العام لتوجهات إدارته ومساراتها التقليدية، فالرجل يمكنه الانتقال وبشكل مفاجئ من موقع الخصم الذاهب للحرب المعلن عنها ليل نهار، إلى موقع المفاوض المحاور على طاولة القمم والاجتماع، وهو ما جعله شخصية غير مفهومة البوصلة لدى كثير من المحللين والمقربين من دوائر صنع القرار، سواء داخل أمريكا أو خارجها.

 

 

ففي الوقت الذي شحذت فيه واشنطن كافة طاقاتها لشن حرب ضد كوريا الشمالية لممارساتها النووية التي تراها إدارة ترامب خطرًا على العالم، إذ بالرئيس الأمريكي يبادر لعقد قمة تاريخية مع نظيره الكوري، كيم جونغ أون، في مشهد نسف كل التحليلات السياسية والرؤى الموضوعة سلفا لتقييم مسارات العلاقات بين البلدين.

 

 

ذات الأمر تكرر مع الحرب التجارية التي شنها مع دول أوروبا، فبعد التصعيد الكبير في العداء وفرض رسوم على السلع الأوروبية الواردة، فضلا عن التصريحات العدائية والساخرة التي أطلقها ضد بعض قادة القارة العجوز، إذ به يتراجع انها بين ليلة وضحاها بعد جرهم إلى التفاوض مرة أخرى.

 

 

 

الملفت للنظر أن مواقف ترامب تنسف الخطوط السياسية التي رسمها وزير خارجيته، مايك بومبيو، حيال إيران، فالأخير وعبر خطابين سابقين في مايو/آيار الماضي اشترط على طهران قبولها المسبق بـ 12 مطلبًا كشرط أساسي للحوار معها، وهو نفس ما حدث قبل ذلك مع الوزير السابق ريكس تيلرسون، ليثبت الرئيس الأمريكي أنه المتحكم في السياسة الخارجية لبلاده وهو من يضع توجهاتها بنفسه بعيدًا عن مسارات وزراء الخارجية.

 

 

البعض ذهب هنا إلى احتمالية أن يعيد ترامب نفس السيناريو مرة أخرى مع إيران، كما حدث مع كوريا الشمالية وأوروبا، وهو ما قد يضع علاقته بحلفاءه الخليجيين على المحك، – السعودية على وجه التحديد – خاصة بعد مئات المليارات التي حصل عليها في مقابل الاستمرار في خطه العدائي مع طهران، والذي بات الدجاجة التي تبيض ذهبًا للرئيس الأمريكي وإدارته خلال الفترة الماضية.

 

 

 

سيناريوهان

 

أثارت تصريحات ترامب المفاجئة عددا من التساؤلات حول دوافعها الحقيقية في ظل ضبابية الأجواء بين البلدين في الأسابيع الأخيرة والتي كانت – وفق قراءة الواقع – تستبعد هذا التحول في الموقف، إن لم يكن تصعيدًا، بعد المستجدات الطارئة التي أحدثتها استهداف ناقلة نفط سعودية في باب المندب من جانب، وتصاعد التصريحات العدائية بين زعيمي البلدين من ناحية أخرى.

 

سيناريوهان طرحهما خبراء تفسيرًا لقنبلة الرئيس الأمريكي، الأول: وضع طهران في موقف حرج أمام أوروبا، فترامب في المقام الأول وبحسب تفسير البعض يخاطب بتصريحاته أمس الأوروبيين، وذلك من خلال عرض يقدمه لإيران يحملها على الرفض، ومن ثم يصبح تسويق العقوبات المفروضة عليها والتي من المفترض تنفيذ شقها الأول آواخر هذا الأسبوع أمرًا سهلا.

 

 

عرض ترامب يضع دول أوروبا المعترضة على قرار انسحابه من الاتفاق النووي في موقف الضامن والشاهد في نفس الوقت على رفض طهران حتى فتح باب التحاور مع أمريكا، فالرجل عرض اللقاء دون شروط مسبقة بينما الجانب الإيراني وضع شروطا، وهو ما يحرج إيران وأوروبا في نفس الوقت.

 

 

أما السيناريو الثاني فيرى البعض أن تلك التصريحات إنما جاءت في سياق التفاهم مع موسكو، حول الوضع السوري والترتيبات التي تعد داخل مطبخي الكريملين والبيت الأبيض لاحتواء إيران في مقابل إبعادها عن منطقة الجولان وتخفيف التوتر مع الكيان الصهيوني.

 

 

المغازلة الأمريكية لإيران أو كما يحلو للبعض أن يصفها بـ “الترضية” تقتضي فتح حوار أمريكي مع الإيرانيين دون شروط مسبقة أو مقدمات لتشجيعها على تسهيل ترجمة الخطة الروسية في سوريا والتي تأتي بمباركة أمريكية بلا شك وفق ما تشير إليه الدلائل الأخيرة.

 

 

التساؤل الذي يفرض نفسه الان: ما مصير الاتفاق النووي الذي انسحبت منه أمريكا؟ هل من الممكن أن تعيد واشنطن النظر في قرارها مرة أخرى؟ غالبية المؤشرات تذهب إلى صعوبة تراجع ترامب عن هذا القرار، على الأقل في الوقت الراهن، إلا أنه في المقابل من الممكن أن يطرح اتفاقا جديدًا على الطاولة، برعاية ومباركة أوروبية، لا تعترض عليه واشنطن، وهو ما تم الكشف عن بعض ملامحه خلال الفترة الماضية.

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 78509426
تصميم وتطوير