تقرير : إيمان حامد
خرجت تظاهرات تحت عنوان الرفض التام لإصلاح نظام التقاعد، والتي تمثل سادس تحرك منذ شهر يناير الماضي في ذلك السياق، إلا أنها تكتسب زخماً في ظل الأوضاع المعيشية المتفاقمة بالبلاد مع ارتفاع معدلات التضخم وزيادة الأسعار، ضمن التبعات الناجمة عن الحرب في أوكرانيا والتي تعاني منها البلدان الأوروبية بنسب متفاوتة .
بينما الحكومة الفرنسية تتمسك بمد سن التقاعد ليكون 64 سنة بدلاً من 62، لمواجهة مشكلة تدهور الوضع المالي لصناديق المعاشات، وأيضاً معالجة أزمة الشيخوخة السكانية وتعتبر أن سن التقاعد المنخفض يشكل عبئاً على الموارد المالية العامة للدولة، وهو كذلك سن أقل نسبياً مقارنة بكثير من الدول الصناعية الأخرى ويُقدر العجز في نظام المعاشات بحوالي 10 مليارات يورو، أو نحو 10.73 دولارات أميركي بداية من العام الماضي 2022 وحتى العام 2032
مشيرا إلي أن إصلاح نظام التقاعد سيتيح أمامها إمكانية ادخار ما يزيد على 17 مليار يورو أي نحو 18 مليار دولار أميركي سنوياً بحلول العام 2030
وقال الباحث والأكاديمي الفرنسي، بيير لوي ريمو إن ثمة أبعادا اقتصادية واضحة لتظاهرات ترتبط بالأساس بالمخاوف الكبيرة من العمل مدة أطول دون زيادة في الأجور على اعتبار أن قانون تمديد العمل لمدة أطول ربما يرفع من مستوى المعاشات لكن ليس مستوى الأجور أو مستوى ارتفاع تكلفة المعيشة و أنه فيما يتعلق بالظروف المعيشية.
أكد بيير لوي ريمو علي أن المتظاهرين بوجه عام يرون أن ظروف العمل الصعبة لمن يؤدي مهنة متعبة تتضمن حملاً ثقيلاً كالوقوف طويلاً والدوام الليلي، كلها ظروف لم تحظ بالاهتمام الكافي خصوصاً لمن بدأوا العمل في سن مبكرة، مؤكداً أن هؤلاء يرون أن ثمة إجحافاً في فرض الدولة عليهم نفس عدد سنوات عمل شخص بدأ العمل في وقت متأخر ويعمل في ظروف مريحة أكثر.
وأشار الخبير الاقتصادي الفرنسي، جان مسيحة إن قانون إصلاح المعاشات الذي تقدمه الحكومة يواجه معارضة شديدة ليس فقط من الأحزاب السياسية المعارضة للحكومة، بل أيضاً من أغلبية الفرنسيين مضيفا أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن أكثر من 70 % من الفرنسيين يرفضون هذه الإصلاحات التي تطال المعاشات، والتي بموجبها يصبح سن المعاش 64 سنة وليس 62 سنة كما كان من قبل.
وأوضح أن تلك التظاهرات تأتي أيضاً بالتزامن مع الأوضاع المعيشية والاقتصادية المتفاقمة بالبلاد و أن ارتفاع معدلات التضخم وزيادة الأسعار وتكلفة المعيشة وعدم استطاعة الفرنسيين متوسطي الدخل مقاومة هذا الوضع، هي أمور خلقت معارضة شديدة ومطالبات للحكومة من أجل حماية الاقتصاد الفرنسي، ولا سيما فيما يتعلق بأسعار السلع الأساسية مثل الخبز واللبن واللحوم.
وأضاف الخبير الاقتصادي الفرنسي ان أسعار الطاقة في البلاد وصلت إلى مستوى قياسي في العام 2022، بعد أن تم تداول الغاز الطبيعي عند 340 يورو لكل ميغاواط في الساعة في 26 أغسطس من العام الماضي وبينما تعطي تلك الأوضاع زخماً للفعاليات الاحتجاجية المرتبطة بنظام التقاعد، فإنه استناداً إلى هذه الأرقام والوضع الاقتصادي، يحذر إن هناك بركاناً اجتماعياً في البلاد يمكن أن ينفجر في أي وقت وفي كل المدن الفرنسية كما أن هناك خوفاً من جانب الحكومة الفرنسية في أن يتسبب هذا البركان في اضطرابات سياسية ربما تؤدي إلى حل البرلمان الفرنسي.
ألتفتت الكاتبة الصحافية فابيولا بدوي أن “مظاهرات اليوم ترتبط بتحديات اقتصادية وحياتية” وأن الرئيس إيمانويل ماكرون فشل في تمرير هذا القانون خلال ولايته الأولى ويحاول الآن تمريره لأنه يدعي أن زيادة سن التقاعد ستسهم في تمويل صندوق المعاشات، إذ سيتم استقطاع جزء من راتب الموظفين لصالح صندوق المعاشات و إذا أراد تمويل صندوق ما أو إعادة التوازن إلى ميزانية الدولة عليه أن يعيد الضريبة التي كانت على الثروات، والتي للمفارقة هو من أشار على الرئيس الأسبق فرانسوا أولاند برفعها عندما كان ماكرون يعمل مستشاراً اقتصادياً له، واستمر الرئيس الحالي خلال ولايته الأولى مصراً على عدم إعادة تلك الضريبة، وبالتالي عليه أن يعيدها لتمويل صندوق المعاشات، أما أن يكون التمويل برفع سن التقاعد فهذا مرفوض تماما.
وافادت فابيولا إلى أسباب رفض هذا القانون أن الأمر مرتبط بـ “مواجهة حياتية واقتصادية” إذ أن الثقافة الغربية السائدة هي أن الحياة تبدأ بعد سن المعاش، حيث يتفرغ الشخص لحياته الخاصة والاستمتاع بها، أما الوصول إلى 64 عاماً فهذا عمر مرتفع بالنسبة للفرنسيين ومرهق جداً و أن الشباب يرفضونه كذلك، لأن مد سن المعاش يُحدث نوعاً من البطالة، ويحول دون تقلد الشباب المناصب إلى حد كبير وبشكل سريع.
شددت الكاتبة الصحافية الفرنسية من نتائج استمرار تمسك الحكومة الفرنسية بمشروع القانون، لما لذلك من تبعات اقتصادية على أساس أن هناك تهديداً بإضراب شامل وعام إذا ما تم الإصرار على تطبيق هذا القانون على العاملين في مصافي البترول وقطاع الكهرباء، وهذا الإضراب سيغرق البلاد ويكلفها المليارات، وسط مخاوف من الاتجاه إلى عصيان مدني، وفقاً لها.
والجدير بالذكر أن النقابات المنظمة لهذه الاحتجاجات كانت قد هددت في يناير الماضي بأنها ستصيب البلاد بشلل تام، إذ رفضت الحكومة أو الرئيس ماكرون التخلي عن هذه الإصلاحات، التي يرى أنها ضرورة لتجنب انهيار نظام التقاعد في بلد لديها أحد أسخى أنظمة التقاعد بين الدول الصناعية.
التعليقات