بقلم : د. محمد أبو العلا
بعدما تكلم عمر الخيام عن الإقبال على الدنيا بشهواتها وملذاتها، ساق الحجج المنطقية على ذلك، ومنها أنه كيف يشغل باله بالموت والمستقبل والآخرة , والأولى به أن يعيش يومه قائلاً : ” غدٌ بظهر الغيب بظهر الغيب واليوم لي، وكم يخيب الظن في المقبلِ، ولست بالغافل حتى أرى جمال دنيايَ ولا أجتلي، القلب قد أضناه عشق الجمال، والصدر قد ضاق بما لا يقال، ياربِ هل يرضيك هذا الظما والماء ينساب أمامي زلال ؟
بهذه الأبيات السابقة ساق عمر الخيام المبررات المنطقية لحب الشهوات والملذات، والانطلاق نحو الدنيا، وعدم الانشغال بالآخرة، أن يعيش الإنسان يومه فقط، ولا لما سيحدثه المستقبل، فمن يستطيع أن يرى جمال الدنيا بخمرها ونسائها ويطلب مع ذلك الآخرة ؟ وهو معنى قوله” ولست بالغافل حتى أرى جمال دنيايَ ولا أجتلي” متابعاً بعد ذلك بقوله:
أولى بهذا القلب أن يخفق، وفي ضرام الحب أن يحرق، ما أضيع اليوم الذي مر بي من غير أن أهوى وأن أعشق، أفق خفيف الظل هذا السحر، نادى دع النوم وناغي الوتر، فما أطال النوم عمراً، ولا قصر في الأعمار طول السهر.
يرى الشاعر أن قلبه يستحق مزيداً من الحب، مزيداً من قصص الهيام، أن يُحرق بنيران الحب، بل إنه يلعن ذلك اليوم الذي يمر عليه دون قصة حبٍ جديدة، داعياً للاستفاقة من الغفلة، فوقت السحر لديه ليس وقت العبادة، إنما هو وقت الشرب والنساء، واللعب على أوتار الآلات الموسيقية، فلن يطيل النوم عمره، ولن ينقصه كثرة السهر، لذلك يدعو الشاعر إلى السهر والمرح وعدم إضاعة الوقت في الفكر لأنه كما يبرر منطقياً ذلك:
فكم توالى الليل بعد النهار، وطال بالأنجم هذا المدار، فامش الهوينى إن هذا الثرى من أعينٍ ساحرة الاحورار.
فالداعي المنطقي للسهر وضياع الوقت في المرح والحب والخمر هو أن الأيام سرعان ما تمر، وسرعان مايتعاقب الليل بعد النهار، ليجد الشاب نفسه شيخاً، ويدركه الموت، فهذا التراب الذي نمشي عليه هو نفسه مليءٌ بأناسٍ قد ماتوا ، كان لهم من الحسن والجمال ما لا تخطأه عين. كما يبرر أكثر من ذلك بقوله أيضاً في مرحلة المجون:
لا توحش النفس بخوف الظنون، واغنم من الحاضر أمن اليقين، فقد تساوى في الثرى راحلٌ غداً وماضٍ من آلاف السنين، الجميع يموتون دون استثناء، يتساوى في ذلك من مات بالأمس ومن سيموت غداً، جميعهم يوارون التراب، فلا تجهد عقلك بالتفكير، وعش يومك، بل لحظتك، هو ما دفعه للقول:
اطفيء لظى القلب ببرد الشراب، فإنما الأيام مثل السحاب، وعيشنا طيف خيالٍ، فنل حظك منه قبل فوت الشباب.
وتظهر براعة المترجم ” أحمد رامي” في تغيير كلمة ” برد الشراب ” بشهد الرضاب، والتي تغنت بها أم كلثوم على العامة، وشهد الرضاب معروفٌ للجميع، لايتسع المقام لتفسيره.

عيار 21 في الطالع.. ارتفاع أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 25-2-2025 بالأسواق
25 فبراير 2025 - 7:36ص
التعليقات
ابدعت
رغم ما تحمله تلك الأبيات من فسوق وعربدة إلا أن الشاعر في نهاية شعرة أظهر أصل الإيمان بالله وهو التوحيد لله رب العالمين حيث قال يارب إن لم أكن أخلصت في طاعتك فإنما يشفع لي أنني عشت دوما لم أشرك بوحدتك