الثلاثاء الموافق 11 - مارس - 2025م

سفيرة السعادة بجامعة طنطا : الشخصية المصرية تتميز بالفهلوة

سفيرة السعادة بجامعة طنطا : الشخصية المصرية تتميز بالفهلوة

هاني حسين

 قالت الأستاذة الدكتورة رانيا الكيلاني أستاذ علم الاجتماع بكلية الأداب بجامعة طنطا ومدير وحدة رصد المشكلات بجامعة طنطا ورئيس مجلس إدارة جمعية  سفراء السعادة ،  خلال لقائها بالتلفزيون المصري    ، ان   الشخصية المصرية على مر العصور  تتميز بسماتٍ ثابتة إلى حد ما، فتميز المصري بسمات معينة كالذكاء، والتدين، والطيبة، وخفة الظل، وغيرها من الصفات، فانطبعت هذه الصورة الذهنية وأصبح الجميع يتوارثها ؛ لقد امتازت الشخصية المصرية بالقدرة الهائلة على التكيف حتى مع الظروف الحالكة، فالمصري يتميز بمرونة في التعامل مع الأحداث فيفكر دائمًا في تغيير نفسه بدلاً من تغيير المجتمع.

 واكدت الكيلاني ان رغم  التحولات الحادثة فى السمات الست للشخصية المصرية إلا أن الشخصية المصرية تعتبر نسبيا أكثر ثباتا خاصة فى مواجهة التغيرات الحالية  , حيث نجد أن مجتمعات عربية أخرى قد ذابت تماما أو تكاد فى النظام العالمى الجديد بكل سلبياته وإيجابياته , وربما يعود ذلك الثبات النسبى للشخصية المصرية إلى تراكم سماتها فى طبقات حضارية عبر عصور طويلة وتأكد هذه السمات مع الزمن رغم التغيرات الطارئة , كما أن المصرى لديه ميل قوى للإبقاء على الأوضاع القائمة يعود لتأثره بالطبيعة الجغرافية والمناخية التى يعيشها وأكد علي ذلك جمال حمدان في كتابه ” شخصية مصر “

 وتابعت الكيلاني  ان جوستاف لوبون  أكد فى كتابه ” الحضارة المصرية القديمة ”  : ” إذا كان المصرى قد شعر بالسأم من سهوله الوضاءة المشرقة , فإنه قد جهل الآلام المفزعة والتى تنشأ على شواطئ البحار الموحشة , وفى خلال الشفق الأحمر تحت السماء المتقلبة الغادرة “.

وما الغرابة فى ذلك أليست مصر مثل كل المجتمعات البشرية , والبشر فيهم كل هذا ؟ 

وكانت الاجابة بنعم كل الشعوب بها تعددية وتناقضات ؛ ولكن فى الشخصية المصرية وفى الحياة المصرية عموما تجد هذه التعددية وهذه المتناقضات صارخة إلى الدرجة التى جعلت عالما مثل موريس هيندوسMaurice Hindus 1949) يردد أن مصر أرض المتناقضاتLand of paradox )   كما يقول جمال حمدان – تحت تأثير التباين الشديد بين الفروق الإجتماعية الصارخة من ناحية , أو من ناحية أخرى بين خلود الآثار القديمة وتفاهة المسكن القروى , أو بين الوادى والصحراء  حيث يتجاوران جنبا إلى جنب , ولكن كما تتجاور الحياة والموت وأكد علي ذلك .الدكتور ميلاد حنا “في كتابه  ” الأعمدة السبعة للشخصية المصرية ” ليوضح فيه روافد تعددية وثراء وأحيانا تناقض سمات هذه الشخصية .

 وأضافت الكيلاني  أيضا جمال حمدان وضع  فصلا فى كتابه شخصية مصر تحدث فيه عن تعدد الأبعاد والجوانب ؛ وخلص إلى أن الأمة المصرية أمة متعددة الجوانب , متعددة الأبعاد والآفاق , مما يثرى الشخصية الإقليمية والتاريخية … فلها بعد آسيوى وبعد إفريقى وبعد نيلى وبعد متوسطى , وكل بعد من هذه الأبعاد يترك بصمته على الشخصية المصرية بشكل أو بآخر.

وأوضحت الكيلاني  ان المصريين لديهم قدرة هائلة على التكيف مع الظروف , ويبدو أن هذه القدرة اكتسبوها من تاريخهم الطويل فى التعامل مع أنماط متعددة من الحكام والحكومات , وتغير الظروف والأحوال التى يعيشون تحت وطأتها , فلديهم مرونة كبيرة فى التعامل , ولديهم قدرة على قبول الأمر الواقع والتكيف معه أيا كان هذا الأمر , ولديهم صبر طويل على الظروف الضاغطة والقاصمة , ولديهم أمل فى رحيل من يظلمهم بشكل قدرى لا دخل لهم فيه ( اصبر على جارك السو , يا يرحل يا تجيله داهية تاخده ) , فهم يراهنون دائما على الزمن يحل لهم المشكلات , أو تتحلل معه  المشكلات وعزائمهم ولكى يتمكن المصرى من مواصلة التكيف وتحمل ثقل الأمر الواقع ( الذى لا يسعى جديا لتغييره ) فإنه يستخدم النكتة والقفشة والسخرية سلاحا يواجه به من فرض عليه هذه الظروف , وهذه الوسائل تقوم بتفريغ طاقة الغضب , إن كان ثمة غضب , وتؤدى بالتالى إلى استقرار الأمور , أو بالأحرى إلى بقاء الوضع على ماهو عليه , رغم قسوته .

ونجد هناك الكثيرون يتفقون على أن للشعوب أنماطا وسمات مشتركة تميزها بشكل عام على الرغم من الإختلافات الفردية الكثيرة لأفرادها , وأن عوامل الجغرافية والتاريخ والسياسة والإقتصاد والدين , كل ذلك يشكل الشخصية العامة لمجتمع بعينه , وقد كتب عالمنا العظيم جمال حمدان عن ” شخصية مصر ” وكأن مصر نفسها ( وليس فقط المصريين ) كيان معنوى له سمات مميزة تفرقها عن أقطار أخرى لابد وأن لها هى الأخرى سماتها المختلفة .

و ذكرت الكيلاني  خلال  لقائها إذا كان هناك من علماء الإجتماع من ينكر وجود نمط سائد للشخصية فى مجتمع ما أو فى عصر ما إلا أن عالما مثل الدكتور حامد عمار قدم دراسة مستفيضة رجع فيها إلى العصور القديمة والمجتمعات البدائية وما كتب عنها من دراسات تؤيد أن كل مجتمع يسود فيه نمط معين للشخصية يغلب على أفراده ويظهر على السطح ويحظى بالفرض  والأسبقية , وقد ضرب أمثلة لذلك من المجتمعات القديمة والحديثة نكتفى منها بذكر نماذج لمجتمعات حديثة لعلها تكون أقرب للر ؤية من غيرها , فإذا أخذنا المجتمع الإنجليزى وجدنا أن المثل الأعلى للشخصية الإنجليزيةهو نمط ” الجنتلمان “

والشخصية الأمريكية – كما هو معروف – لا تميل إلى التعمق فى التفكير والتحليل , وتفضل الطابع العملى , والسلوك والسعى إلى كل ما يحقق منفعة , وهذا هو جوهر الفلسفة ” البراجماتية ” التى تمثل جوهر الشخصية الأمريكية

ومن هنا نستطيع القول – بدرجة معقولة من الصحة – أن مفتاح الشخصية الإنجليزية هو الجنتلمان ” فى حين أن مفتاح الشخصية الأمريكية هو ” البراجماتى ” , وهذه المفاتيح هى بمثابة الشفرة التى من خلالها نستطيع قراءة الكثير من أفكار وسلوكيات كل شخصية,

و أكدت الكيلاني ان مسألة مفتاح الشخصية قد استخدمها العقاد بنجاح فى عبقرياته لكى يوضح بها محور الشخصية الأساسى الذى تدور حوله ,أو تنبثق منه بقية عناصر الشخصية وتوجهاتها .

وقالت الكيلاني ان  رأى المستشرق الفرنسى ” جاك باركن ” أن الفهلوة هى السلوك المميز للشخصية المصرية , وهو يرى ” أن هذا السلوك مكن مصر من ألا تضيع أبدا لكنه جعلها تخسر كثيرا ويصدق دكتور حامد عمار عميد التربويين المصريين على مقولة المستشرق الفر نسى محاولا قطع شوط طويل فى المسافة الشائكة بين كون الفهلوة سلوكا أنقذ مصر على طول تاريخها من الضياع , والخسارة التى ما زالت مصر تتكبدها بسبب الفهلوة , ووصل دكتور عمار فى رحلته إلى عمق رأى فيه أن الفهلوة قد توحشت وأصيبت بالسعار .

يقول دكتور عمار : ” عصور طويلة مرت لكل عصر منها سماته المميزة , وخصائصه الفريدة وألوانه الخاصة فى تلوين ملامح الفهلوة دون المساس بالأصل … والحقيقة أنه لم يكن هناك متسع من الوقت والجهد لأن يتغير الأساس … إذا كانت الفهلوة الوسيلة المثالية لبناء جسد يتجاوز به المصرى المسافة الفاصلة بين قدرته اللامتناهية على الطاعة والقبول بأقل القليل

ويقر جوستاف لوبون بأن الظرف والمرح والتلطف من أبرز خصال المصريين القدماء . وكثيرا ما دعا أدباؤهم وحكماؤهم إلى الأخذ بأسباب البهجة والمرح فى الحياة أينما كانت وحيث وجدت .

ومماسبق نجد أن تلك السمات والخصائص المميزة للشخصية المصرية التي كانت الشغل الشاغل للباحثين والدارسين في مجال العلوم الاجتماعية ؛ هي الحصن الذي يقي مصر أثار الازمات والكوارث ؛ وحتي وان كانت جائحة عالمية تهدد العالم باكمله ؛ وادت الي زيادة معدلات الانتحار عالمياً؛ الناتج عن حالات الخوف والاكتئاب ؛ الي جانب زيادة ملحوظة في نسب الخلافات العائلية والزوجية ؛ في حين تعامل المصرين مع هذه الكارثة العالمية بالنكات والسخرية ؛ ليس تقليل من حجم المشكلة ؛ أو لعدم وعيه بتوابع مثل هذه الكارثة ؛ ولكن يرجع ذلك لطبيعة وسمات هذه الشخصية المصرية ؛ التي تعد بالفعل لغز حير الباحثين والعلماذ منذ القدم ؛ وسخرة تتحطم عليها كل الكوارث والازمات ؛ حتي وان كانت تتألم .. ( مصر ملكة الحد الاوسط )  

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

إعلان بنك مصر

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 80327550
تصميم وتطوير