الدكتور مهند المريود
توسع الانترنت في الآونة الأخيرة في جميع جوانب حياة المجتمع و أضحي استخدامه ضروري ، و بالتالي تطورت عمليات الاحتيال الالكتروني و تعددت أساليبه و التي منها علي سبيل المثال لا الحصر التصيد الاحتيالي ، بائعو التذاكر المزيفون ، و يستغل المحتالون جهل كثير من الناس بطرق الاحتيال و تاريخه و عدم الالمام بوسائل الأمن الالكتروني و من ثم تبدأ عملية تصيد الضحايا .
تتضمن عملية الاحتيال عادة وعد الضحية بنصيب كبير من مبلغ مالي ضخم مقابل دفعه كمية صغيرة من المال مقدماً حيث يدفع الضحية هذا المبلغ للمحتال الذي لم يعرفه من قبل تحسباً لتلقي شيء ذي قيمة أكبر – مثل قرض أو عقد أو استثمار ، اذا قام الضحية بدفع المال فان المخادع اما أن يخترع سلسلة من الرسوم الاضافية للضحية أو يختفي ببساطة .
منذ تسعينات القرن الماضي و مع تعرض غربيين لعمليات احتيال قدرت بملايين الدولارات التصقت هذه السمعة بالنيجيريين و قد عرف هذا النوع من عمليات الاحتيال باسم 419.
الاحتيال 419 من أكثرأنواع الاحتيال شيوعاً اذ يشير الرقم 419 الي القسم من القانون الجنائي النيجيري المختص بجرائم الاحتيال و العقوبات و التهم الموجهة الي المحتالين تحت هذا القسم ، بالانجليزية تكتب (scam419) ، و كانت أول موجة من محتالي الانترنت في نيجيريا في أغلبها من غير المتعلمين .
و لكن المجموعة التالية كانت من الشباب المتعلم المحبط من قلة فرص العمل في ظل ظروف اقتصادية ضربتها سلسلة من الحكام الطغاة و سنوات من سوء الادارة ،و يشار اليهم عادةً باسم “ياهوياهو” ، و في مايو /أيار من العام 2018 أغارت وكالة مكافحة الفساد النيجيرية علي “مدرسة ياهو ياهو للتدريب” في العاصمة التجارية ليغوس ، و اعتقلت صاحب المدرسة و ثمانية طلاب كانوا يتعلمون مهارات الاحتيال الالكتروني .
و قد لوحظ أن المحتالين أسسوا أعمالاً مشروعة من الاحتيال و أضحوا في مراكز مرموقة في مجتمعاتهم و صار المحتالون مصدر الهام للعديد من المحتالين المستقبليين ، و بات العديد من الشباب النيجيري يعتبر الاحتيال الالكتروني عملاً و مصدراً مشروعاً للدخل .
و اليوم فان هؤلاء المحتالون الذين ينشط أغلبهم علي الانترنت عبر البريد الالكتروني و تطبيقات المراسلة ، و هم يتصيدون ضحاياهم عبر رسائل رومانسية في الغالب أو عن طريق رواية قصة حزينة تروي أحداثها قصة لاجئة في السنغال أو سيراليون أو العراق تواجهها مشاكل مادية و نفسية و أنها من أسرة غنية و هي ابنة وزير دفاع دولة افريقية تم الحكم عليه بالسجن المؤبد و لديهم حساب في بنك في احدي الدول الأوروبية به مبلغ كبير من المال الا أنها تحتاج الي شخص في بلد آخر ليساعدها في تحويل المبلغ و سيحصل في المقابل علي نسبة عشرون بالمئة و التي بالمقابل ستكون كمية كبيرة من المال سيرسل المحتال للضحية صوراً بوضعيات مختلفة لفتاة حسناء غالباً يتم تجميعها من مواقع الموضة أو يتم أخذها من حساب فيسبوك آخر دون علم الشخص الحقيقي و سيزودك المحتال بروابط حقيقية للقصة الأصلية ليقنعك حتي تدفع له ما يزعم أنها رسوم المحامي و الأوراق القانونية.
لكن ما سنركز عليه اليوم هو أسلوب جديد يتخذ من منصات التواصل الاجتماعي وكراً له ، و هو نوع مستحدث ، فبعد أن صارت بعض الطرق الأخري مكشوفة لجأ المحتالون الي تطوير هذه الحيلة و ترقيتها بما يواكب متطلبات حياة الناس اليومية .
فبعد التغيرات السياسية و موجة الأزمات الاقتصادية التي اجتاحت الكثير من بلدان العالم أدي ذلك الي تفشي البطالة و الفقر مما دفع الناس الي التفكير جديا في بدائل أخري تقيهم جحيم الحياة في بلدانهم كالهجرة الي بلدان أوروبية و عربية متقدمة و قد حققت استقراراً اقتصادياً ملموساً علي أرض الواقع ، فان مجموعة المحتالين و بايعاز من زعيم المجموعة تقوم هذه الشبكة بانشاء صفحة علي الفيسبوك و بدعم من أفرادها حول العالم يقومون بمشاركتها لتصل الي أكبر عدد من المشاركين في الفيسبوك ، قد يطلقون عليها (السفر الي أمريكا عن طريق العمل) أو (وظائف بكندا لكل الجنسيات ) ، (وظائف بدبي) … الخ و تتضمن وسائل الاغراء مجانية تأشيرة الدخول و اذن العمل ، مجانية السكن و الرعاية الصحية و رواتب شهرية فلكية تصل الي سبعة آلاف دولار نظير العمل كقاطف لفاكهة التفاح لمدة خمس ساعات فقط لليوم في أحد حقول التفاح بمدينة مونتريال الكندية ! ، و من ثم يتصيدون الضحايا عن طريق الواتساب فان رقم المحتال قد يكون كندياً أو أمريكياً بالفعل لاضفاء شيء من المصداقية علي هذه الحيلة الا أن المحتال بالفعل قد لا يكون مقيماً في أياً من الدولتين ، يبدأ مسلسل الاحتيال عندما يتواصل الضحية بالمحتال طالباً منه شرحاً توضيحياً لعملية التقدم الي تلك الوظيفة ذات الميزات المغرية ، المحتال انسان يتمتع بصفة الصبر و طول البال و قد رتب خطوات احتياله مسبقاً ، سيشرع في طرح كثير من الأسئلة للضحية التي لا جدوي منها سوي اقناع الضحية بشرعية ما جاء في الاعلان المستخدم كطعم منها : الاسم رباعيا ، البلد ، بلد الاقامة الحالي ، رقم الهاتف ، الحالة الاجتماعية ، والسيرة الذاتية و بعد أن يتزود المحتال بالمعلومات يخبر الضحية أن معلوماته الآن قيد الدراسة و الفحص بواسطة لجنة من خبراء الاستقدام الموثوقين لدي السلطات الكندية أو الأمريكية أو بريطانيا ، البحرين و الامارات و من ثم يغيب المحتال لساعتين أو أكثر تاركاً الضحية متشوقاً لسماع قرار اللجنة المزعومة ، و يعود المحتال و معه ورقة عليها علم الدول المراد الهجرة اليها و بها أختام تبدو و كأنها حقيقية لمن ليس له دراية بأمور الهجرة و قوانين السفر ، زاعماً أن اللجنة الموقرة و بعد الاطلاع علي مؤهلات مقدم الطلب و خبراته العملية قررت منحه وظيفةً معينةً (مندوب مبيعات ) مثلاً بناء علي مؤهلاته و عليه أن يملأ هذه الورقة و يرفق رقم جوازه ساري المفعول في الخانة المخصصة لذلك ، ستحفز هذه الخطوة الكثير من الضحايا و تفقدهم الحس الأمني بوجود شيء مريب حول هذه العملية و عند اكمال عملية ملئ البيانات المطلوبة و اعادة ارسالها للمحتال.
فانه يغيب مرة أخري لسويعات و يعاود مراسلة الضحية معه اذن العمل و عليه صورة الضحية و المسمي الوظيفي و الشركة المخدمة و مكان السكن و اسم رب العمل و عليها ختم وزراة خارجية الدولة المراد الهجرة اليه (يتم التلاعب بذلك عن طريق تطبيقات كثيرة و يعتبر تطبيق الفوتوشوب أحدها) و بعد هذة الخطوة قد تنطلي الحيلة علي الضحية ، و عندها يقوم المحتال بارسال ورقة تحتوي علي تفاصيل الرسوم الواجب علي المتقدم دفعها منها رسوم التسجيل ضمن موظفي الشركة و بطاقة الموظف .
و تتراوح الرسوم المفروضة ما بين 400 دولاراً الي 500 دولار ، و سيوهم المحتال الضحية أن هذة الرسوم هي فقط للتسجيل و أنه بمجرد دفعها سيتم استخراج التأشيرة و تذاكر الطيران مجاناً علي حساب صاحب العمل في غضون سبعة أيام ، ستكون عملية دفع الرسوم عن طريق عنوان سيرسله له و يستخدم هؤلاء المحتالون وكالات كثيرة و أكثرها استخداماً هي وكالة موني غرام (MoneyGram) ، و سيحث المحتال الضحية علي الاسراع في عملية الدفع لأن قوانين الشركة تنص علي أن الموظف عليه أن يزوال العمل بعد أسبوعين من صدور اذن العمل ، و للأسف الشديد يعاني الضحية من أجل جمع مبلغ ال500 دولار و الذي بالكاد يعتبر مبلغاً كبيراً و قد يستدين من بعض معارفه و أقاربه ليدفعه لمحتال يجلس في غرفته واضعاً حاسوبه المحمول علي حجره سارقاً الألاف من الدولارات من الضحايا المساكين و من ثم يبحث عن ضالته في ضحية أخري جديدة .
نيجيريا في الغالب هي الدولة المشار اليها في هذه الحيل الا أنها تنشأ في دول أخري تتبع الأساليب ذاتها ، في عام 2006 ، تم تتبع بعض مجرمي الانترنت الي مواقع في الولايات المتحدة ، و آخرون الي المملكة المتحدة و من الدول المعروفة بنسبة عالية من الاحتيال : ساحل العاج ، توجو ، جنوب أفريقيا ،هولندا،أسبانيا ،بولندا و جمايكا .