الأحد الموافق 15 - ديسمبر - 2024م

عماد عنان يكتب: بعد 15 عاماً… أخيراً فعلها مهاتير محمد

عماد عنان يكتب: بعد 15 عاماً… أخيراً فعلها مهاتير محمد

أخيرًا فعلها مهاتير محمد، ليثبت أنه رغم غيابه عن كرسي رئاسة الحكومة الماليزية قرابة 15 عامًا فإنه لا يزال الرجل الأقوى في البلاد، وها هي نتائج الانتخابات العامة تؤكد هذه الحقيقة إثر إعلان رسميًا فوز تحالف جبهة الأمل بقيادة رئيس وزراء ماليزيا السابق خلال الفترة من 1981 – 2002.

 

تحالف المعارضة “جبهة الأمل” نجح في تحقيق مفاجأة مدوية بحصوله على 113 مقعدًا من مجموع 222 بما يشكل الأغلبية، فيما مني التحالف الحاكم (الجبهة الوطنية) بقيادة رئيس الحكومة نجيب عبد الرزاق بخسارة تاريخية سترجعه إلى صفوف المعارضة بحصوله على 79 مقعدًا بعد أن كان يملك في البرلمان السابق 133 مقعدًا، حسبما كشفت نتائج النسخة الـ14 من الانتخابات البرلمانية التي تعد الأكثر شراسة في تاريخ الديمقراطية الماليزية.

 

هذا الفوز غير المتوقع لجبهة مهاتير محمد تفتح الباب مجددًا أمام عودة السياسي المخضرم ابن الـ93 عامًا إلى منصبه السابق كرئيس للوزراء، فيما وصف البعض هذا النجاح بأنه “انقلابًا سياسيًا ناعمًا” ضد خفافيش الظلام ممن أغرقوا الدولة الماليزية في الفساد طيلة السنوات الماضية.

 

عبدالرزاق يقر بالهزيمة

 

بعد النتائج شبه الرسمية التي أُعلنت فجر اليوم الخميس، أقر رئيس الوزراء الماليزي نجيب عبد الرزاق بالهزيمة أمام منافسه في الانتخابات التي أجريت أمس الأربعاء، حيث قال في تصريحات له تعليقًا على النتائج: “أقبل بحكم الشعب”.

 

وغردت نتيجة الانتخابات بعيدًا عن التوقعات كافة، إذ كان أكثر استطلاعات الرأي تفاؤلًا الذي أجراه مركز ميرديكا المستقل توقع فوز تحالف الأمل بـ43.7% من الأصوات، في حين سيحصل تحالف نجيب على 40.3%، في حين كانت معظم التقديرات تشير إلى أن الجبهة الوطنية ستضمن الفوز، رغم زيادة حصة المعارضة بسبب دخول مهاتير محمد المعركة الانتخابية إلى جانبها.

 

هزيمة عبد الرزاق ليست الصفعة الوحيدة التي تلقتها الجبهة الوطنية في تلك الانتخابات، فإن ما يفاقم من خسارتها أنها تأتي بعد تعديلها مؤخرًا قانون الانتخابات غيرت بموجبه توزيع أصوات الناخبين على الدوائر الانتخابية بما يضمن لها الفوز بعدد أكبر من الدوائر، قدرها الخبراء بـ15 مقعدا على الأقل، كما أقر البرلمان قبيل الانتخابات قانون مكافحة “الأخبار الكاذبة”، الذي رأته المعارضة سيفًا مسلطًا على رقاب منتقدي الحكومة ورئيسها.

الانتخابات الأشرس

منذ الوهلة الأولى لإعلان هذه الانتخابات نظر إليها الخبراء على أنها الأشرس والأكثر حدة في تاريخ البلاد لتقارب شعبية الكتلتين المتنافستين، الجبهة الوطنية الحاكم بزعامة رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق وتحالف الأمل المعارض بزعامة مهاتير محمد.

 

تجاوز عدد من يحق لهم الاقتراع 15 مليون ناخب ماليزي لاختيار 222 ممثلاً في البرلمان المركزي و587 عضوًا في المجالس التشريعية في 13 ولاية والمناطق الفدرالية، في انتخابات اتسمت بالتنافسية الشديدة رغم ما وجه لها من اتهامات من بعض القوى.

 

عدد من المؤسسات الداعية إلى إصلاح النظام الانتخابي مثل “برسيه” اتهمت لجنة الانتخابات بعدم الشفافية، وشككت في مصداقية النتيجة التي قد تفضي إليها الانتخابات، مستعرضة 10 انتقادات كاملة أبرزها: إعادة رسم خريطة الدوائر الانتخابية بما يصب في مصلحة التحالف الحاكم والإخفاق في تحديث اللوائح الانتخابية ووضع الانتخابات في وسط الأسبوع بما يحول دون وصول الناخبين إلى دوائرهم واقتصار مدة الدعاية الانتخابية على 11 يومًا والتلاعب بأصوات الانتخاب المبكر وعبر البريد وعدم معاقبة المتجاوزين في العملية الانتخابية.

 

يضم تحالف (الجبهة الوطنية) قرابة 14 حزبًا سياسيًا، أبرزها “أمنو” والجمعية الصينية الماليزية وحزب المؤتمر الهندي الماليزي، وتوافقت هذه الثلاثة على ما يعرف بعقد اجتماعي لحكم الاتحاد الملاوي قبل الاستقلال عام 1957، واستمر في الحكم قرابة 6 عقود كاملة، ما دفع البعض إلى اتهام ماليزيا بأنها دولة الحزب الواحد بعد أن قضت الجبهة أطول مدة حكم لتحالف حزبي على مستوى العالم.

 

أما تحالف المعارضة المنضوى تحت مسمى “جبهة الأمل” فيضم 4 أحزاب هي عدالة الشعب بزعامة أنور إبراهيم والعمل الديمقراطي – الذي يهيمن عليه الصينيون – في المعارضة والأمانة الوطنية الذي انشق عن الحزب الإسلامي ووحدة أبناء الأرض الذي شكله مهاتير بعد انشقاقه عن حزب أمنو الذي يقود تحالف الحكم.

 

 

رئيسًا للوزراء بعد غياب 15 عامًا

لم يكن يدور بمخيلة أحد أن يتصدر رئيس الوزراء السابق جبهة المعارضة بهذه السرعة، وهو الذي كان قبل عامين أحد رموز الحزب الحاكم قبل أن يستقيل منه عام 2016، إذ نجح في كسب ثقة أنصار المعارضة وأقنعهم بالتراجع عن أخطائه السابقة على رأسها القبضة الأمنية طيلة الـ22 عاما الذي حكم فيها البلاد.
البداية كانت اعتذارًا قدمه مهاتير محمد بمظلومية أنور إبراهيم زعيم حزب (عدالة الشعب) الذي يقضي حكمًا بالسجن لمدة 5 سنوات، مع وعد بالتنازل عن السلطة لحسابه بعد سنتين من الفوز وتشكيل الحكومة، وهو المدخل الذي لاقى قبولًا لدى بقية الأحزاب المناوئة للحزب الحاكم.

 

بعض الخبراء رأوا أن مهاتير نجح في اختطاف حزب “عدالة الشعب” وذلك بتوحيد المعارضة تحت شعاره، ليصبح في وقت قصير زعيمًا لهذا التحالف دون أن يتكلف شيئًا، بل إن الرجل نفسه ليس لديه حزبًا سياسيًا يمثله بعد رفض هيئة تسجيل الأحزاب الاعتراف مؤقتًا بحزبه “برساتو بومي بوترا”، إضافة إلى قدرته على كسب ولاء المعارضة الصينية مقابل دخولها مناطق الملايويين تحت مظلة حزب العدالة.

 

وبعد 15 عامًا من مغادرته منصب رئيس الوزراء، بات الرجل قاب قوسين أو أدنى من استعادته لكرسيه المفضل، إذ كان من المفترض أن يؤدي اليوم الخميس اليمين الدستوري كسابع رئيس وزراء لماليزيا منذ استقلالها عام 1957، لكن أنباء تتردد أنه سيتم تأجيل مراسم اليمين دون تحديد موعد، وربما يعود ذلك إلى عدم تكليفه رسميًا من قبل الملك بتشكيل الحكومة.
يعد مهاتير محمد علامة بارزة في تاريخ ماليزيا الحديث، إذ قاد الجبهة الوطنية والحكومة الماليزية بين عامي 1981 و2003، وهي الفترة التي شهدت فيه البلاد طفرة اقتصادية غير مسبوقة وضعتها على خريطة العالم بصورة أثارت حينها الكثير من التساؤلات والجدل في آن واحد.

 

استقال من حزب أمنو الحاكم عام 2016 لما اعتبره “من المخجل أن يرتبط بحزب يدعم مظاهر الفساد في البلاد”، خاصة بعد اتهام رئيس الوزراء نجيب باختلاس مليار دولار من صندوق التنمية الوطني، فضلًا عن اتهامات وزارة العدل الأميركية بارتباطه بسرقات تبلغ 4.5 مليار دولار، بخلاف سياساته التي أدت إلى تضييق الخناق على الشعب الماليزي بعد ارتفاع تكاليف المعيشة إثر إلغاء دعم المحروقات وفرض ضريبة على السلع والخدمات بنسبة 6%.

 

في حوار له قبيل الانتخابات مع مجلة “التايم” الأمريكية، تطرق مهاتير إلى دوافع تقاعده عن العمل السياسي في 2003، موضحًا أنه رأى حينها أن الوقت حان لضخ دماء جديدة في الشرايين الماليزية، فاختار عبد الله بدوي لخلافته لكنه حاد عن الطريق، “حينها تركت الحزب الحاكم وقمت بحملة ضده حتى تم إسقاطه، وخلفه نجيب عبد الرزاق الذي ظننت أنه سيكون كوالده عبد الرزاق الذي كان زعيمًا متفردًا، لكنه للأسف كان مختلفًا تمامًا عنه، وظن أنه يستطيع فعل أي شيء بالمال، ولأنه لم يكن يملك هذا المال فقد سرقه، وحاولت نصيحته وتوجيهه مرارًا لكن دون جدوى، فلم يكن أمامي من خيار سوى التصدي له”.

 

 

ماذا بعد؟

تساؤلات عدة فرضت نفسها بعد إعلان فوز مهاتير محمد في الانتخابات الأخيرة واقترابه من تشكيل الحكومة، حيث دفعت العلاقة المتوترة بينه وبين نجيب إلى فتح باب التكهنات بشأن موقفه من قضايا الفساد المتورط فيها رئيس الحكومة الحاليّ، فالبعض يذهب إلى العفو عنه فيما ذهب آخرون إلى ترجيح سيناريو الملاحقة القضائية.

 

رئيس الحكومة المرتقب في مؤتمر صحفي له عقب فوزه سعى إلى غلق باب التكهنات بصورة كاملة، حيث قال “لا نسعى للانتقام ولكننا سنطبق القانون بالكامل وإذا كان القانون يقول إن نجيب ارتكب خطأ فإنه سيتحمل العواقب”، ما اعتبره البعض رسالة متزنة تخفف من وطأة التصعيد بين الكتلتين مستقبلًا.
آخرون أبدوا تخوفهم من اختلال المعادلة السياسية في ماليزيا، خاصة أن العقد الاجتماعي للدولة يمنح المالاويين حقوقًا سياسية واقتصادية أوسع من العرقيتين الصينية والهندي، لكن بعد الحضور القوي لحزب العمل الديمقراطي (42 مقعدًا) في تحالف الأمل – يعد الحاضنة الأساسية للعرقية الصينية – الذي بقي منذ الاستقلال في صفوف المعارضة، تساؤل آخر بات يفرض نفسه: ما مستقبل المالاويين بعد هذا التغير الطارئ؟

 

محللون يرون أن إيمان مهاتير محمد وأنور إبراهيم وهما على رأس تحالف المعارضة الذي سيشكل الحكومة الجديدة ربما يكون ضامنًا لحق المالاويين وحفظ حقوقهم الدستورية خاصة أن كليهما من أشد المؤمنين بالعقد الاجتماعي وقتما كانا أعضاء في الجبهة الوطنية قبل تقديم استقالتهما، غير أن هناك معضلة أخرى ربما تواجه الحكومة الجديدة تتمثل في صعوبة تجاهل حزب العمل الديمقراطي ذات العرقية الصينية، ما دفع رئيس الوزراء المرتقب تنصيبه خلال ساعات للدعوة إلى مراجعة جميع سياسات الحكومة السابقة بما فيها العلاقات مع الصين من أجل تدشين مرحلة جديدة من التوازن السياسي الذي يحفظ لماليزيا استقرارها الداخلي.

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 78511966
تصميم وتطوير