صافيناز كاظم ترد علي سناء البيسي وتكشف خبايا ملف المثقفين ومعارك وازمات الصحفيين
به الرد على سناء البيسي
ملف المثقفين: رقم 1
سناء البيسي، غفر الله لها، نكأت جراحي، وحركت أوجاعي، وفتحت فاتوحة، لم أكن أود أن امد يدي إليها وأخرج منها “ذكريات عصفت بي..”، طبعا هذا كله حدث بالتأكيد من دون أن تدري سناء أنه سيحدث وهي تكتب مقالها الأسبوعي بجريدة الأهرام، السبت 24/11/2007، تحت عنوان: “جلال الدين الحمامصي دخان لم يذهب في الهواء”.
كان من الممكن أن تدخل الكاتبة في صلب موضوعها فورا وتقدم لنا تقييمها للأستاذ جلال الحمامصي، وهي حرة تقول في تمجيده ما شاءت وشاء لها الهوى، لولا تلك المقارنة التي بدأت بها قائلة: “و…أعبر هذا الأسبوع في انتخابات الصحفيين بين صفوف آلاف الزملاء بصعوبة لأستشعر الفارق في الزمان والمناخ، عندما كانت الخيارات متعددة والآن شحت الخيارات….عندما كان التنافس بين الشخصيات والآن بين التيارات…عندما كان المرشحون عمالقة والآن هناك مرشحون لم نسمع عنهم من قبل..عندما كنا محرجين أيا من اليوسفين نمنحه أصواتنا يوسف أدريس أم يوسف السباعي؟ عندما كانت البلاغة لغة الاستقطاب.. والآن …يدعوك مرشح لانتخابه بمزيكة حسب الله….عندما يسألونك بريبة: هل أنت مع تيار الحكومة….إلخ إلخ إلخ..”.
يا لهفي! ألهذه الدرجة خانتك الذاكرة؟ أي فارق هذا الذي تشيرين إليه في “الزمان” و”المناخ” و”الخيارات المتعددة”؟ متعددة يا سناء؟ متى كان هذا؟ في الستينيات التي كان يتم فيها القرار “بتعيين” النقيب وأعضاء المجلس؟ أم في السبعينيات عندما جلس يوسف أدريس على منصة في الجمعية العمومية للصحفيين 1971/ 1972 في صالة النقابة أم جنينة يتقمص “العسكري الأسود”، الذي كان أحد شخصيات قصصه القصيرة التي سجلت بطولات يوسف إدريس في الدفاع عن الحرية على الورق فقط، يتحكم في من يتكلم في الميكرفون ومن يتوجب منعه باتفاق مسبق وفق تعليمات الزجر الموصى بها من صديقه يوسف السباعي؟ وإن كنت لا أدري أي اليوسفين كان القاتل الرئيسي. هل لاحظت الآن فقط يا أستاذة كيف تشح الخيارات؟ وهل صحيح أن التنافس في ذلك الزمن الماضي كان بين “الشخصيات” ولم يكن أبدا بين “التيارات”؟ ألم تلاحظي حضرتك بتاتا أن “الشخصيات” كانت هي “التيارات”؟ أو إن شئت كانت هي “التيار”! فلم يكن هناك سوى التيار الواحد نعم “والحكومي” وعلى عينك يا صحفي وإن كان عاجبك! ثم ما معنى “كان المرشحون عمالقة”؟ ما هذا الكلام؟ ما هو تعريفك لـ”العملقة”؟ أذكري لي نقيبا واحدا وقف في الستينيات أو السبعينيات أو الثمانينيات من القرن الماضي وقفة عملاقة واحدة دفاعا عن حرية صحفي تم سجنه وتعذيبه وإخراجه إلى الجبل يقطع الأحجار- باستثناء صلاح جلال رحمه الله الوحيد الذي زارنا في سجن القناطر للنساء. أذكري لي نقيبا واحدا تحرك حركة عملاقة حقيقية، غير مسرحية، للدفاع عن صحفي منعوه من النشر وتم فصله تحت عناوين قضايا ملفقة وهمية، ليكون لك الحق أن تتعالي على شباب جديد لم نختبرهم بعد، ولا غرابة أننا لم نسمع عنهم من قبل، والحمد لله، فمن الطبيعي ونحن من جيل بلغ العمر الذي تعرفينه، ألا نكون قد سمعنا عنهم لأننا حتى لو سمعنا، وتكررت أسماءهم على أسماعنا ألف مرة فسوف ننساهم، بحكم الحالة العمرية، على الفور!
ما رأيك في أن أعيد على أسماعك وأسماع الجيل الجديد مقتطفات من “عرض حالة” تحت عنوان “وإذا الموؤدة سئلت..”، كنت قد كتبتها في محاولة لنشرها عام 1974 ولم أفلح لأنني كنت، مع كثيرين غيري، ممنوعة من النشر ولو تحت عناوين كاذبة تدعي أنها مستعدة للدفاع عن رأيك وإن اختلفت معك
وقد أخذت شكل سؤال وجواب كالآتي:
– متى بدأ هذا الوأد؟/ – أغسطس 1971 وهو تاريخ استلام الأستاذ يوسف السباعي منصب رئيس مجلس إدارة دار الهلال ورئيس تحرير المصور./ – كيف تمت صياغة الوأد؟/ – على عدة مراحل: أولا، رفض كل ما قدمته للنشر سواء أكان مقالا نقديا لمجلة المصور أو حلقات عمودي الثابت في مجلة الكواكب بعنوان “مونولوج”، رغم موافقة الرقيب على كل ما قدمته. ثانيا، قال لي رئيس مجلس إدارة دار الهلال ورئيس تحرير المصور الأستاذ يوسف السباعي أنه هو الذي قرر عدم النشر، وليس الرقيب الرسمي الموفد من قبل الحكومة، حتى تغيري روحك. سألته عن معنى تغيير الروح، قال: تغيري أسلوبك، جادلت بين ضاحكة ومندهشة، إذ حسبته يمزح لكن دلائل الغضب على وجهه وزغرة عينيه أكدت لي أنه جاد في تصوره أنه من الممكن للإنسان أن يغير روحه خاصة عندما قالها لي على بلاطة: أنا مش عايز أشوف اسم صافي ناز ده خالص..والفرعنة اللي عندك أنا سأضع لها حدا، ومناخيرك ح أجيبها الأرض. ثالثا، حاولت نقل نشاطي المهني إلى الإذاعة وكدت أنجح في تقديم برنامج “مونولوج” بإذاعة الشرق الأوسط، وكان رئيسها الأستاذ الفاضل طاهر أبو زيد، ولكن الأستاذ السباعي تدخل وأوقف البرنامج في موعد تسجيله – (قال لي الإعلامي الكبير طاهر أبو زيد أن يوسف السباعي قال له: نمنعها من ألف تطلعها على مليون؟ وأكد الأستاذ طاهر أبو زيد أن هذا كان السبب في الإطاحة به من منصبه لرئاسة إذاعة الشرق الأوسط. “كان” الأستاذ طاهر أبو زيد مازال بيننا أطال الله عمره وهو شاهد على ما أقول). رابعا، أقمت مجلة حائط خاصة بي في مكتبي بدار الهلال وفوجئت برفعها في غيابي لعرضها على يوسف السباعي الذي أصدر بعدها أمرا بترحيلي من غرفتي إلى غرفة أخرى معزولة حتى لا أجد جمهورا يقرأ مجلتي الحائطية، ثم أصدر أمرا إداريا بندبي إلى مجلة دراسات اشتراكية، مع قرار آخر بنقلي نهائيا من المصور إلى مجلة دراسات اشتراكية التي يرأس تحريرها الماركسي عضو الحزب الشيوعي إبراهيم عبد الحليم. خامسا، قال لي الأستاذ إبراهيم عبد الحليم أن المجلة ليس بها مجال لتخصصي في نقد المسرح وأنه لا يستطيع أن يستغل قدرتي اللغوية في الترجمة لأن مقالات مجلته بها مصطلحات ماركسية وأنا غير ماركسية. وعندما سألته ولماذا قبلت قرار نقلي عندك قال في لهجة جدعنة: قال لي تاخد صافي ناز عندك؟ معقول أقول لا؟ لا يصح. قلت له: آخد صافي ناز بس ما تكتبش. وكان يبدو من لهجة الأستاذ إبراهيم عبد الحليم أن علي أن أشكر فروسيته هذه. سادسا، حاولت أن أتعاون مع الأستاذ عبد الحليم وقدمت له قطعة اسمها “وتريات”، رفضها قائلا: مجلة دراسات اشتراكية ليست منبرا حرا، إنها مجلة ماركسية لينينية ولا تنشر هذا الكلام، الذي صنفه بأنه ليبرالي. سابعا، رفض الأستاذ إبراهيم عبد الحليم احتراما لتعليمات الأستاذ يوسف السباعي، أن أعلق ورقة واحدة على حائط مكتبي على أساس أن صراعه ليس مع يوسف السباعي ولكن الصراع مع الإمبريالية العالمية. / – ماهي المدة التي استغرقتها كل هذه المراحل؟/ – من أغسطس 1971 حتى نوفمبر 1972. /- ألم يكن هناك شهود؟ /- لقد تمت كل هذه المراحل تحت سمع وبصر كل محرري وكتاب دار الهلال، وتحت سمع وبصر كثير من محرري وكتاب ونقاد الحركة الثقافية المصرية، وقد قمت بإبلاغها على ملأ كبير من المجتمعين بنقابة الصحفيين تحت أنظار النقيب الأستاذ علي حمدي الجمال. وأذكر أنني قلت: أنظروا إليّ: إن ما يحدث معي سوف يحدث لكم جميعا إن لم تبادروا بإقامة الضوابط والروابط. /- ألم تحاولي نشر مقالاتك المرفوضة بأي مكان آخر؟ /- أعتقد أن قانون النشر عندنا يمنع أن تكون موظفا بمؤسسة وتنشر بمؤسسة أخرى إلا إذا نشرت شيئا خارج مجال تخصصك، وقد قمت بالفعل بتقديم “وتريات”، من أشكال الشعر الذي أكتبه، إلى الأستاذ مصطفى بهجت بدوي وقد تفضل وقتها بنشرها في جريدة الجمهورية في صفحة “الدين” لأن عنوانها كان آية قرآنية، ولقد سررت لذلك لكن عندما علم الأستاذ السباعي بهذا الأمر، غضب غضبا شديدا، وعاتب الأستاذ مصطفى بهجت بدوي على نشره “لواحدة احنا مانعنها”. ولذلك لم أحاول أن أحرج الأستاذ مصطفى بهجت بدوي مرة أخرى. /- ألم يكن من الممكن أن تنشري بمجلة الطليعة أو الكاتب؟ /- أرسلت للطليعة في أغسطس 1971 مقالا عن مسرحية ملك الشحاتين لنجيب سرور وكانت معروضة في ذلك الحين وهي من المقالات التي أعتز بها ووافقت عليها الرقابة ورفضها يوسف السباعي، ولكن الأستاذ غالي شكري المشرف على الملحق الفني للطليعة قال لي أن مجلس تحرير المجلة لم يوافق على النشر وعندما قابلت الأستاذ لطفي الخولي رئيس تحريرها قال لي أن هذه الواقعة غير صحيحة وأن غالي شكري تصرف من نفسه، ولم يهمني أيهما أكذب. أما مجلة الكاتب فلي تجربة سابقة معها جعلتني أحجم عن المحاولة. /- وما رأيك في غلق مجلة الكاتب الآن؟ /- جريمة بشعة ولكني لم أستغرب لها بل الحقيقة أنني كنت أتوقعها، ولعل الذين فجعوا فيما حدث لمجلة الكاتب يتعلمون هذه الحكمة: الذي يسكت عن سرقة البيضة لا يتعجب حين يسرق الجمل. /- لماذا لم تحاولي التفاهم مع دار الهلال بعد أن تركها يوسف السباعي؟ /- حاولت بالفعل. وعلى وجه التحديد أثناء معارك أكتوبر 1973 كنت تحت البنج في عملية وضع وعندما أفقت من البنج كتبت “وتريات” عنوانها “نوارة الانتصار، تحية لأبناء مصر الذين يولدون على الجبهة”، وأرسلتها للأستاذ فكري أباظة رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير المصور، لكن الأستاذ فكري أباظة رفض نشرها وفسر لي موقفه فيما بعد قائلا: والله يا بنتي كانت قطعة كويسة بس قالوا لي لو نشرت شيء لصافي ناز تبقى بتتحدى يوسف السباعي وأنت عارفة البلد كانت في ظرف ما يستحملش. وعندما طلبت منه أن يعيدني لممارسة عملي ناقدة مسرحية بمجلة المصور قال لي: أتركي لي خمسة أيام استأذن فيهم يوسف السباعي، وقطعا كانت دهشتي بالغة لأن فكري أباظة مهما كان: تاريخ مجد صحفي ويوسف السباعي وزير ثقافة ولا علاقة لسلطاته الرسمية بالإعلام، ولكن فكري أباظة قال لي: يعلم الله يا بنتي أنا معك لكن معلش، وبعد خمسة أيام سألته عن نتيجة الاستئذان فقال لي: اقعدي ربي بنتك! وصعب علي جدا فكري أباظة، وكان إحساسي بالقهر مؤلما جدا. /- وماذا فعلت منذ ذلك الحين؟ /- قابلت الدكتور كمال أبو المجد إثر تصريح أعلنه في روز اليوسف أنه: ليس هناك فيتو ضد أحد، وقلت له: أنا موؤدة منذ ثلاث سنوات، وأريد أن أعرف لماذا أنا ممنوعة من النشر، وإلى متى سيظل هذا الحصار المحكم إغلاقه، فأكد لي أنه ليس هناك أي قرار منع رسمي بشأني. شرحت له كل شيء بالتفصيل واتفقنا على حل حاسم للموقف، لكني ظللت بالبيت ولم تتم للآن أي خطوة في سبيل هذا الحل.
…….
انتهى كلام الماضي، وأنا أتناسى كل هذا يا صديقتي متعمدة إلى أن يلطمني كلام مثل كلامك فتستيقظ الآلام وتحتقن الجراح، واعلمي يا سناء أن جرائم القهر والظلم لا تسقط بالتقادم ولا يمكن إخفاؤها تحت أي ساتر أو حجاب من معسول الكلام!
فيا شباب الصحافة عليكم أن تعلموا حق العلم أن ذلك “الزمن الجميل” لم يكن جميلا بالمرة، ولو جمعوا له كل المحسنات اللفظية من فنون التزوير و”بلاغة لغة الاستقطاب”، وكما قال الشاعر أحمد فتحي رحمه الله: “حسبنا وهما وحلما وخيالا حسبنا”!
_______