Site icon جريدة البيان

عماد عنان يكتب: اليابان والصين إلى التطبيع بعد عقود من العداء.. شكرًا ترامب

منذ تنصيبه رئيسًا في يناير/كانون الثاني 2017، نجح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بفضل سياساته العدائية أو تلك التي يسميها بـ”الحمائية” في توحيد صفوف المختلفين سياسيًا مع بلاده بصورة غير مسبوقة، وصلت في أحايين كثيرة إلى تحالف الأعداء وتقارب الخصوم.

 

الحرب التجارية التي شنتها واشنطن مؤخرًا على عدد من القوى الدولية دفعت الكثير منهم إلى غلق صفحات التوتر في العلاقات بينهم وتدشين أخرى جديدة من التعاون قادرة على التصدي لتلك الهجمات التي تستهدف الاقتصاد العالمي وتقويض الكثير من أركانه في إطار مساعي ترامب ترجمة الشعار الذي رفعه إبان حملته الانتخابية “أمريكا أولاً” إلى واقع عملي.

 

اليوم أعرب رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، عن ثقته في تحسن العلاقات مع الصين، وقال في مقابلة له مع إحدى الصحف الوطنية في بلاده (سانكي) إن العلاقات بين البلدين عادت إلى مسارها الطبيعي، متطلعًا إلى دعوة الرئيس الصيني شي جين بينغ لزيارة اليابان في المستقبل، متوقعًا أن يتوجه بزيارة إلى بكين في نهاية أكتوبر/تشرين الأول، حسبما نقلت وكالة “رويترز”.

 

آبي لفت إلى أن رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ، زار اليابان، مايو الماضي، وأنها كانت مقدمة جيدة لعودة العلاقات بين البلدين (ثاني وثالث أكبر اقتصاديات العالم) إلى مسارها الطبيعي، بعد عقود طويلة من التوتر والمناوشات إثر نزاعات حدودية استمرت قرون طويلة عانت العلاقات فيها من تأرجح بين منحنيات الصعود والهبوط.

 

قرون من التوتر

 

العلاقات الصينية اليابانية طالما اتسمت بالتوتر والاحتقان على خلفية النزاع على ثماني جزر، تدعي كل دولة ملكيتها لها، تعرف في اليابان باسم “جزر سينكاكو” بينما في الصين “جزر ديايو” وتعود إلى قرون طويلة سابقة.

 

الجزر المتنازع عليها تقع في بحر الصين الشرقي، وتشغل مساحة تبلغ نحو 7 كيلومترات مربعة وتقع شمال شرق تايوان وإلى شرقي الأراضي الصينية وجنوبي غرب مقاطعة أوكيناوا اليابانية الجنوبية المنعزلة، وترجع أهميتها نظرًا لقربها من ممرات إستراتيجية للتجارة بالإضافة إلى كونها موقعًا مهمًا للصيد ومكانًا خصبًا برواسب النفط.

 

اليابان تدعي أن الجزر غير مأهولة بالسكان، وعلى مدار 10 سنوات من الدراسة لم يثبت أن سكنها أحد، وعلى هذا الأساس وضعت في 14 من يناير/كانون الثاني 1895 علامات تدل على سيادتها على هذه الجزر وضمها للأراضي اليابانية، فانضمت جزر سينكاكو إلى جزر نانسي سوتو حتى أصبح اسمها الحاليّ “مقاطعة أوكيناوا”.

 

بينما تزعم الصين أنها – الجزر – منذ العصور القديمة كانت جزءًا من أراضيها وتمثل موقعًا مهمًا للصيد تحت إدارة “مقاطعة” تايوان، وبحسب الخارجية الصينية فإن ملكيتها لها “أمر لا شك فيه من الناحية التاريخية كما أن له أصول قانونية راسخة الأساس” على حد قولها.

 

 

ووفقًا لاتفاقية شيمونسكي في 1895 التي وقعت بعد انتهاء الحرب بين الصين واليابان، تم التنازل عن تايوان إلى الأخيرة، غير أن اتفاقية سان فرانسيسكو أعادتها مرة أخرى إلى السيادة الصينية، بينما تطالب تايون بضم الجزر لأراضيها كونها حقًا أصيلاً لها منحته اتفاقية شيمونسكي.

 

لم تكن أزمة جزر سينكاكو/ديايو السبب الوحيد في توتر العلاقات بين الصين واليابان، وإن كانت الشرارة الأولى لإشعال أي خلاف بين البلدين طيلة السنوات الماضية، وهو ما أدى إلى مزيد من التعقيد لجهود الجارتين لحل النزاع بينهما بشأن حقول الغاز والنفط شرقي بحر الصين التي تدعي كل منهما ملكيتها، هذا بخلاف موقف بكين الرسمي تجاه شرقي بحر الصين وجنوبه في الأشهر الأخيرة الذي زاد من تعقيد الأزمة.

 

علاوة على ذلك فإن التقارب بين اليابان والولايات المتحدة في الآونة الأخيرة كان نقطة خلاف حادة بين الجارتين، لا سيما بعد الاتفاق الصاروخي الذي تم توقيعه بين طوكيو وواشنطن في 2012 حيث اعتبرته بكين تهديدًا واضحًا لها عسكريًا في ظل التوتر في العلاقات مع جارتها، ما دفع الآلاف من الصينيين للخروج في مسيرات احتجاجية ضد اليابان أكثر من مرة.

 

 

ماذا عن العلاقات مع أمريكا؟

 

قادت العقوبات الأمريكية المفروضة على كل من روسيا وإيران وكوريا الشمالية في إطار الحرب التجارية التي أعلنها ترامب ضد عدد من القوى الاقتصادية خلال العام الأخير إلى مزيد من التوتر في العلاقات مع الصين على وجه التحديد، خاصة أنها كنت مهددة بانضمامها إلى قائمة الدول الموقع عليها عقوبات بداية الأمر.

 

بكين لم تنتظر حتى تفرض عليها واشنطن عقوباتها الاقتصادية، إذ حذرت منذ الوهلة الأولى أنها “لن تقف مكتوفة الأيدي وستدافع بشدة عن حقوقها” في حال فرضت الولايات المتحدة عقوبات تعيق التجارة بين البلدين، وذلك بعدما فتحت واشنطن تحقيقًا بحق القوة الاقتصادية الثانية في العالم عن ملف الملكية الفكرية.

 

وزارة التجارة الصينية وعبر بيان لها أكدت أنه في حال أقرت أمريكا تدابير تضر بالمبادلات التجارية الثنائية وتخالف القواعد التجارية المتعددة الأطراف، فإن الصين “ستتخذ بالتأكيد كل التدابير المناسبة للدفاع بقوة عن حقوقها ومصالحها المشروعة”، محذرة من أي عمل حمائي من جانب الولايات المتحدة.

 

 

التوتر في العلاقات تجسد بصورة أكبر حين رفضت بكين العقوبات المفروضة على الدول الأخرى، إيران وكوريا الشمالية، على الأخص، إذ أعربت عن قلقها وتحفظها على السياسة الحمائية الأمريكية الجديدة التي تقوض النظام الاقتصادي العالمي وتضع الجميع تحت مقصلة التهديد.

 

ويكفي أنه خلال الأشهر الخمس الأولى من 2018، أي بعد دخول العقوبات الأمريكية ضد طهران حيز التنفيذ، كانت الصين أكبر مصدر إلى إيران بـ4.8 مليار دولار، وكذلك أكبر مشتري للسلع الإيرانية، بقيمة 3.744 مليار دولار، حسبما أظهرت إحصاءات التجارة الخارجية الإيرانية، وفي الوقت الذي تسعى فيه أمريكا لخفض صادرات النفط الإيراني إلى مستوى الصفر، فإن بكين وباعتبارها شريكًا تجاريًا إستراتيجيًا لإيران تواصل شراء النفط ودعم الصناعات النفطية الإيرانية.

 

ونفس الموقف كان مع بيونغ يانغ، حيث عبرت بكين عن رفضها العقوبات التي فرضتها أمريكا على شركات صينية تتعامل تجاريًا مع كوريا الشمالية، فيما تحث الولايات المتحدة بكين على تكثيف ضغوطها على بيونغ يانغ، وقال لو كانغ الناطق باسم الخارجية الصينية: “نحن نرفض أن يعتمد أي بلد عقوبات أحادية الجانب ترتكز على أساس قوانينه الخاصة”، مؤكدًا في الوقت نفسه أن بكين “تطبق بدقة” العقوبات الدولية ضد بيونغ يانغ.

 

يابانيًا.. لم تكشف طوكيو عن رفضها لتلك العقوبات بصورة مباشرة كما فعلت جارتها، غير أنها أعربت عن قلقها حيال التداعيات الناجمة عن هذه السياسة الجديدة، وهو ما أشار إليه وزير الاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني هيروشيغي سيكو، حين علق على العقوبات المفروضة على طهران بقوله إن بلاده ستجري مباحثات مع الولايات المتحدة، لتجنب التأثير السلبي للعقوبات الأمريكية ضد إيران على النشاط التجاري الياباني.

 

وقال الوزير الياباني خلال مؤتمر صحفي، عقد في 7 من أغسطس/آب الماضي: “سنقوم بتحليل دقيق للحالة والتفاوض بصبر مع الولايات المتحدة لتجنب أي تأثير سلبي على النشاط التجاري الياباني”، خاصة أن طوكيو وطهران تخططان لرفع مستوى وحجم التبادل التجاري بينهما إلى حاجز الـ50 مليار دولار مع الوضع في الاعتبار حاجة اليابان الشديدة إلى النفط الإيراني خاصة أنها تستورد ما يزيد على 80% من حاجاتها من النفط.

 

ثم جاء التقارب بين أمريكا وكوريا الشمالية مؤخرًا بمثابة النقطة الفاصلة التي دفعت اليابان إلى إعادة النظر في علاقاتها مع واشنطن، حتى إن لم ترغب في فتح جبهة من العداء معها غير أنها ستحافظ في الوقت ذاته على الحدود المقبولة في علاقاتها مع المعسكر الشرقي الآخر الذي يضم الصين وروسيا وإيران وإن لم يلق قبولاً لدى ترامب وإدارته.

 

الصين – اليابان.. صفحة جديدة

 

استشعار كل من الصين واليابان خطر سياسات ترامب الجديدة لم يكن وليد اللحظة، بل تزامن مع الأيام الأولى لتنصيبه قبل 21 شهرًا تقريبًا، وهو ما دفع الجارتين إلى محاولة تخفيف حدة التوتر وفتح صفحة جديدة في العلاقات من أجل تدشين تحالف قوي قادر على مواجهة أطماع ترامب وأحلام أمريكا العظمى التي تراوده.

 

في يناير الماضي، أعرب وزير الخارجية الصيني لنظيره الياباني خلال زيارته لبكين أن بلاده تأمل بتحسين العلاقات مع طوكيو بهدف إنهاء سلسلة من الخلافات التي يرجع بعضها إلى فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، فيما أشار وزير الخارجية الياباني أن زيارته للصين تؤكد حرص بلاده على تحسين العلاقات معها وفتح صفحة جديدة بينهما.

 

نوريو ماروياما المتحدث باسم وزارة الخارجية اليابانية قال خلال مؤتمر صحفي حينها إن الصين واليابان تهدفان إلى تبادل عدة زيارات لكبار المسؤولين هذا العام، وأن العلاقات بين البلدين لا بد أن تعود إلى طبيعتها في ظل التحديات التي فرضتها المستجدات الأخيرة، إقليميًا كان أو دوليًا.

 

ومن ثم تأتي تصريحات رئيس الوزراء الياباني، لتعبر عن ثقته في تحسن العلاقات مع الصين، في هذا الإطار المتفق عليه سلفًا، وإن كان الطرفان يسابقان الزمن نحو تفعيل سبل التعاون والتحالف تجنبًا للوقوع في فخاخ ترامب وتصديًا للحرب التجارية المعلنة التي تكسب واشنطن عدوًا جديدًا كل يوم في مقابل خسارة حليف من الحلفاء التقليديين.

 

لم يكن التقارب بين الصين واليابان بعد عقود طويلة من التوتر هو الحالة الوحيدة لمخرجات سياسة ترامب الحمائية، بل إن الرئيس الأمريكي وعلى مدار ما يقرب من عامين نجح في إعادة رسم خريطة التحالفات بشكل كبير، فاقتربت تركيا من إيران وروسيا، فضلاً عن تخفيف حدة التوتر مع بعض دول أوروبا، بخلاف ما يثار بشأن تحالف روسي صيني تركي إيراني، ليواصل ترامب بفضل توجهاته دفع بلاده إلى مزيد من الانعزالية في مواجهة حلفائها وخصومها على حد سواء، ولعل هذا ما يقلق بعض الجهات السيادية في أمريكا بشأن مستقبل أمريكا وثقلها الدولي الذي بات على المحك.

Exit mobile version