شهدت مدن إيران موجة جديدة من الاحتجاجات الصاخبة قادها متقاعدو شركة الاتصالات، حيث خرجوا إلى الشوارع في طهران، تبريز، أصفهان، كرمانشاه، إيلام، سنندج، والأهواز، رافعين شعارات الغضب ضد تدهور أوضاعهم المعيشية ونهب حقوقهم، ومعلنين تضامنهم الكامل مع عائلات ضحايا انفجار بندر عباس، في مشهد يعكس عمق الأزمة الاجتماعية في البلاد.
منذ ساعات الصباح الأولى، تجمّع المتقاعدون في ساحات المدن وأمام مقرات شركات الاتصالات. في طهران، احتشد العشرات في شارع سردار جنکل، حيث علت أصواتهم بشعار «الموت للناهبين»، في إدانة مباشرة للمسؤولين عن نهب حقوقهم، ومؤكدين أن صبرهم قد نفد وأنهم سيواصلون الاحتجاج حتى تحقيق مطالبهم المشروعة. في تبريز، تظاهر المتقاعدون أمام مبنى الاتصالات ورفعوا لافتات كتب عليها: «أوقفوا الظلم والجور، أعيدوا لنا حقوقنا»، في رسالة قوية ضد الفساد المستشري في المؤسسات المالكة المدعومة من النظام.
أما في أصفهان، فقد تركزت التجمعات أمام المبنى المركزي للاتصالات بشارع چهار باغ بالا، حيث هتف المتقاعدون: «هيئة تنفيذ أمر خميني أكلت حقوقنا» و«عار عار على إذاعتنا وتلفزيوننا»، في إشارة إلى خيبة أملهم من الإعلام الرسمي الذي تجاهل معاناتهم. وفي كرمانشاه، علت الهتافات: «لم يشهد أي شعب هذا الكم من الظلم» و«المجلس والحكومة كلاهما يظلمان الشعب»، مؤكدين تضامنهم مع عائلات ضحايا بندر عباس، ومعتبرين أن ما جرى في الميناء هو جزء من مأساة وطنية تطال كل بيت إيراني.
في إيلام، نظم المتقاعدون وقفة احتجاجية أمام مبنى الاتصالات مرددين: «شركة ذات دخل مرتفع، ما الذي حلّ بك؟!»، في إدانة للنهب المنظم وسوء الإدارة الذي دمر مستقبلهم. أما في سنندج، فقد رفع المتقاعدون أصواتهم ضد المساهمين الرئيسيين، متهمين الهيئات الاقتصادية الكبرى بنهب جهود أعمارهم ومطالبين بالقصاص العادل. وفي الأهواز، سارت مسيرة احتجاجية حاشدة عبّر خلالها المتقاعدون عن مواساتهم لعائلات المفجوعين في بندر عباس، محذرين من أن استمرار الظلم والنهب سيشعل غضبًا شعبيًا أكبر.
تأتي هذه الاحتجاجات في ظل اتهامات متصاعدة لهيئة تنفيذ أمر خميني، الذراع الاقتصادية النافذة للنظام، بالاستيلاء على أرباح شركات الاتصالات وتحويلها إلى خزائن السلطة، بينما يُترك المتقاعدون لمواجهة الفقر والبؤس بعد سنوات من الخدمة. كما تتهم مؤسسة تعاون حرس النظام الإيراني بلعب دور رئيسي في نهب الحقوق، وسط تجاهل تام من الحكومة ومجلس الشورى لمطالب المتقاعدين.
تضامن المتقاعدين مع عائلات ضحايا انفجار بندر عباس لم يكن مجرد موقف رمزي، بل جاء تعبيرًا عن وحدة المعاناة في مواجهة فساد مؤسسي يضرب جذور المجتمع الإيراني. مأساة الميناء، التي أودت بحياة العشرات وشرّدت عائلات بأكملها، كشفت للجميع أن الإهمال والنهب لم يعد يقتصر على قطاع دون آخر، بل أصبح سياسة ممنهجة تهدد حياة وكرامة جميع المواطنين.
في مواجهة هذا الغضب الشعبي المتصاعد، لجأ النظام مجددًا إلى القمع والاعتقالات ومحاولات إسكات الأصوات، لكن إصرار المتقاعدين على الاستمرار في الاحتجاجات، وتضامنهم مع عائلات الضحايا، يؤشر إلى مرحلة جديدة من الغليان الاجتماعي في إيران. مرحلة قد تحمل في طياتها تحولات كبرى إذا لم تتم الاستجابة لمطالب العدالة ووقف نهب الحقوق.
التعليقات